يبدو الطريق مسدودا أمام أنقرة وأوروبا في ما يخص مباحثات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، لا سيما عقب التوتر الذي أثاره البرلمان الأوروبي لتبنيه قرارا غير ملزم يدعو إلى تجميد مؤقت للمفاوضات.
ويثير هذا التوتر مخاوف تتعلق بالاتفاق المبرم في آذار/ مارس الماضي بين الحكومة التركية والاتحاد الأوروبي، الذي أتاح وقف تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا عبر الجزر اليونانية في بحر إيجة.
وجاء رد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عنيفا الأسبوع الماضي، إذ هدد الاتحاد الأوروبي بـ"فتح الحدود" التركية للسماح بمرور المهاجرين الراغبين في الوصول إلى أوروبا.
وتدور تساؤلات حول الخيارات المتاحة أمام الاتحاد الأوروبي، في حال نفّذ الرئيس التركي تهديداته بفتح الأبواب أمام المهاجرين للتدفق نحو أوروبا.
من جانبه، أجاب المحلل السياسي المهتم بالشأن الأوروبي، صالح بن بكر الطيار، في حديثه لـ"عربي21" بأنه "لن يكون أمام أوروبا من خيار سوى العودة إلى طاولة المفاوضات وتقديم بعض التنازلات التي لن تصل إلى حد قبول عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي"، وفق قوله.
سلسلة من التهديدات التي أطلقها أردوغان لأوروبا:
- فتح الحدود أمام المهاجرين الراغبين في التوجه إلى أوروبا، خاصة أن تركيا تستقبل على أراضيها مليونين و700 ألف لاجئ سوري.
- لجوء تركيا إلى إجراء استفتاء شعبي حول مواصلة المفاوضات بشأن انضمامها للاتحاد الأوروبا، وذلك خلال عام 2017.
- إيجاد بديل عن الانضمام للاتحاد الأوروبي، مثل طرح فكرة انضمام تركيا إلى منظمة شانغهاي للتعاون، وهي كيان تقوده الصين وروسيا.
وبحسب الطيار، فإنه إذا كان التهديد الثاني ليس بذي أهمية، فإن التهديد الأول "يشكل خطرا كبيرا على أوروبا".
ولفت إلى أنه بات من الملاحظ أن بعض المسؤولين الأوروبيين سارعوا إلى القول عقب تهديدات أردوغان إن موقف البرلمان الأوروبي هو موقف سياسي غير ملزم، وإن المفاوضات مع تركيا ستتواصل.
وقرأ الطيار من خلال هذه التصريحات الأوروبية أن جميع الأطراف ستضطر إلى أن تبحث عن تسوية تعود بالفائدة على تركيا ودول الاتحاد الأوروبي.
وعلّق على تهديدات أردوغان حول وجود بديل عن الانضمام للاتحاد الأوروبي، وأنها قد تنضم إلى منظمة شانغهاي للتعاون، بأن "هذا الأمر يدخل في باب التهويل السياسي"، وأن تركيا لا يمكن لها الاستغناء عن أي شراكة مع أوروبا، مهما كان مستواها، وفق قوله.
الجدير بالذكر، أن لأنقرة اختلافات مع سياسات المنظمة في ما يتعلق بمحاربة الأصولية الإسلامية، إلى جانب خلافاتها مع روسيا بشأن ضم إقليم شبه جزيرة القرم ومصير تتارها، وخلافاتها أيضا مع الصين حول تعامل الأخيرة المجحف بحق "الإيغور"، الأقلية المسلمة ذات الأصول التركية في إقليم شينغيانغ الصيني.
اقرأ أيضا: هل تنضم تركيا لمنظمة شنغهاي بديلا عن الاتحاد الأوروبي؟
وفي ما يخص التهديد باستفتاء شعبي، فقد أوضح الاستطلاع الذي أجرته شركة (ORC) مؤخرا، واطلعت عليه "عربي21"، تدني نسبة المؤيدين في تركيا لانضمام بلادهم إلى الاتحاد إلى 21.5 في المئة، فيما عارض 65 في المئة من المشاركين في الاستطلاع مسألة الانضمام، في حين امتنع 13.5 في المئة عن التصريح برأيهم.
وبحسب استطلاع آخر، فإن نسبة تأييد انضمام تركيا تجاوزت الـ70 في المئة عام 2002، وفق مؤسسة "AP-GFK"، وكان واضحا أن نسبة التأييد تتركز أكثر على مناطق تواجد الأكراد.
لماذا هذا الموقف الأوروبي؟
استغرقت الخطوات التركية الأولى على طريق العضوية في الاتحاد الأوروبي نحو 50 سنة، منذ أن طالبت أنقرة بالعمل المشترك مع المجموعة الاقتصادية الأوروبية التي ظهرت عام 1963. لكن مفاوضات انضمام تركيا بدأت رسميا عام 2005.
وفي عام 2013، قرر الاتحاد الأوروبي تأجيل المباحثات حول انضمام تركيا إلى أوروبا بطلب من ألمانيا.
ووفقا للطيار، فإن لدى الاتحاد الأوروبي توجها بأن يتعامل مع تركيا شريكا أساسيا، ولكن ليس عضوا فاعلا داخل الاتحاد.
وقال إن هذا يعني أن أوروبا لا تؤيد انضمام أنقرة إلى اتحادها، "لأن تركيا تشكل كتلة إسلامية وازنة، الأمر الذي يثير مخاوف الكثير من الدول الأوروبية، التي لا تعلن عن ذلك صراحة بل إنها تلجأ إلى التذرع بأمور أخرى، من أجل إبقاء تركيا خارج الاتحاد".
أبرز الذرائع التي تلجأ إليها الدول الأوروبية:
- تركيا تحتل قسما من قبرص، وعلاقتها سيئة مع اليونان.
- اتهامها بأنها لا تحترم حقوق الإنسان، وأنها لم تحارب بشكل جدي الفساد والرشاوى.
- الزعم بأن تركيا تمارس قمع الأحزاب المعارضة، وأنها تخوض حروب إبادة ضد الأكراد.
- اتهام الحزب الحاكم باستغلال الانقلاب العسكري لتصفية خصومه السياسيين.
ومع نشوب أزمة النازحين السوريين واستخدامهم الأراضي التركية للتسلل عبرها إلى أوروبا، فقد عاد الاتحاد الأوروبي لمفاوضاته مع تركيا للحد من هذه الهجرة الشرعية لقاء دعم أنقرة بثلاثة مليارات دولار..
إلا أن دول الاتحاد الأوروبي لم تلتزم جديا بتسديد هذا المبلغ، وذلك بحجة اعتراضها على ممارسات تركيا التي أعقبت محاولة الانقلاب في تموز/ يوليو الماضي.
وعادت المفاوضات الثنائية فيما بعد، وكان من المفترض أن يقرر الاتحاد الأوروبي السماح بدخول الأتراك إلى "دول شنغن" دون تأشيرة، إلا أن نحو 130 نائبا أوروبيا أقدموا على توقيع مذكرة تدعو إلى وقف التفاوض مع تركيا، وتم نتيجة لذلك تصويت النواب الأوروبيين في ستراسبورغ على التجميد المؤقت لانضمام تركيا إلى الاتحاد.
وكانت حجة النواب الأوروبيين أن أنقرة تقوم بـ"حملة تطهير" واسعة إثر محاولة الانقلاب، إضافة لبحثها إعادة عقوبة الإعدام.
وسبق للمفوضية الأوروبية أن جمدت مفاوضات انضمام تركيا جزئيا على خلفية الأزمة القبرصية عام 2006، وترتب على ذلك إبطاء المفاوضات.
اقرأ أيضا: من الخاسر في حال عدم انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي؟
من جهته، أشار الكاتب والباحث عمر كوش، في مقال له اطلعت عليه "عربي21"، إلى أن ما يثير حفيظة المسؤولين الأتراك هو الدعم الذي يتلقاه حزب العمال الكردستاني في أغلب الدول الأوروبية، وهو الحزب الذي تعتبره أنقرة "منظمة إرهابية" وتخوض حربا ضد مقاتليه في الجنوب الشرقي من تركيا.
وأضاف إلى ذلك موقف بعض الدول الأوروبية من القضية الأرمنية، وآخرها موافقة البرلمان الألماني في الثاني من حزيران/ يونيو 2016، على مشروع قانون يعترف بدور تركيا في ما جرى للأرمن خلال الحرب العالمية الأولى، ويصف ما قام به العثمانيون آنذاك بأنه "إبادة جماعية".
وقال إن على الاتحاد الأوروبي أن يدرك أن تهديدات أردوغان هي "رد فعل على حقيقة أن تعهدات الغرب لا يتم الوفاء بها"، بحسب وصف الكاتب التركي أحمد تاسغيتيرين، الذي رأى أن علاقات أنقرة مع دول مثل روسيا وإيران عرضة للاشتعال والبرود.
وختم بالقول إن "بحث تركيا عن بدائل لن يعني التخلي عن مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وبالتالي فإن قرار البرلمان الأوروبي يعكس تأزم العلاقات معها، لكنه لن يمنع حرص كلا الطرفين على عدم إيصال التأزم إلى مرحلة القطيعة، لأن كلفتها كبيرة عليهما معا".