"أعظم التحولات تأتي من أصغر التغييرات. تغيير بسيط في السلوكك يمكن أن يغير الواقع و يعيد تشكيل المستقبل"
المسار الثقافي بين براثن الخواء
هل تعلمون أن أصحاب النصيب من الثقافة أو مدعيها في أرض المليون شاعر و خطيب و عارف، و بلاد مربط الادعائيين من الفركفونيين الذين يغلغلون و يلوون ألسنتهن نطقا بالفرنسية و تفاخرا بالانكليزية ما زالوا عاجزين عن خلق فضاء وطني بأقل مساحة و أضعف إشعاع معروفة للتفاعل و التثاقف، و أنهم لا يقدمون إنتاجا أو يتوجهون إلى مدارك و آفاق إبداع إلا أن ييمموا المراكز الثقافية العربية أو الغربية لتحتضنهم أو تآزرهم أو تثمن مساهماتهم. و بالطبع تعلمون أنه لمثل هذه الوضعية المزرية للثقافة و "المثقفين" أثمانا باهظة يدفعها البلد من خصوصياته الفكرية و تقاليده المعرفية و ميزاته الاجتماعية حيث تُستبدل فورا بغيرها من التي وجد فيها انعتاقه من الجمود. و لإن كان الذي يحصل في المراكز العربية ـ التي أقدر جهدها الخالص و لا أزكيها - أقل خطورة مما تخلقه المراكز الأخرى غربية و أجنبية من مسخ للإنسان و فصله عن أصالته إلى مربع ثقافي و معرفي و أخلاقي غير الذي تنمي إليه ذاته الأول رغم أهمية الالتحام بلغاتها و ثقافاته عن وعي و باستقلالية. فمتى نستفيق من سكر الادعائية السقيمة و الكسل الذهني الجاثم على إرادة التنوير و نعلم أنه ما بعد شتين عاما من الاستقلال في كنف الدولة الحديثة إلا انتشال البلد من براثين الخواء أو تحديد مسار جديد يحدد الهوية و المسار و معالم المستقبل الوضاء؟
استمرار الانحدار بالفعل المشترك
ساحة ثقافية عاقر، فضاء فني متصحر، عمران مترهل، إعلام بدائي بطعم التخلف الفكري و الثقافي و الاجتماعي المخيم، عاطل بفعل ضعف التكوين و التأطير و غياب الوسائل و ضبابية ملامح الرسالة السامية في ظل محاصرة شنيعة و صارخة للشباب فيه بمتاريس الجيرونتوكراسيا (ريادة المسنين) و الأوليغارشيا (ريادة الأقلية) الاتصالية و الإعلامية السلبية (L'oligrachie et la gérontocratie communicationnelles et journalistiques) ، سياسيون مرتبكون، متخاذلون، انفعاليوون، نرجسيون، انتفاعيون، قبليون، إثنيون، جهويون و شرائحيون تصفدهم و ترهقهم أغلال و عقلية الماضي، وضع اقتصادي متعثر لا يؤمن بالتحول إلى التصنيع و خلق و حماية سوق وطنية و ولوج فضاء المنافسة، وضع تحكمه لوحدها الاتجارية Le mercantilisme ، حكامات عجزت منذ الاستقلال عن صد المفسدين التخريبيين و وقف تماديهم في غي التدمير و إلحاق الأذى بجميع هياكل البلد و إلحاق الفقر و القهر و الذل بشعب لزج مرن قابل للكسر و الإهانة.. و كأن الكل على وفاق في استمرار الدفع من فوق تلة التخلف إلى منحدر اللاقيام و اللاعودة.
هل نعاني حالة انفصام؟
كلنا سياسي له قراءته العميقة في الانتخابات الامريكية الاستثنائية في تاريخها، و له موقفه اللامع من التحولات التي تحصل في أوروبا و يتمتع بالتحليلات الرفيعة حول قوة الصين الصاعدة و تكنولوجيا اليابان و وثبة نمور آسيا. كما أنه ضليع في شؤون القطب الجنوبي و الانترتيكا و أزمة الربرازيل و خفوت دور الارجنتين و كل شؤون القارة الشمالية. نعم كلنا مخطط عسكري رفيع يتشرف من خلال الاحداث الجارية نتائج الحروب في كل بؤر النزاعات في الشرق الأوسط و القارة السمراء. ثم إننا لسنا بأقل علما في التجارة الدولية و حركة الاقتصاد العالمي و اتجاهاته و مدارسه التي تحرك تياراته و تضبط إيقاعات أحوله. و أما واقع الإسلام و المسلمين فإننا العارفين بها و القلب النابض لهما و الذاكرة الفريدة للعلوم الشرعية و آداب لغته. و نحن أعلم خلق الله بصناعة السيارات و ركوبها و عطور العالم بروائحها و أجدرهم باقتنائها. إننا نعرف كل شيء و ضليعين في كل العلوم و المعارف نتحدث أيضا باقتدار المهندس المتمكن عن الجسور المعلقة، و الأنفاق و المدن التحتية، و عن الجزر الاصطناعية، و الأقمار الصناعية، و عن الملاعب العالمية و روادها من أشهر الرياضيين، و عن الفنون و أنواعها و مسارحها و معارضها، و عن شركات الإنتاج من "هوليوود" و "بوليوود" إلى "نوليوود" في نيجيريا. كل هذا و أكثر من علو الكعب في الدراية و المعارف لم يمنعنا مطلقا من أن نكون إحدى أكثر دول العالم تخلفا و هشاشة و أبعدها عن المدنية و التحضر و التصنيع و الاكتفاء و التنوير و الإشعاع ما يعني حتما أننا نعيش حالة نادرة من الانفصام نعيش موجبه كابوسا ظاهره ادعائية غوغائية بالغة و باطنه من قبله تقهقر الحال و حتمية سوء المآل.
متى نصنع مطهر جروح؟
لقد استطاعت دول السنغال و مالي و الجزائر و المغرب أن تحقق كلها بالتصنيع داخل مختبرات و في مصانع محلية شبه اكتفاء ذاتي في مجال الأدوية من المضادات الحيوية و عقاقير مكافحة الالتهابات و أنواع الحمى الأكثر انتشارا و احتياجات الإسعافات الأولية من العقاقير و الأمصال و الحقن و سوائل تطهير و تعقيم الجروح و الكحول الطبي و غيرها مما يؤمن أغلب متطلبات مستشفياتها و مستوصفاتها، و يخفف على خزينتها العامة وطأة فاتورة استيراد الأدوية من الخارج. و هي المختبرات و المصانع التي بدأت في هذه الدول تدخل بطواقمها، من المخبريين و المحللين و الأطباء الوطنيين المرموقين الأكفاء و المكونين على كل التقنيات، في مجال التنافس و التصدير الإقليمي و القاري و العالمي. و هي الدول التي اشتركت بلادنا و إياها كل فترات الاستعمار و التحرر و الاستقلال و التأسيس. و لكنها دول و شعوب حفرت الفرق حتى يدا جليا في التباين الصارخ بين مستويات التحضر. ففي الوقت الذي توجهت فيه إرادة شعوبها و قياداتها التي إلى بناء الأوطان بالعلم و الاقتباس دون أو شعور بالنقص أو الدونية من الشعوب المتحضرة و من دولها المصنعة، أصررنا نحن على الإبقاء على قوالب الماضي و عقليته التي ترتكز على الكسل و احتقار البحث و الصناعة و البناء. و في الوقت الذي وصلت فيه هذه البلدان مرحلة شبه التصنيع ما زال مواطنو هذه البلاد يكافحون الصداع و آلام الأسنان بأقراص البارسيتامول "Paracetamol" المستوردة من "البغلاديش" التي تقف و تنتفض في كل عام ألف مرة من ركام الزلازل المدمرة التي تضربها لتبدأ من جديد كرة التصنيع و تجربة التصدير بإرادة شعب لا يستسلم و قيادات لا تتنازل. فمتى نصنع عيدان ثقاب؟
اتباع للهوى وادعاء على الهواء
كنت أتابع باهتمام شديد فيلما يروى وصول الإنسان إلى سطح القمر و قد مر على الحدث الكبير أكثر من أربعة عقود. و عندما كنت أعطي بالغ الأهمية لكل لحظة من زمن إعداد الرحلة في مركز كنيدي للفضاء و مراقبة أجراء الصاروخ التي ستنفصم عن بعضها في كل طبقة من الهواء أثناء المسار، كنت أرى عشرات المهندسين و الفنيين و علماء الرصد الجوي و الأطباء و سواهم من أصحاب الاختصاصات التي لا أعلم عنها شيئا و هم يتحركون داخل مركز الإطلاق و حول الصاروخ بطوله الذي يتجاوز العشرين طابقا و محركاته النفاثة التي تشبه أفران المصانع العالية. شاهدت الرواد مستبشرين بنجاح المهمة و عظمة البلد متحدين هول و مجاهل الرحلة. بقيت في تلك اللحظة قبل أكثر من أربعة قرون لكن ذاكرتي القلقة أرتني بلدي يومها يتخبط في أوحال التخلف و الجهل و أهله ينكرون وصول الانسان إلى القمر.. أفقت مرة أخرى على الفيلم و هو يطوي مشاهده الأخيرة على فرحة أمم الدنيا بهذا الحدث الفريد فوخزني عقلي مرة ثانية لأرى واقع البلد بعد أربعة عقود تزيد فإذا به ما زال يتعثر في أذيال التخلف المريع و إذا بنخبه التي لم تعتبر لم تعبر كذلك حاجز الماضي الظلامي و لم تتبع سبل العلم و منافعه و رفعته. ضجيج و خواء، نصب و احتيال، كسل و رياء، غش و خيلاء، نهب و فساد ظلم و استهتار، غبار و هشاشة، انتكاس و تراجع، اتباع لهوى التخلف و "السيبة"، عمى و ضلال، وادعاء على هواء بالرياء و التزلف و الحربائية. فمن يرى أضواء قد سحبتُ دونها الستار الأسود؟
"النخب" و ضعف أدوارها
ستة و خمسون عاما و رفوف المكتبات خالية من نتاج فكري أو علمي ميداني و المعارض القارية و العربية و العالمية براء منه و من بذور إنتاج فني ارتقائي تمييزي ناطق بالخلق و الإبداع و خصوصيات البلد. و لقد أثقل الكبر و الاستعلاء و الخواء ساحة البلد الراكدة؛ خواء و استعلاء صادرين عن معظم أفراد نخبة ما زال يركب رؤوسهم بعض زهو "دونكيشوتي" و ترسم ملامحهم النفسية اللذة "السادية" التي يمارسونها على تخلف وطن مرتبك المسار و شعب نخبته المحسوبة على الفكر و الثقافة ادعائية لا تبدع و لا تمتلك "مُخرجا" يمكن أن تزدهي به و تفتك من طلاسم الماضي و "ميراثه" الذي راح مع أهله و هم لا يعقلون، فيما نخبته العلمية لا تخطط و لا تبتكر و لا تشارك في المحافل الدولية إلا نظريا و بتبذير سافر للمال العام الذي لا مردودية من ورائه مطلقا اللهم إفادات بالحضور التي يزمر حولها و يطبل و كأنها فتح عظيم، و نخبته المحسوبة زيفا على "السياسة" انتفاعية إلى النخاع، ماضوية رجعية، متملقة إلى الودجين و عملها الميداني انتهازي أقرب إلى التدمير منه إلى البناء. فمن يرى أنوارا سحبت دونها الستار الأسود؟
واجهة القطاعات، مرآة واقع خجول
فيما تطالعك من كل دول العالم و منها الجوار مقرات القطاعات و المديريات و المؤسسات الحكومية على شكل صروح مهيبة شامخة، متسعة البنايات و بارزة الواجهات، تغلوا من الداخل بالنشاط و العمل و البذل و العطاء كأنها خلايا نحل لا تعرف الهوان، فإنك لا تكاد تميز مقار قطاعاتنا و إداراتنا المنتشرة داخل الأحياء كـ"الجرب" من البنايات و الدور المجاورة لها. و إن ولجتها هالك غياب التنظيم و سوء التسيير الذي ما زال يعتمد، بشكل متعمد و إرادة مبتورة من الإستقامة، لحاجة في نفوس القيمين الطرق البدائية و رفض قاطع للعمل بالدفاتر المحاسبية المطبقة على المعلوماتية خوفا من دقة رصدها و تسجيلها العمل الحسابي ببرمجيات لا تغفل الجزءيات، و لأربكتك كذلك أعداد الموظفين الذين استقدمتهم في الغالب الأعم حبائل "السياسة الرعناء" بلا تكوين و لا تجربة و لا مهام حتى يزاولوا ضمنها أنشطة أو يقدموا عطاء في سياقها. إنك تراهم يملؤون دهاليز و ردهات البناية و تغص بهم قبالة مكاتب ـ الأطر الذين "تسمت" بهم دون مقابل عطاء ـ الموصدة أمامهم في الغالب لغيابهم أو لأنها غاصة بالزوار و الندماء الباحثين عن كؤوس الشاي من يد النادل أو الفراش، و المتسقطين الأخبار ذات الصلة بجديد الشعر و قراءات تاريخ "السيبة" المحدث على حواسيب الغفلة و غياب الوطن وقد تركوا من قبل أن يدخلوا سياراتهم موقوفة ة غير مركونة أمام القطاع في فوضى أشبه بالتي في أدمغتهم و على ألسنتهم و في وجدانهم البدوي العشوائي و كأن كل الفضاء ملكهم.. هل رسمت اللوحة بغير ألوانها؟
كوابح التعطيل داخل القطاعات
في كل واحد من جميع قطاعات الدولة تنشط رباعية أو أكثر من "الكوابح" تحكم بقبضة حديدية مجاري الأمور في داخله، تحدد و تشرف على مسار الترقيات و العقوبات و تصفيات الحسابات و التهميش و خلق توازنات الإختلالات، و في خارجه فإنها تقوم على إبرام التوافقات و الاشراف على تبادل المصالح و ضمان الحضور و توطيد المكانة و الابقاء على قوة القبضة في الدائرة العامة.. رباعية أو أكثر أتت بها عواصف و زوابع الأقطاب المتعددة ضمن مسار سياسوي ظلت منذ كان البلد التحالفات الغير "ورعة" وطنيا و سياسيا و أخلاقيا هي وقوده الأسمى حيث أنها تأخذ جميع دوافع قوتها و كل وسائل و مقومات حراكها من أسباب تخلف البلد عن الركب الديمقراطي و تقييده عن مسار البناء و التنمية. و هم أفراد الرباعي أو أكثر كذلك الذين ينفذون أجندة حضور "القوى" التي استقدمتهم في صياغة القرارات و توجيه السياسات العامة؛ رباعية أو أكثر تتواصل بدون انقطاع عبر كل الوسائل و تجتمع في مكاتبها بالتناوب لتوزع الأدوار و تقتسم الفوائد رغم تنافر قلوب أفرادها و اختلاف مشاربها و تعارض منطق اتجاهاتها . فلا عجب إذا أن تراهم يتهمون كل من لا يستجيب لفساد سلطتهم و اختلال تسييرهم و سوء علاقاتهم مع مفهوم الدولة و صالح البلد، بالانتماء إلى "المعارضة" و كأنها وصمة عار قصوى من بعدما يحملون ذاك الاتهام و "الرمي" بكل النوايا الماكرة و النعوت الوقحة و يصبغوا كل الأوصاف المنفرة عليه ليكون المنفذ إلى تهميشه إن لم يكن استئصاله. و أما الذين يتوقون إلى أدوار في قطاعات دولتهم بمهاراتهم و جدارتهم و معارفهم و قدرتهم على التخطيط و التنفيذ من دون المرور بـ"أوكار التملق" و "عصابات البغي السياسي الارتكاسي الماضوي"، فإن الرباعي أو أكثر يوصد الأبواب حذرا منهمو متحججا إلى ذلك بكل الاتهامات الممكنة و التي أقلها الرمي بالتوحد و الاختلال العقلي. إنه الراعي "القطاعي" الجهنمي الذي تقذف به موسميا فوهات الإختلال السياسي و عقلية "السبية العصية" على الانزياح. فهل تتبدل الأحوال في التفاتة مفاجئة و تتحرر القطاعات من "متاريس" الركود إلى آفاق العمل الوطني و بناء البلد بطاقات و قدرات المهمشين المصفدين و المعزولين المقهورين؟
غياب اعتبار المواطن حيا و ميتا
بِصمت و هدوء و خشوع يرتسم وجوه أهله الحزن و الحسرة و الأسى ضربت فرنسا يوم 13/11/2016 أروع مثال للوطنية و الديمقراطية و سطرت للتاريخ مرة أخرى أجمل تعبير و أصدق تقدير لتقديرمواطنيها أحياء و غيرهم و أبهر احترام لأرواحهم بعد رحيلهم. إنها جموع من الرسميين و ذوي الضحايا و المواطنين والسياح يحضرون مراسيم رفع الستار عن تذكار لمن سقطوا في أحداث 13 نوفبر الدامية من العام الماضي التي عرفتها أمكان متفرقة من العاصمة "باريس" و كان أشدها إيلاما ما حدث في ضواحي الملعب الكبير بعد قاعة "الباتاكلان" التاريخية ذات الصيت و المكانة الدوليين في عالم الثقافة و الفن. على رأس الحاضرين كان رئيس الجمهورية و الرسميون لرفع النقاب عن تذكار يحمل لائحة كل أسماء الضحايا منعا لآفة النسيان. حفل صامت مهيب يترجم و يوطد اهتمام الحكومة بأفراد الشعب و يوحد المواطنين أمام الملمات و النوازل التي تلم بالبلد من حين لآخر و يرفع حس الدفاع عن المكاسب و الثوابت و الديمقراطية. و أما بناية "الباتاكلان" فقد أعيد ترميمها بأحسن من السابق مع الحفاظ التام على عناصر الأصالة و لتشهد لفائدة ذوي الضحايا أول حفل فني لم يتأخر عنه أحد تحديا و تذكرا و استمرارا. عدت بعد الشريط الإخباري إلى واقع البلد الأليم فإذا به لا يمتلك ساحات تصلح لأي تجمع و لا معالم ثقافية تحمل إرثا فكريا أو فنيا، و إذا بالشعب مسلوب الروح القيمة لا يملك حسا وطنيا و لا يألو على شيئ، و إذا الجانب الرسمي نسخة طبق الأصل من القاعدة فانتابني غثيان و أحسست بحمى التخلف تسري في بدني. تحولت إلى القنوات الوطنية فهدتني المحتويات الصاخبة في خواء و الركيكة في ابتذال و الموغلة شكلا و مضمونا في التغني بأمجاد زائفة و ارتكاسية صارخة فقلت في نفسي لك الله يا بلدي.. لك الله.
صناعة بدائية لا تقليدية تحضر المعارض
يكاد كل مهتم بهذه البلاد أن يجزم و يبصم بالعشر على أنها لا تملك "صناعة تقليدية" ذات شأن في واقع الحال و داخل منظومتها التاريخية الضعيفة أساسا و المضطربة عموما أو غالبا لضحالتها و ميوعة منطلقاتها رغم المحاولات المتواضعة من البعض المجد لتحديد معالمها و تحدي ضعوبة كتابتها. و أما الدليل على ذلك فهو أن هذه الصناعة "التقليدية" ـ و هي هنا "بدائية" لا نفس أو طابع لها تصميما و أداء ـ تحظى على العكس من ذلك في كل بلدان العام و منها المتقدمة بالاحترام الكبير و التقدير التام لمساهمة منتجها العالي الجودة و القوي الحضور في الاقتصاد و التشغيل و للرمزية الفائقة التي تحفظ لكل بلدانها وجهين بالغي الأهمية عند شعوبها بين الأصالة و المعاصرة. و أما أولهما فيتجلى في كون هذه الصناعة التقليدية التي صمدت أمام التقدم استطاعت أن تتأقلم أيضا مع الحداثة لتشكل دليلا قاطعا على حيوية شعوبها في الماضي و غزارة عطائها و قوة استقلاليتها حيث ظلت تنتج ما تحتاج إليه عبر الحقب و العصور. و أما ثانيهما فأنها على الرغم من أنها ظلت المنطلق الأساسي و الحقيقي لتقدمها و التحامها بفضاء الصناعة الآلية و أن الفرق يبقى في الواقع كبير في الجودة بين المصنع تقليديا و المنصع آليا. و لكم أن تزوروا معارض العالم فلن تميزوا إلا أن تعلموا بين منتج الصناعتين التقليدية و الآلية و أنكم ستجدون الإقبال أكبر على الصناعة التقليدية لجودتها و أناقتها و رمزيتها. فهل من مدكر؟