لا شك أنكم تدركون يا فخامة رئيس الجمهورية أهمية القطاعات التي تشكل الحكومة و دورها المحوري في تنفيذ البرامج التنموية على كافة الأصعدة.
و لكن سيدي الرئيس الموقر خطر لي كمواطن بسيط يهمه نجاح برنامجكم الذي يسعى إلى إحداث نهضة في البلد، أن ألفت انتباهكم، من منطلق اهتمام الجميع بما هو معمول لهم و للوطن، أنه في مجمل الحقائب الوزارية و كتابات الدولة ما هو عبء ثقيل على الميزانية و يشكل وكرا صامتا للنهب المقنع و الفساد الممنهج الذين يفطيهما محيط التكتم المضروب حول التسيير فيهما ضمن دوائر جد ضيقة. و هي قطاعات لا مردودية لها مطلقا و الشعب لا يعلم عنها إلا أسماءها الكبيرة و أسماء المعينين على رأسها من دون أن تكون لهم معرفة سابقة بحقول عملها و محتوى رسالاتها و مرامي أهدافها، و كأنها هدية لهم من السماء يسيرون ميزانياتها على ميزاجهم و بعناصر قليلة من المقربين منهم، ميزانيات تتجدد و تتضاعف كل عام لتبدأ مسيرة جديدة من النهب و الفساد في غياب المررودية.
حالة نفسية تحتاج النظر
تتميز الحالة النفسية العامة للشعب الموريتاني بالاضطراب الشديد و غلبة شيزوفرينيا تضاعف حدتها حالته البدنية التي تعاني من انتشار و استحكام الأمراض المزمنة و سوء التغذية الصارخ. و العجيب أن لا جهة تنتبه لهذه الظاهرة و كل علاماتها ماثلة في التعامل الفوضوي مع كل أمور و أوجه الحياة و في الدوائر الحكومية و جملة الإدارة؛ ظاهرة متمثلة في سهولة الشجار و تجاوز القانون و تعطيل حركة المرور و سير الإدارات. كما تتجلى في اتخاذ الكسل و الترفع عن العمل أسبابا للرفعة و المنعة و السمو الارستقراطي، من زمن ولى، على الآخر الذي لا يقل اضطرابا، و في خرق القوانين و تجاوز المساطر التنظيمية بكل صلف و جرأة و التفاخر بالنهب بوصفه شجاعة و الفساد كرما في دائرة تحميها مفاهيم الماضي و فقهاء الانتماء و التحالف السيباتي.. و لا يسلم الموظف السامي الذي تأتي به، إلى أعلى الوظائف و منها القطاعات الوزارية، هذه الاختلالات النفسية التي تحويل وهم العظمة و الالمعية الدونكيشوتية إلى تصرفات مدمرة تلقي بظلالها على المسار المتعثر و تظل تزج بالبلد في أتون التخلف و التقهقر و ترمي بأهله في أحصان السيبة التي تلازمه في مرضه النفسي المزمن..
ادعائية تغطي رداءة الواقع
ويستمر شح العطاء في ساحة فكرية و ثقافية و فنية خالية على عروش "ادعائية" من يفترض أنهم عمارتها و ملهمو العطاء داخل أسوارها؛ ساحة جمعت النرجسية و الشزوفرينيا، و في أحسن الأحوال الدنكيشوتيةعلى خلو من أية أنشطة أو أصوات تنادي بتنظيمها. و يستمر بالمقابل سيل عرم من النفاق و التملق يجرف القيم و يخدش بقايا حياء بائر من ناحية، و يوطد أركان الرداءة من ناحية أخرى. و المدعون للألمعية كثر بالأسماء قليلون بالإثبات في ساحات العطاء و على منابر التعبير للتنوير و التوجيه. و مسارح التبادل و التلاقح و الابداع غائبة.. و الأمر لا يختلف في شيء إن عدت السياسية التي هي المعتمد لبناء النظم الوطنية و الحكامات الرشيدة. و المحير أن لا أحد يشير إلى هذه الحالة الفريدة من الخواء على كوكب الأرض. في دول الجوار تنشط الثقافة و تنتج و تنور وتؤثر. و حركة التأليف فيها فرس رهان النخب لانتشال شعوبهم من التخلف والانحسار، و لإحداث التحول الإيجابي على كل الصعد، و مسار الفن التحق فيها بالشبكة الدولية. و المحير أيضا أن هذه النخب البالغة الادعائية تمارس بلا حياء سياسة التملق و التزلف لبلوغ مآرب أنانية ضيقة و لا تكترث بتاتا لما بصيبها جراء ذلك من الاضمحلال و سوء العواقب. و لا يكلف تصديق هده الحالة المأساوية أكثر من تتبع نشرات الأخبار التلفزيونية و الإذاعية و قراءة قليل الصحف الرمادية و المواقع الالكترونية الهلامية للاطلاع على هذا الخواء القاتل. فإلى متى يظل الإدعاء يغطي الواقع البائس؟
غياب الزعامة
تابعت شريطا جمع فيه معده مواقف خالدة للزعماء العرب الذين تركوا بصمات بارزة في تاريخ الأمة الحديث و إن لم يساعدهم الحظ و لم يفهموا كما كان ينبغي من الشعوب العربية، بل و إنهم حوربوا من طرف الغرب المستعمر و الصهيونية المغتصبة، فلم أجد أثرا لموريتاني يخطب أو ينادي أو يحلل أو يقترح.. غياب شاهدته في سريط آخر اتجه في ذات المنحى إلى إبراز شخصيات القارة السمراء الذين خلد التاريخ أسماأهم، فلم أجد سوى ذكر الراحل المختار ولد داداه الذي أثبت أنه من زعماء زمانه و إن تضمنت إحد خطاباته - و البلد في طور التأسيس على يده - جملة اكتنفها ضعف شديد و تبعية عمياء بمناسبة تأسيس العاصمة نواكشوط حيث قال بالحرف "ها هي ذي فرنسا تقدم للموريتانيين أغلى هدية ممكنة عاصمة لها"..
غياب لافت للزعامة في هذا البلد الذي يحتاج إلى الالتفاف حول فكر موحد و إراد تحول تخلى بها من حولنا فوصل إلى إرساء مفهوم الدولة و خلق الخطاب الوطني الحدوي و تبذ الكسل و مواجهة النهب و الفساد و سو ء التسيير و تبديد نقدرات البلد تحت دثار الظلامية و "السيباتية" بكل أطوارها و سوءاتها
استهلاك إنتاج الغير على خلفية المكابرة
لاحظت كالكثيرين مثلي أننا لا نملك إنتاجا دينيا ذاتيا يوجه و يعلم و يفقه الناي في ديتهم و ينشر مكارم الأخلاق بينهم، و أن المتداول يوميا على شبكات التواصل و عبر بعض القنوات التلفزيونية و ابمحطات الإداعية و غيرها، بغثه و سمينه، و المؤكد من صحته و المشكوك فيها، كله نقل و تحويل من مواقع و قنوات و محطات غيرنا، و من إعداد و أداء غير علمائنا و مرشدينا و فقهائنا و مربينا...
يحدث هذا و لا تكف أسطوانة الإدعاء المشروخة بألمعيتنا و نبوغنا و طلاقة ألسننا و فصاحة و بلاغة و قوة خطابنا تدور على الآدان و تردد كالببغاء ما يكذبه واقع الخواء و الركود...
فإلى متى نظل نستهلك مادة الغير بغثها و سمينها و لا ننتج ما ينافسها؟ و إلى متى سنطل ممتنعين عن الكف عن الكذب و الادعاء؟
الولي سيدي هيبه