قبل عشر سنوات، أرسل زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري "مبعوثه" ليطلب من أبي مصعب الزرقاوي، زعيم تنظيم القاعدة في العراق حينها والتي تحولت إلى تنظيم الدولة، أن يخفف نبرته، إلا أن هذه الرحلة وفشلها، تسببت بولادة تنظيم الدولة، بحسب باحث أمريكي.
وقال الباحث في شؤون الجماعات الجهادية، بريان فيشمان، في مقال له على مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، الأربعاء، إن عبد الهادي العراقي، بدأ رحلته من أفغانستان إلى سوريا، ليلتقي بالزرقاوي، لكن ألقي القبض عليه في تركيا، مما أدى لفشل الرحلة.
"محمد رضوي"
ويروي فيشمان، صاحب كتاب "خطة داعش الرئيسية"، أن "إدارة مكافحة التهريب والجريمة المنظمة" التركية، تلقت هاتفا، من مصدر مجهول، أبلغها أن بعض الإيرانيين يسافرون إلى بلدة كلس الحدودية، جنوب تركيا للدخول إلى سوريا، بجوازات سفر مزورة.
وفي مساء 16 تشرين الأول/ أكتوبر 2006، قرب جامعة غازي عينتاب؛ اعترضت الشرطة سيارة بذات الرقم الذي أبلغهم به المصدر المجهول، وكان بها رجلان، وامرأة، وأربعة أطفال، وعرف سائقها نفسه باسم: محمد رضا رضوي، وهو ذات الاسم على الجواز المذكور.
وأثار جواز رضوي، وتفاصيل دخوله وخروجه إلى تركيا، اشتباه الشرطة التركية، كما وجدوا في سيارته ما يقارب 11 ألف دولار، وهاتفين، وشريحتي اتصال.
والأهم، أن رضوي اعترف بأن جوازه مزور، واسمه الحقيقي هو عبد الرحمن محمد، وولد في أفغانستان، وعاش في كابول وكان متوجها إلى أوروبا لطلب اللجوء مع عائلته، ثم طلب اللجوء في تركيا، وكان ينوي التوجه إلى سوريا "للتفرج" في رمضان، قبل الذهاب إلى أوروبا، وهو ما أكدته زوجته سونيا كذلك في تحقيق منفصل معها.
وأصر محمد على عدم العودة إلى أفغانستان، وإن لم يكن هناك بد فليعيدوه إلى باكستان، كما اعترف أنه حصل على جوازه المزور من مجرمين في إيران، وعدوه بأنه سيسهل عليه الاستعمال في تركيا أكثر من الأفغاني، بحسب فيشمان.
عبد الهادي العراقي
وإن لم تكن السلطات التركية تعلم الكثير، فقد كانت المخابرات المركزية الأمريكية تعلم أكثر، حيث كانت مطلعة على أن عنصرين تركيين من تنظيم القاعدة، هما: محمد يلماز، ومحمد رشيد عشق، سافرا إلى إيران ليساعدوه وعائلته ليعبر الحدود إلى تركيا.
وكانت المخابرات الأمريكية تعلم أن يلماز قاتل في أفغانستان، وساعد في سلسلة من التفجيرات في اسطنبول في عام 2003، كما أن الرجل الثاني الذي كان في السيارة مع رضوي هو محمد بلاط، الذي التقاه وعائلته في عينتاب.
والأهم من كل ذلك، أن الرجل، مركز الاهتمام، الذي اعتقل في السيارة في غازي عينتاب، لم يكن محمد رضوي، ولا عبد الرحمن محمد، وبالتأكيد ليس لاجئا في طريقه إلى أوروبا، بل: عبد الهادي العراقي، المبعوث في مهمة "يائسة" لاستعادة سلطة تنظيم القاعدة على فرعها المتمرد في العراق.
وبما أن عبد الهادي كان جالسا في سجن الشرطة، فقد كان يعلم أن مهمته فشلت، لكنه لم يكن يعلم مدى سوء الفشل، فباعتقاله؛ خسر تنظيم القاعدة أبا مصعب الزرقاوي، الذي يصفه فيشمان بأنه "واحدا من أكثر عناصر القاعدة إبداعا"، وأدى ذلك لفقدان السيطرة على الفرع العراقي المتمرد، الذي سيتصدر المشهد الجهادي العالمي، ويصبح مستقبلا تنظيم "الدولة الإسلامية".
ومع أن التنظيم لم يعلن "الخلافة" حتى عام 2014، إلا أنه كان قد أعلن "الدولة الإسلامية في العراق"، قبل يوم واحد من اعتقال عبد الهادي، بدون استشارة قيادة تنظيم القاعدة المختبئة في مناطق باكستان القبلية، حيث مثل هذا الإعلان تحديا كبيرا لسلطة القاعدة، وأكد على الانفصال العلني والعنيف بين القاعدة وتنظيم الدولة.
نشوان عبد الرزاق الباقي
ووصل نشوان عبد الرزاق الباقي إلى باكستان مطلع التسعينيات، بعد انسحاب الاتحاد السوفييتي من أفغانستان بقليل، وهو كردي من مدينة الموصل، وكان في الجيش العراقي أثناء الحرب الإيرانية العراقية، وشهد تغيرا لكنيته خلال هذه السنوات، ما بين عبد الهادي الموصلي، وعبد الهادي الأنصاري، وصولا إلى عبد الهادي العراقي.
ومثل الكثير من الجهاديين في تلك الفترة، بحسب فيشمان، عاش عبد الهادي في باكستان بعد أن اندلعت الحرب الأهلية بين الفصائل الأفغانية، قبل أن ينسحب إلى أفغانستان في عام 1995 أو 1996، بعد سيطرة طالبان على الكثير من الأراضي، مفعلا خبرته العسكرية في "لواء الأنصار"، الذي تكون من أجانب قاتلوا لجانب طالبان.
وبعد ذلك بسنوات، سيناقش باحثون استخدام التكتيكات العسكرية للجيش العراقي عند تنظيم الدولة، كدليل على أن بعثيين سابقين كانوا يقودون العمليات، إلا أن فيشمان رأى أن العقيدة القتالية للجيش العراقي كانت مفعلة في تنظيم القاعدة قبل ذلك بسنوات، لأن الرجل الذي قاد النشاط العسكري للتنظيم، عبد الهادي العراقي، كان منشقا عن الجيش العراقي.
وبحلول عام 1998، أصبح عبد الهادي نجما صاعدا في القاعدة، حيث أدار منزل ضيافة في كابول، وكان واحدا من أصل ستة عرب محاورين في "لجنة الارتباط العربية" في إمارة طالبان، والتي تخوله للحوار باسم الأفغان العرب مع أفغانستان، كما كان من قلة أجانب في "مجموعة باميان"، التي كانت مسؤولة عن تدمير تمثال باميان، وأصبح في حزيران/ يونيو 2001 واحدا من عشرة أعضاء للهيئة الاستشارية للقاعدة، ولزعيمها أسامة بن لادن.
نحو العراق
وبعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وسقوط حكومة طالبان؛ أصبح عبد الهادي مسؤولا عن شمال أفغانستان، وكان مسؤولا عن عمليات خارجها، كما عمل على نقل إستراتيجية القاعدة إلى العراق، فقد بقي على تواصل مع أصدقائه وعائلته قرب الموصل، وكان هناك مخيم يسمى "مخيم الأكراد" للعناصر الذين يأتون لمنزل ضيافته في أفغانستان.
كما لعب عبد الهادي دورا في تعزيز أبي مصعب الزرقاوي، الأب الروحي لتنظيم الدولة، متهما الجهادي السوري المعروف أبا مصعب السوري بـ"أخذ" المجندين من منزل ضيافته، مما دفعه للتنسيق مباشرة مع سيف العدل وأبي حفص المصري لتنسيق إستراتيجية مضادة، تضمنت تعزيز دور الزرقاوي لوضع حد لتجنيد السوري من "الشام".
وكانت علاقات عبد الهادي مهمة عندما نقل الزرقاوي عملياته إلى العراق، فقد عمل، إلى جانب العدل، كطرف حوار مع الزرقاوي، بعد أن تأخر الزرقاوي بمبايعة بن لادن، رغم دعم القاعدة اللوجستي والمالي له، إلى أن انتهت بالبيعة بجهود عبد الهادي.
وكان التواصل بين العراق وجنوب آسيا محفوفا بالمخاطر، فقد كانت الجغرافيا والأجهزة الاستخباراتية تزيد الخطورة، بينما يمكن دائما تعقب الاتصالات الإلكترونية والهاتفية، ولذلك رفض عبد الهادي طلب الزرقاوي للدعم المالي من القاعدة في عام 2003، خشية أن تسرق في الطريق، ولذلك أرسل مبعوثين للتفاوض معه، كان أنجحهم باكستاني من بلوشستان اسمه حسن غول.
"رفض حمام الدم الطائفي"
عندما التقى غول والزرقاوي في كانون الثاني/ يناير عام 2004، أعلن الزرقاوي بوضوح أن إستراتيجيته هي بدء حمام دم طائفي، باغتيال الزعماء الدينيين والسياسيين للشيعة، لتبدأ الحرب الطائفية، فرد عليها عبد الهادي، بحسب ما نقلت لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأمريكي من هذه المحادثات، بأنه "يرفض أي عمليات في العراق قد تسيل دم المسلمين".
وبعد اعتقال غول، لاحقا، على يد قوات مكافحة الإرهاب الكردية عام 2004، في طريقه من العراق، أخبر محققي المخابرات المركزية الأمريكية أن عبد الهادي "أشار على الزرقاوي برفض هذه العمليات".
وكانت مخاوف عبد الهادي من جانبين، فقد كان رافضا لرؤية الزرقاوي الوحشية الإستراتيجية، لكنه كان يخشى أن البعد والاتصالات لا تظهر الصورة الحقيقية في العراق.
وكانت قيادة القاعدة تأمل أنها بـ"استدخالها" لعناصر موثوقين على الأرض، قد تتمكن من تشكيل صورة أفضل للبيئة العملياتية، وبالتالي تملك مزيدا من النفوذ على الزرقاوي، ولذلك أمر عبد الهادي غول بأن يناقش هذه القضية مع الزرقاوي، ويستحدث طريقا للمقاتلين ليسافروا إلى العراق، فوافق عليها، وطلب أفرادا بمهارات تقنية محددة، رغم أنه كان يملك استقلالية في العراق.
وربما حثت رغبة الزرقاوي على التعاون ذهاب عبد الهادي بنفسه إلى العراق، إلا أن وصول جنود من قيادة القاعدة، يفوقونه في المرتبة، يمثل تهديدا لصلاحيته، فتراجع الزرقاوي عن الفكرة، موضحا لغول، بحسب تقرير "لجنة الاستخبارات" في مجلس الشيوخ الأمريكي، أن "هذه ليست فكرة جيدة، لأن العمليات في العراق مختلفة عن العمليات التي كان عبد الهادي يقوم بها في أفغانستان"، فأجل الفكرة حينها.
نقطة الانفصال
وبايع الزرقاوي زعيم تنظيم القاعدة حينها، أسامة بن لادن، في تشرين الأول/ أكتوبر 2004، ولكن بشروطه، فقد أكد أنه تنازل لأن "إخوته المحترمين في القاعدة فهموا إستراتيجته، وفتحوا قلوبهم لطريقتها"، وولد "تنظيم القاعدة في العراق"، لكن إستراتيجية التوحش والطائفية، التي رفضها عبد الهادي، ستستمر.
واستمرت جهود القاعدة للسيطرة على الزرقاوي، ففي رسالة من التنظيم، حذر أبو أيمن الظواهري، الرجل الثاني في التنظيم حينها، في عام 2005، الزرقاوي من معاداة العراقيين و"تجنب مشاهد الذبح".
واستمر الانفصال بين القاعدة والزرقاوي، ووصلت للتأزم في تشرين الثاني/ نوفمبر 2005، عندما فجر عناصر من الزرقاوي ثلاثة فنادق في العاصمة الأردنية عمان، وقتلوا أكثر من 60 أردني، مما أغضب قيادة التنظيم، حيث كتب عطية عبد الرحمن، القيادي في تنظيم القاعدة في إيران، أن "السياسة يجب أن تهيمن على العسكرية"، آمرا الزرقاوي بإيقاف العمليات خارج العراق.
وأعاد عطية مخاوف عبد الهادي حول قدرة القاعدة على إدارة الأحداث في العراق عن بعد، كما شعر بالخطر عندما أنكر الزرقاوي رسالة الظواهري، مؤكدا أنها كانت "أصلية ومثلت أفكار إخوتنا وشيوخنا وكل القيادة الفكرية والأخلاقية هنا"، مؤكدا أن التنسيق بين القاعدة وفرعها في العراق هو أكبر الأولويات "حيث أن إعداد الرسل بينكم وبين القيادة هنا خير من إرسالهم لعمليات مثل فنادق عمان"، بحسب عطية.
واستجاب الزرقاوي أخيرا بشكل جزئي، حيث أسس في كانون الثاني/ يناير 2006، تحالفا من التنظيمات الجهادية العراقية هو "مجلس شورى المجاهدين"، لتهدئة مخاوف القاعدة، وعينوا زعيما عراقيا عليه، مقابل تقليل صلاحيات الزرقاوي.
ورأى فيشمان أن المجلس كان عبارة عن "حالة تزيينية"، حيث لم يضم ثاني أكبر تنظيم جهادي في العراق: "أنصار السنة"، الذي يملك جذورا كردية، وعلاقة مضطربة مع الزرقاوي، إلا أن القيادة المركزية كانت حريصة على توحيد الحركة الجهادية، مما دفع عدم ثقة الزرقاوي بـ"أنصار السنة"، لإجراء محادثات مباشرة معهم من جانب القاعدة.
مبعوث القاعدة
في 26 كانون الثاني/ يناير 2006، كتب أيمن الظواهري رسالة إلى "انصار السنة" باسم لجنة القاعدة الخاصة للشؤون العراقية، يقول بها إنهم يفضلون الوحدة بين تنظيم القاعدة في العراق و"أنصار السنة"، مؤكدين أن هذا لا يتم "إلا بعد إصلاح حالة تنظيم القاعدة في العراق"، وبعد ذلك بثلاثة أيام، أرسلت اللجنة رسالة أخرى تحث على "إزالة كل العوائق في طريق الوحدة"، والتي قد يكون منها الزرقاوي نفسه.
وتحركت القاعدة لحل الإشكال بسرعة، فقد قالت لـ"أنصار السنة" أنها أخذت خطوة لتحسين ظروف الوحدة "بإرسال أخ محترم وشيخ كبير" للعراق، دون أن تسمي مبعوثها، مشيرة إلى "أنكم تعرفونه جيدا"، دون سؤال الزرقاوي عن رأيه بإرساله.
وتغيرت قيادة تنظيم القاعدة في العراق قبل أن يقترب عبد الهادي من العراق، حيث قتل الزرقاوي بغارة أمريكية في حزيران/ يونيو 2006، وحل مكانه: أبو حمزة المهاجر، الذي أبعد الفرع العراقي أكثر عن القيادة المركزية.
وفي 15 تشرين الأول/ أكتوبر 2006، أعلن مجلس شورى المجاهدين أن كل عناصره تم حلهم، وتشكيل قيادة جديدة تحت اسم "الدولة الإسلامية في العراق"، التي ستصبح بعد ذلك "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، ثم تعلن الخلافة تحت اسم "الدولة الإسلامية"، في سوريا، بعد ذلك بسنوات.
وشعرت حينها قيادة تنظيم القاعدة بالصدمة، فهي لم تستشر بالإعلان، وفشلت الدولة الإسلامية بالعراق بخلق "وحدة" بين العراقيين الجهاديين، برفضها التعاون مع أنصار السنة، والتي ظلت حذرة من التنظيم، حتى بعد موت الزرقاوي، مما أشعرهم بأن عبد الهادي كان قرب الحدود وقد يستطيع فعل شيء، لكن هذه اللحظة كانت قصيرة، فقد كان عبد الهداي معتقلا.
وبهذا الاعتقال، فشلت أكبر جهود القاعدة للتحكم بالمشهد الجهادي في العراق، وابتعدت الحركة التي أسسها الزرقاوي أكثر فأكثر عن فضاء تنظيم القاعدة، و"الباقي تاريخ"، بحسب ما كتب فيشمان في مقاله.
كيف اعتقل؟
وبحسب ما نقل الباحث في الشؤون الجهادية عن مقال للصحفي التركي البارز روسين جاكر، كتبه في تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، فإن المخابرات المركزية الأمريكية كانت مشاركة بدرجة كبيرة في مراقبة واعتقال عبد الهادي.
وبحسب مقال جاكر، فإن يلماز وريشيت عشق عبرا إلى إيران لنقل عبد الهادي وعائلته عبر الحدود، ثم توصيله إلى غازي عينتاب، ليدخل إلى سوريا، إلا أنه كان مراقبا إلكترونيا طيلة هذه الرحلة، لكن المسؤولين الأتراك لن يعتلقوه على بيانات مراقبة كهذه، إلا أن المصدر المجهول الذي أكد لهم أنه يحمل جوازا مزورا سمح لهم باعتقاله بشكل قانوني.
ومن الممكن تخيل قلق المسؤولين الأمريكيين عندما نظرت تركيا بطلب لجوء عبد الهادي، فمحاميه عثمان كرهان، كان لديه تاريخ بتمثيل الجهاديين في تركيا، قبل أن يتهم بنفسه بدعم الإرهاب، إلا أن هذا الطلب ألغي، وتم ترحيل عبد الهادي فجر 31 تشرين الأول/ أكتوبر 2006 من إسطنبول إلى كابول، حيث كان المسؤولون الأمريكيون ينتظرونه هناك.
في غوانتنامو
واليوم، ينتظر عبد الهادي محاكمته في غوانتنامو، وهو مصنف ضمن الـ17 معتقلا مهما، وتم كشف معظم البيانات والوثائق التي اقتبسها فيشمان في مقالته مع "فورين بوليسي" في تلك المحاكمة، لتقدم كدليل لتلك الإدانة.
وليس من الواضح إن كان عبد الهادي سينجح إن وصل إلى العراق، فقد كان عنصرا كبيرا بما يكفي - علانية أو ضمنيا - ليواجه نفوذ الزرقاوي أو المهاجر، فلربما كان يسعى لعمل انقلاب، أو بناء علاقة أفضل مع أنصار السنة، أو يقدم نفسه كمستشار، أو ربما قد يتسبب بنوع من الحرب الشبيهة بين فصائل الجهاديين في سوريا اليوم، بحسب فيشمان.
كتائب كردستان
وبعد اعتقاله، حاولت القاعدة إرسال مبعوثين آخرين إلى العراق: عطية عبد الرحمن، ومحمد خليل الحكايمة، حيث فهمت القاعدة أنها لا يمكن أن تتحكم بالأحداث في العراق بدون عملاء موثوقين على الأرض.
ورغم اتساع الفجوة، استطاعت القاعدة الحفاظ على بعض الجهاديين المواليين لها في العراق، فالعديد من جهاديي "أنصار السنة" ظلوا مع القاعدة لسنوات، رغم أنهم لم يحملوا اسمها.
أثناء ذلك، هرب كل من يلماز ورشيد عشق، اللذان ساعدا عبد الهادي إلى العراق، وبدأا تنظيما لم يعش طويلا أسموه "كتائب كردستان"، حاول ردم الفجوة بين الدولة الإسلامية في العراق، وتنظيم القاعدة، فقد كان الوحيد الذي أعلن البيعة لكل منهما، إلا أن هذه الجهود انتهت بمقتل يلماز ورشيد عشق على يد القوات الأمريكية في حزيران/ يونيو 2007.
"تنظيم الدولة شعبوي"
وفي الحرب الأهلية السورية اليوم، استطاعت القاعدة إرسال العديد من قياديها المعروفين باسم "مجموعة خراسان"، ووثقت علاقاتها مع العديد من فصائل المعارضة، لكن خلافها مع تنظيم الدولة استمر بالتصاعد.
ولم تستطع القاعدة فهم أن التنظيم الذي أنشأه الزرقاوي كان "شعبويا" بجوهره، فلم يكن يبحث عن زعماء تاريخيين أو شخصيات ذات سلطة، فمثلما رفض زعماء الحركات الجهادية الشبكات الدينية والسياسية المؤسسة في الشرق الأوسط، رفض "الزرقاويين"، بحسب ما وصفهم فيشمان، المؤسسة الجهادية نفسها.
واختتم فيشمان بقوله إن مهمة عبد الهادي إلى العراق انتهت باعتقاله في غازي عينتاب، لكن حملة القاعدة لاستعادة السيطرة على الحركة الجهادية من خلفاء الظواهري مستمرة.