بعد صراع سياسي مرير، أيقن الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي أن حلم العودة لقصر الإليزيه لم يكن سوى كابوس مروع بعثر ماضيه المضطرب والمشبوه أمام المواطنين الذي تخلصوا منه عام 2012 عبر صناديق الاقتراع.
الطموح الذي سكن ساركوزي طيلة مشواره السياسي بدا هذه المرة "تخبطا" لا يستند لأي مبرر، فقد تذيل الرجل منافسيْه الرئيسيين في الانتخابات التمهيدية لليمين الوسط (الاتحاد من أجل حركة شعبية) رغم أنهما عملا تحت إمرته عندما كان رئيسا للبلاد.
حصل ساركوزي على 21% فقط من أصوات الحزب، مقابل 44% لرئيس وزرائه السابق فرانسوا فيون، و28% لوزير خارجيته آلان جوبيه.
ولأن نتائج التصويت قطعية الدلالة في فرنسا، لم يكن أمام ساركوزي سوى تقبّل الهزيمة بصدر رحب وإعلان نيته التفرغ لحياته الشخصية.
تلك الحياة الشخصية التي يذكرها الفرنسيون جيدا لكونها حافلة بالغرابة والألم والاضطراب، ولأنها لا تناسب وقار رؤساء الدول الكبرى، إذ يتعلق معظمها بعارضات الأزياء والمطربات.
لقد عاش ساركوزي 11 سنة مع زوجته الثانية عارضة الأزياء سيسيليا، وعندما طلقته عام 2007 انتابته موجة حزن شديدة انتهت باقترانه بالمطربة الإيطالية كارلا بروني في العام التالي.
المسار السياسي
لكن الاضطرابات لم تقتصر على حياته العاطفية، فقد تميز مساره السياسي "بالعنصرية والتناقض والطيش" وجنون الطموح، وطالته اتهامات باستغلال النفوذ والضلوع في الفساد العابر للقارات.
الرجل المولود عام 1955 لأم فرنسية وأب يهودي مجري، يحمل شهادات في السياسة والقانون والتجارة، وقد قادته المعارك الانتخابية لعدة مناصب رفيعة لم تكن كافية لإخماد شهيته للسلطة والنفوذ.
ففي عام 2002 تقلد ساركوزي منصب وزير الداخلية بعد سجالات سياسية جسدت شعبويته، ليستطيب بعدها التمرد على التقاليد الرصينة فواظب على المجاهرة بتحدي الرئيس الفرنسي آنذاك جاك شيراك.
وعندما اندلعت احتجاجات ضواحي باريس في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2005، تعامل معها ساركوزي بعنصرية، فوصف أبناء المهاجرين بالحثالة وتعهد باجتثاثهم.
الاحتجاجات التي جاءت ردا على اتهام الشرطة بالضلوع في مقتل طفلين من أبناء الضواحي، تلقفها ساركوزي كهدية سماوية لتعبيد طريقه نحو الإليزيه، فاستغل منصبه لقمع المهاجرين وعزف للفرنسيين كثيرا على وتر التطرف.
لاحقا، استقال ساركوزي من وزارة الداخلية وتفرغ لإعداد نفسه للمنصب الكبير، ليتوج طموحه السياسي بالوصول إلى قصر الإليزيه عام 2007 إثر حصوله على 53% من أصوات الناخبين مقابل 47% لغريمته اليسارية سيغولين رويال.
خطيئة انتخابية
لكن ساركوزي -المعروف بولائه الشديد لإسرائيل وأميركا- بدا حينها "خطيئة انتخابية"، فجسد نهجه السياسي وسلوكه الشخصي أنه أقل شأنا من قيادة بلد بعراقة فرنسا وقوتها، وفق مراقبين.
ولأن الخطيئة كبيرة جدا كانت كفارتها بحجمها، فقد أفسح الفرنسيون المجال لعودة اليسار للسلطة بعد إقصائهم منها منذ نهاية عهد فرانسوا ميتران عام 1995.
وخلال 32 عاما كان ساركوزي أول رئيس فرنسي يفشل في الاحتفاظ بالسلطة لولاية ثانية، حيث هزمه اليساري فرانسوا هولاند في استحقاقات 2012.
بعد التواري عن الأنظار عاد ساركوزي للمشهد السياسي من بوابة الفساد، فقد خضع للتحقيق بشأن تمويل حملته الرئاسية في 2007 بملايين من اليوروات تلقاها من الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، إلى جانب تهم أخرى تتعلق باستغلال النفوذ.
لكن هولاند -المتأزم عاطفيا هو الآخر- واجه أزمات سياسية واقتصادية عديدة جعلته أقل الرؤساء الفرنسيين شعبية في التاريخ الحديث، مما أغرى ساركوزي بإعادة الكرّة الانتخابية والحلم بالوصول لقمة السلطة من جديد.
وخلال الأشهر الماضية، نشط ساركوزي بقوة في المشهد السياسي الفرنسي، وركب موجات الهجرة والبوركيني والإرهاب للعبور إلى استحقاقات 2017 ومنها إلى قصر الإليزيه.
لكنه فشل في تأمين الأصوات التي تؤهله للسباق حتى داخل حزبه، فاستقر به المقام في هامش المنافسة السياسية وتوقف به قطار الطموح عند ضواحي اليأس.
المصدر : الجزيرة