على الرغم من أن الحكومة الجزائرية أعلنت عن تبنيها نموذجا اقتصاديا جديدا يتم من خلاله التحول من اقتصاد يعتمد على العائدات البترولية إلى اقتصاد متنوع يدعم الإنتاج المحلي فإن واقع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تكافح من أجل الاستمرار يشكك في خطاب الحكومة.
وأثناء نزوله ضيفا على منتدى يومية المجاهد الحكومية كشف رئيس المجلس الاستشاري لترقية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة زعيم بن ساسي عن إحصاء تسعمئة ألف مؤسسة صغيرة ومتوسطة بالجزائر، مؤكدا على أن "نسبة إفلاس هذه الشركات والمؤسسات تتراوح ما بين 10% و14% سنويا".
وسجل بن ساسي جملة من الأسباب التي تدفع هذه المؤسسات إلى إغلاق أبوابها، أهمها الأعباء الإدارية التي تفرضها البنوك والمؤسسات المالية على هذه الشركات، ودعا بنك الجزائر إلى إقرار مزيد من التسهيلات ومزيد من المرونة في تعامله مع هذا النوع من المؤسسات الاقتصادية التي وصفها بــ"الداعم للاقتصاد الوطني ومعول تحريك التنمية بالجزائر".
تحول بطيء
وكشف عبد القادر سماري وزير المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الأسبق والرئيس الحالي للمنتدى الاقتصادي الجزائري (مؤسسة غير حكومية) عن أن "السياسة العامة ببلاده في مجال إنشاء ودعم ومرافقة هذه المؤسسات هي نسبيا حديثة لم يتجاوز عمرها الثلاثة عقود".
ويوضح سماري في حديث للجزيرة نت أن السبب في ذلك هو "طبيعة الاقتصاد الجزائري الذي كان إلى وقت قريب اقتصادا منغلقا وممركزا ويعتمد على المشاريع العمومية الكبرى، لذلك كان التحول بطيئا جدا، سواء من ناحية التشريع أو من ناحية المرافقة أو من ناحية البرامج، بالإضافة إلى البطء الإداري والبيروقراطية في عمليات تسهيل إنشاء وتطوير المؤسسات الصغيرة والمتوسطة".
ويشدد سماري على أن "طبيعة المنظومة المالية والبنكية عموما لها دور كبير في إنشاء واستمرار هذه المؤسسات".
وأشار إلى الدور الذي تلعبه الصفقات عموما، والصفقات الحكومية خصوصا، فإذا كان التشريع المعمول به يعطي الحق لهذا النوع من المؤسسات في 20% من الصفقات العمومية فإنه يؤكد أنه "لم يطبق إلا في حدود ضيقة مما يؤدي بها إلى عدم القدرة على التعايش والاستمرار".
وفي ظل الأزمة الاقتصادية التي تشهدها الجزائر بسبب تراجع مداخيلها من النفط والغاز بأكثر من 50% بسبب تهاوي الأسعار أشار سماري إلى أن هذه المؤسسات يمكن أن "تؤدي دورا محوريا في الإنعاش الاقتصادي".
وفي هذا السياق، ذكر أن السياسة العامة للدولة أولت أهمية كبيرة للقطاع الخاص، وقدمت الكثير من التحفيزات الإدارية والجبائية، كما أنها قدمت دعما كبيرا لإنشاء المؤسسات المصغرة في إطار برنامج دعم الشباب الذي أدى إلى إنشاء ما يقارب أربعمئة ألف مؤسسة مصغرة في مختلف مجالات النشاط الاقتصادي على أمل أن "تتم مرافقتها لتصبح مؤسسات صغيرة أو متوسطة".
غياب المرافقة
ويؤكد الخبير المالي محمد بوجلال أن الجزائر بحاجة إلى مليوني مؤسسة صغيرة ومتوسطة من أجل تغطية السوق المحلية، سواء بالنسبة للمنتجات أو الخدمات.
وأشار للجزيرة نت إلى أن "غياب المرافقة ومشاكل التمويل هي الأسباب التي تدفع بالمؤسسات إلى إغلاق أبوابها".
ومن خلال مشاركته في مشروع أشرف عليه مجموعة من الخبراء الاقتصاديين تحت عنوان "أي نموذج اقتصادي للجزائر؟" تم الكشف عن تفاصيله الأسبوع الماضي أكد بوجلال -الذي كلف بإعداد تصور للإصلاحات التي يجب اتخاذها في المجال المصرفي والمالي- أن الانفتاح على المنتجات البديلة -ويقصد بذلك التمويل الإسلامي- أحد أهم الحلول لمواجهة التراجع الحاد لمداخيل بلاده من العملة الصعبة.
وفي هذا السياق، كشف عن أن أكثر من تسعمئة مؤسسة أغلقت أبوابها بسبب التعامل بالفوائد، واعتبر أن توفير التمويل الإسلامي سيسهل عملية الاستثمار.
وأشار إلى تواجد نية لدى الحكومة مؤخرا للانفتاح على المنتجات الإسلامية، الأمر الذي يعكسه "الشروع في تكوين إطارات مالية متخصصة في هذا المجال".
المصدر : الجزيرة