تحت عنوان "العشرية الضائعة"، شرع موسى فال في نشر سلسلة مقالات، يعمل من خلالها علي إثبات أن 2008-2018 عشرية ضائعة تماما بالنسبة إلى موريتانيا، التي كان بالإمكان، لو أنها حكمت بطريقة مغايرة، أن تكون على وضعية لا تقاس بوجه مع ماهي عليه حاليا.
و لقد صدر المقال الأول من هذه السلسلة على موقع موندأفريك تحت عنوان:"انقلاب السادس من أغسطس وقيام دولة اللاقانون"،و سرعان ما أعاد موقع" كريدم" نشره، ولا غرابة في ذلك: فالموقعان يشتركان في ذات الولاء المشبوه، الذي قد نعود اليه لاحقا.
إن موسى فال، كما نعرفه، رجل كان يدعي الانتماء الي اليسار، لكن تموضعه السياسي ظل يتغير باستمرار، تبعا لما يتراءى له،هنا أو هناك، من فرص للكسب الشخصي، بناء على التغيرات السياسة الظرفية العارضة.
كل معارضة من موسى فال هي عرض مضمر، فهو رجل ظل، ومسير مفسد من الطراز الأول،يؤكد ذلك تسييره الكارثي لسونمكس، ولبنك الاسكان،الذي استنزفه لدرجة جعلت الدولة تضطر للتنازل عنه لصالح خصوصيين. فقد كان يسرق هذا المصرف، على الحقيقة والمجاز. ولا شيء يمكنه أن يمحو، من ذاكرة سكان العاصمة نواكشوط، الفضيحة التي ضجت بها الصحف آن ذاك، والمتمثلة في تسلل موسى فال، ليلا، الى مباني المصرف وشحنه، في السيارات، سطوا وتحت جنح الظلام، ما يزيد علي مئة مليون أوقية، أيام كان سعر صرف الدولار الأمريكي الواحد لا يتجاوز 80 أوقية. و يبدو أن رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو تدخل حينها، مستغلا اختلالات الإدارة آن ذاك، لتجنيب صديقه المتابعة القضائية.
إن موسى فال لا يتطرف في مواقفه الا وهو، في مكان ما، يقايض، في الخفاء، على مصلحة شخصية؛ فالسعي إلى الكسب الشخصي، بأي وجه، هو دائما ما يحدد تموضعات الرجل.واليوم، يقدم نفسه على أنه المحارب الاول ضد الفساد، و حامل لواء الدعوة والدفاع عن الديموقراطية، والحكامة الرشيدة، وهو ما لا يمكن أن ينطبق عليه، بحكم طبيعته وتاريخه.و منتهي السخرية أنه يحاول تقمص هذا الدور ضد موريتانيا، البلد الذي حقق، في السنوات الأخيرة، نتائج رائعة ومعترفا بها في مجال الحكامة الرشيدة، وإرساء دولة القانون، والتنميةالمستدامة.
ان تقمصه لهذا الدور، خطابيا، ليبعث على السخرية. و كنا سنقتصر عليها لولا أن قلب الحقائق، والتأويلات الزائفة، والاستغلال المنحاز للمعطيات المجتزأة، قد يجر إلى الخطإمن لا يعرف الرجل ولا الوضعية الحقيقة للبلاد.
ففي سعييه إلى أن ينفي عن السلطات الحالية التسييرالسليم والحكامة الرشيدة، وهي أمورماعرفها ولا مارسها يوما، يراكم الكاتب معطيات يعتم على دلالاتها الأولية، ولوازمها المباشرة،متحررا من مسؤولية إقامة الدليل علي ما يدعيه، معتبرا نبرة التقرير في أحكامه الاعتباطية،بديلا مقبولا عن الأدلة المنعدمة.
إن العشرية 2008-2018 كانت عشرية ضائعة بالنسبة للمفسدين،والمناورين في الظلام، الذين يقايضون نمو ومصير بلادهم بثمن بخس،لكنها كانت، في المقابل، عشرية شهدت فيها موريتانيا، وعلى نحو واضح،نهضة كبيرة في مجالات التنمية و الديموقراطية و تدعيم دولة القانون.
فقد أنجز في هذه العشرية، وحدها، من الطرق المعبدة ما يربو على مجموع ما أنجز في ال48 سنة التي قبلها(1960-2008). كما عرفت زيادة في نسبة النفاذإلى الكهرباء تقارب 400 في المئة. وهذه الزيادة هي حصيلة الجهود المستمرة للسلطات في مجال الطاقة، خاصة الطاقة المتجددة، وإقامةالبنى التحتية والمنشآت المتطورة، كالمحطة الكهربائية المزدوجة بطاقة 180 ميغاوات.
لقد انتقلت موريتانيا من وضعية العجز في الإنتاج الكهرابئي إلى فائض في الإنتاج،يتم تصديره لدول مجاورة. كما أن فترة الإهمال، الذي يفتح الباب أمام مختلف أشكال "الإحتيال الكهربائي"،الذي كان الكاتب يكثر من ممارسته (تدل على ذلك ديونه اتجاهسوملك) قد ولت إلى غير رجعة.
نفس العشرية عرفت نموا لم يسبق له مثيل في مجال المياه، والتعليم، والصحة.فقد ارتفعت نسبة النفاذ الي الماء الصالح للشرب من 40 في المئة، سنة 2008،إلى 70 في المئة سنة 2018، كما تمت إقامة العديد من المشاريع العملاقة، كمشاريع آفطوط الساحلي،وآفطوط الشرقي، وأظهر، ووحدة تحلية المياه بنواذيبو...علاوة على العديد من المنشآت المائية، وشبكات توزيع منتشرة علي عموم التراب الوطني.
أما في مجال التعليم، فقد شهدت هذه العشرية تقدما ملحوظا على مستوى البنية التحتية المدرسية والجامعية،تمثل أساسافي بناء وتجهيز المئات من المدارس والإعداديات والثانويات، و بناء مركب جامعي عصري في نواكشوط، وجامعة بمدينة لعيون، ومدرسة متعددة التقنيات بنواكشوط، ومدرسة للهندسة المدنية بألاك، ومعهد عال للدراسات التكنلوجية بروصو....
كما تم، على مستوى النوعية،استحداث وتطوير ثانويات الامتياز والمدارس النموذجية، وتنويع عرض التكوين المهني والعالي، وموائمته مع حاجيات البلد.
وتشكل نسب النجاح في الامتحانات الوطنية، والنتائج المبهرة لطلبتنا في مسابقات المدارس الكبرى، دليلا على الأثر الايجابي لما قيم به في هذا المجال.
كما ظل قطاع الصحة في قلب أولويات السلطات العمومية، وشهد انجازات كبيرة على مستوى البنية التحتية، كبناء وتجهيز العديد من المستشفيات، والمراكز المتخصصة، والمراكز والنقاط الصحيةالمنتشرة على عموم التراب الوطني، وهذا ما يفسر جودة مستويات التغطية الطبية، التي تتمتع بها البلاد حاليا، وجودة التكفل الطبي التي تلغي بنسبة كبيرة الحاجة إلىالنقلإلى الخارج لغرض العلاج.
لقد تميزت العشرية 2008-2018 بالانتصار علي الاختلالات الأمنية والإرهاب، الذين بلغا أوجهما في الحقبة التي يبالغ موسى فال في الحنين إليها.فرغم الظرفية العصيبة،في المنطقة وعلى المستوي الدولي، حققت المقاربة الأمنية، التي تبنتها موريتانيا، نجاحا باهرا،باعتراف الجميع، مكن من إرساء الأمن والطمأنينة علي عموم التراب الوطني.
لقد أصبح جيشنا جيشا مهنيا، بكل المقاييس، وعلى مستوى من الجاهزية يسمح له برفع التحديات الأمنية، التي قد تواجهها البلاد، وبإنجاز المهام الأممية التي تناط به، في إطار حفظ الأمن والسلام بكفاءة عالية.
كما تحققت، خلال هذه العشرية،نجاحات كبيرة علي المستوى الديبلوماسي وعلى مستوي حقوق الإنسان. فقد أصبحت موريتانيا فاعلا أساسيا،جهويا،قاريا ودوليا.كما ترأست كلا من الجامعة العربية، والإتحاد الافريقي، وكانت وراء إنشاء مجموعة دول الساحل الخمسة،وأصبحت العاصمة الموريتانية، أنواكشوط، تنظم وتستقبل القمم واللقاءات رفيعة المستوي.
أما بخصوص حقوق الانسان، فان الحكومة وضعت إطارا عاما لصون وترقية حقوق الإنسان، وهو ما مكن من توطيد الحقوق المدنية، والسياسة،والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، من جهة، ومن ترقية وتأمين الحقوق الفئوية، من جهة أخري.
وتبرز هذه الامثلة أن العشرية 2008-2018 كانت، بحق، عشرية انجازات كبيرة لموريتانيا على سائر المستويات.
إن الكاتب يتعجب، في مقاله، من السهولة التي مربها "انقلاب السادس من أغسطس" على حد تعبيره، و هذا اعتراف منه بتقبل الموريتانيين للتغيير بما فيهم"أحزاب سياسيةمعارضة ذات وزن" كما يقول.لكن، بدلا من أن يعترفبواقع أن الشعب كان يتوق الي الخلاص من النظام القائم آن ذاك، نظرا لتسييره الكارثي، فإنه فضل اللجوء الي نظرية ضعف الطلب الديموقراطي الضبابية، التي تستلزم القول بعدم نضج الشعب للديموقراطية،وهو ما يكشف عن عدم احترامه و تقديره للشعب الموريتاني.
كما يدعي في مقاله أن إصلاحات مبتكرة تم القيام بها في الفترة التي يحن إليها، غير أنه لا يذكر أيا من هذه الإصلاحات، لكون الإنجازات الوحيدة التي تحققت قطعا، أثناء هذه الفترة،هي تفاقم الفساد، وعودة رموزه،ناهبي المال العام، والذين كانت الدولة قد تخلصت منهم، أثناء الفترة الانتقالية 2005-2007 ، علاوة على تفاقم الأزمة الاجتماعية والسياسة في البلاد.
يأخذ كاتب المقال على الحكومة "عدم احترام آجال الاستحقاقات الانتخابية"، متناسيا أن التأخر في إنجازها يعودإلى المشاورات التحضيرية للحوار،التي كانت جارية مع سائر الفاعليين السياسيين، بما في ذلك مجموعة الكاتب نفسه.غير أنه تراءى لبعض الأحزاب السياسية، سنة 2011، أن "الربيع العربي" فرصة سانحة للوصول إلى السلطة،بسهولة ومباشرة، دون المرور بالسبل الديموقراطية.ولما تحطمت أوهامهانتيجة وعي الموريتانيين، وتشبثهم بفخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز،حاولت هذه الأحزاب استئناف الحوار، بغرض تأخير انتخابات 2013 التي نظمت طبقا لمخرجات الحوار الذي شاركت فيه أحزاب وازنة في المعارضة.كل هذا، يعلمه الكاتب حق العلم،لكنه فضل اغفاله ليتسنى له ارسال اتهاماته الاعتباطية، المعدومة الأساس، على عواهنها.
يستنكر الكاتب مايسميه احتقار السلطات العمومية الحالية للمؤسسات، ويورد، لتأسيس هذه النقطة،"تفعيل المادة 38 من الدستور، للالتفاف على إسقاط مجلس الشيوخ لمشروع التعديلات الدستورية".غير أنه لا يذكر، في أي مكان، بأن المادة 38 لا تنطبق في المقام، بل يقتصر على شجب تفعيلها، و كأنها ضمنت في الدستور لتبقى أبدا غير مفعلة.
أي احترام للمؤسسات أكثر من اللجوء إلى مادة دستورية لتجاوز أزمة مؤسسية مخصوصة؟والحقيقةأن الكاتب هو من يحتقر المؤسسات. فحين كان إلى جانب السلطة كان يجد، على حد قوله، أن البرلمان في غاية التمثيل ونقاشاته غنية ويتابعها الجميع، و لما أصبح ضد السلطات الحاليةصار يرى نفس البرلمان لا مسؤولا، و مستقيلا، دون أن يعبأ بمنطق و اتساق مواقفه.
وليثبت اتهامه السلطات باللجوء الي التزوير المنظم للانتخابات، يقف الكاتب عند حد التقريرات الاعتباطية، التي لا يصاحبها ولا حتي أوائل دليل،كادعائه استخدام المال العام في الانتخابات،وكون الإدارة تأطر التزوير ....فكل ذلك يسهل قوله، ويلجؤإليه الخاسرون، غير الديموقراطيين في الصميم، علي الدوام، و استدلال الكاتب عليه في غاية الغرابة: فهو يبدأ بتقرير أن كل شيء حشد، أيام الاستفتاء،للتزوير على المستوي الوطني،وأن عدم مشاركة المعارضة قد سهل هذاالتزوير،كما أن الصناديق قد تم حشوها،لكنه يعترف، في ذات الوقت، أن نسبة المشاركة الرسمية، وهي عنصر بالغ الأهمية في هذا الاستحقاق، لم تتعدي 54 في المئة، و هو ما يناقض صراحة دعواه التزوير والحشو المنظم للصناديق.
علاوة على كل هذه الاتهامات، يضيف الكاتب الاتهام بالفساد وسوء التسيير.غير أنه، هنا أيضا و كعادته، يراكم التقريرات الاعتباطية،آملا أن تقوم حدة اللفظ، في ذهن القارئ، مقام الدليل. إنه يساوي، بسوء نية لا جهلا لترتيبات مدونة الصفقات العمومية، عقود التراضي بالفساد.والواقع أن التعاقد بالتراضي كان، قبل هذه العشرية، قاعدة مطردة الاتباع، لكنه أصبح، في هذه العشرية، استثناء يؤطره القانون علي نحو حاسم و دقيق (راجع القانون 2010-044).
وتخضع صفقات التراضي، بموجب مدونة الصفقات العمومية، لإذن مسبق من اللجنة الوطنية لرقابة الصفقات،يؤسس على تقرير مفصل من السلطة المتعاقدة، يبرز خصوصيات الصفقة الموجبة لطلب الاذن بهذا النوع من التعاقد. ولا يمكن التعاقد بالتراضي إلا استثنائيا، عندما تتحقق الشروط الصارمة التي يفرضها القانون،لكنها إذا ما تحققت يصبح التعاقد بالتراضي شرعيا و قانونيا، وينفذ طبقا للإجراءات المنصوص عليها.
إن عقود التراضي المبرمة في هذه العشرية، وهي قليلة العدد جدا،كعقد اقتناء طائرة بوينغ جديدة لدى شركة بوينغ، وعقد بناء مركز المرابطون للمؤتمرات مثلا، قد تمت في تقيد تام وصارم بالقوانين والترتيبات المرعية الاجراء.
وغاية السخرية أن المقال يعتبر أن الدولة، اليوم، تشهد تراجعا في الحريات العامة، في الوقت الذي تحتل فيه موريتانيا مراتب متقدمة في ترتيب الدول وفق معيار حرية الصحافة، وتتمتع فيه بمجال سمعي بصري محرر، وحرية قوية الرسوخ في إنشاء وعمل الجمعيات والأحزاب السياسية. لكن تلكم هي منهجية الكاتب: إنكار الوقائع الصارخة وتكرار الدعاوي المزيفة دون ملل.
يتحصل من كل ما تقدم أن هذا المقال، في الواقع، ليس إلا نسيجا من الاتهامات الاعتباطية، المنعدمة الأساس، والمناقضة للواقع: فما من أحد يمكنه، اليوم، التشكيك في التقدم الهائل الذي سجلته موريتانيا في هذه العشرية 2008-2018، على مستوي البنى التحتية، والتنمية الاقتصادية، والحكامة الرشيدة، وتدعيم الحريات الفردية والجماعية وحقوق الانسان، والإشعاع الديبلوماسي والثقافي، والأمن، واللحمة الاجتماعية.
الواقع أن هذا المقال يعبر عن عميق مرارة رجل يحن الي سلطة ولت إلى غير رجعة.رجل، كما سبق أن قلنا، لا يرفع الصوت ولا يتطرف في مواقفه إلا في مقابل مصلحة شخصية مباشرة: فهو لا يكتب إلا تحت الطلب، ودون مراعاة لعدالة القضية من عدمها. وصاحب الطلب، في هذا المقام، ليس الا رجل الأعمال محمد ولد بوعماتوالذي صدرت بحقه مذكرة توقيف في قضايا تتعلق بالرشوة، والتهرب الضريبي، والتحايل.....
دداه فاضل.