إذا نظرنا إلى الامور نظرة عابرة سطحية ,فإن حادثة إطلاق النار في موقف السيارات بوزارة الاسكان والعمران من قِبل شخص غاضب منذ يومين يدعي الظلم والحرمان ,تبدو حادثة منفصلة عن غيرها من الاحداث السياسية التي بدأت تطفو على السطح بين تيار الاسلام السياسي ممثلا بحزب "تواصل" وجماعة الاخوان المسلمين من جهة وبين السلطات العمومية في البلد.
لكننا حين نحاول الغوص في الاعماق واستقراء الوقائع على الارض وتحليل الامور ووصل جزئيات الاحداث بعضها ببعض ,فسنجد أن ربط حادثة إطلاق النار في الوزارة بما يجري من أحداث سياسية وتداعيات متلاحقة أمر منطقي جدا ,دون أن نجزم بذلك ,فالقضية ما تزال قيد التحقيق الامني والقضائي ,وهما وحدهما اللذان يستطيعان تفكيك طلاسم الامور وفك ألغازها ,بينما نحن مهمتنا التحليل وقراءة ما بين السطور وما وراء الأحداث ,فالرجل الذي قام بإطلاق النار ليس شخصا عاديا ,فهو ـ كما قيل ـ رجل علم وإمام مسجد وله أنصار وأتباع وطلاب ,مما يعني أن تصرفاته محسوبة بدقة ,ويدل على ذلك الطريقة التي أحضر بها البندقية إلى داخل الوزارة وتصويب فُوهتها إلى الهواء ثم القيام بإطلاق 3 رصاصات قبل أن يسلم نفسه ـ طواعية ـ لرجال الامن المتواجدين في المبنى.
هذا التصرف المنضبط لا يدل في ـ نظرنا ـ على مجرد احتجاج على مداخلات أو تخطيط قطعة أرضية ,وإنما يرتبط ارتباطا وثيقا بما يقع حاليا بين الحكومة "والاسلاميين" من سياسة تكسير العظام وشد الحبال وإغلاق المراكز والجامعات ,ولعل الرجل أراد لفت الانتباه إلى أن على سلطات البلد توخي الحذر في تعاملاتها وتصرفها مع التيار الاسلامي ,وقد تكون الرصاصات الثلاث مجرد تنبيه وتحذير.
وعلى كل الاحوال ,فإننا لا نستبعد أيا من الفرضيتين ,والايام القادمة وحدها هي ما ستثبت أو تنفي صحة إحداهما ,مع تمنياتنا بأن تكون فرضية الاحتجاج على "ظلم الوزارة" هي الصحيحة ,وأن يكون إطلاق النار مجرد حادث منفصل لا علاقة له بما يدور حاليا في كواليس السياسة المحلية ,لأن غير هذا الاحتمال سيشكل سابقة خطيرة.
حفِظ الله بلادنا ,وأدام عليها نعمة الامن والسلام.
بقلم/ محمد محمود محمد الامين