شكل مقتل الشريف الفقيه مولاي اعلي الملقب أماعلي ولد لحبيب مشهدا اتراجدي لتاريخ غامض وقبيح تتبدد تجاعيده على وجه الدولة العميقة ، وتحدد ملابسات جريمة قتله الصامتة هوية القاتل الفعلي في خضم الحكم بالوكالة ، والذي كان السبب الرئيسي في ايقاظ الضمائر الحية انذاك.
لكن قرار اهدار دم الشهيد القارئ بالسبع والقائم بالليل دون وجه حق شرعي ، والتعتيم على الجريمة عقودا من الزمن لم يشفي غليل المستعمر الفرنسي ، ولم تكتفي به الدولة العميقة قربانا مقبولا في نظر اسيادها ليتجاوز العقاب إلى مدينته التاريخية الاقدم نشأة والأغني تراثا والأكثر علما ، والأعظم مصابا.. مدينة ولاتة التاريخية.
لم تستقر الحياة العادية في مدينة ولاتة منذ احداث النعمة 1962 إلى 2018 ، وهي اكثر من خمسة عقود أي 56 سنة كانت كافية لإخلاء مدينة ولاتة من سكانها الاصليين .
فبالاتفات إلى المدينة التاريخية وما تعانيه من مشاكل مزمنة على جميع الاصعدة ، ابتداء من الجهل والمرض والجوع ومرورا بالعزلة والفقر وليس انتهاء بالعطش الذي يضرب اطنابه على بعد كلومترات من بحيرة اظهر ، كل ذلك يؤكد اكثر من أي وقت مضى أن المدينة التاريخية لم تكن بمعزل عن قرار اعدام الشريف اماعلى ، بل كانت مشمولة بالقرار ، وإن لم تأتي في منطوق الحكم.
فبعد 56 سنة من استشهاد أماعلي رحمه الله ، هاهي ولاته على شكلها الحالي :
عاصمة مقاطعة خجولة تدعى ولاتة ، مازالت معظم المسؤولين يرى ان التحويل إليها هو عقاب من الانظمة كما اشار إلى ذلك بعض الحكام.
تحكم بحكم استثنائي أساسه فرقة من الدرك الوطني ، وحاكم مقاطعة غائب في اغلب الاحيان.
ليس فيها قاض منذ ثلاثة عقود ويرفض القضاة العمل فيها لاسباب مادية ومعيشية.
بها مدرستين متهالكتين وبدون صيانة ، وعن غياب المدرسيين حدث ولاحرج.
عاصمة المقاطعة والمدينة التاريخية بها نقطة صحية واحدة يعمل طبيب يسكن مدينة النعمة وقابلة تفضل السكن ايضا في النعمة.
تعاني المدينة التاريخية من العزلة وأخواتها تعيش الاربعين اسرة المتبقية من اصل ثلاثة الاف أسرة "تم تشريدها" اوضاعا معيشية ومأساوية تعتمد على مواد غذائية تتزحلق بها شاحنات على طريق وعر لتصل المواد بأسعار خيالية دون رقيب.
أما مشكلة العطش المستفحلة فحدث ولاحرج ، واغضض من صوتك فبحيرة اظهر على بعد كلومترات ولكن جاور الماء تعطشي .
أن مواكبة المشاكل المعيشية والمعانات المتراكمة لتاريخ مدينة ولاتة لاتخلوا من نية مبيتة لدى صناع القرار لإضاعة ارث انساني ومحو ملابسات جريمة ظلت المدينة التاريخية شاهدة على افظع فصولها بوصفها الام الثكلى الوحيدة التي اكتوت بجريمة قتلى الشريف أماعلى رحمه الله.
ولعل القرار المارق على ثوابت نظام المستعمر ، والذي سمح بالتعرف على مكان ضريح الشهيد لأول مرة منذ استشهاده كان بادرة للاعتراف بفظائع نفذت بالوكالة ضد الشعب الموريتاني.
لكن تجاهل المشاكل الاجتماعية والإنسانية لمدينة بحجم المدينة التاريخية ، وتعاقب الانظمة على المشاكل المطروحة لساكنة المدينة ، دون اخذ أي منها بعين الاعتبار ، لا يخلوا الامر من قرار قديم جديد بمحاصرة مدينة الشهيد اماعلي ولد لحبيب.
كيف لا وقد امعنت الانظمة المتعاقبة في تجاهل مشاكل المدينة الاقدم تاريخا في الدولة الموريتانية والتي من ابرز مشاكلها العطش والعطش والعطش.
كيف لا وقد قررت الحكومة سقاية التجمعات على مسافة المئات من بحيرة اظهر ، فيما تصر على حرمان مدينة ولاتة التاريخية على بعد 60 كلم من مشروع البحيرة.
كيف تفرجت الحكومات والأنظمة على مدى عشرات السنين على الهجرة العلنية التي شهدتها مدينة ولاتة التاريخية بسبب انعدام مستلزمات العيش الكريم .
هكذا يتضح مصدر قرار الحصار والعقوبات المفروضة على مدينة ولاتة ، وهذه هي البداية!! ولكن أين النهاية؟؟ لست ادري!! ولكن كما قال الشاعر.
تَراني مُقْبِلاً وتَصُدَّ عنِّي .... كأنَّ الله لمْ يَخلُقْ سِواكَ
سَيُغنيني الذي أغناكَ عنِّي ....فلا فَقْرِي يَدُومُ ولا غِناكَ
مولاي الحسن بن مولاي عبد القادر