ترجمة الشيخ الحارث (أخي) بن الأمين بن الحارث بن محنض الشقروي(1322 ـ 1409هـ) ــ (1905 ـ 1989م) :
يعتبر علم التاريخ قديما وحديثا واحدا من أبرز وأهم العلوم الإنسانية وذلك لكونه يتناول تاريخ الشعوب فيبحث في أسباب فشلها وتطورها في الماضي، مما يمكن من فهم حاضرها وسبل تطورها في المستقبل، وذلك ما قسم التاريخ بغية فهم أعمق لتاريخ الشعوب، إلى أجزاء مختلفة أهمها تاريخ التراجم، وهو علم يعنى ببيان سير الأعلام عامة وذكر حياتهم الشخصية، ومواقفهم وأثرهم في الحياة وتأثيرهم، وكانت الأمم منذ القدم تعنى بتخليد ذكر كبرائها وأعيانها، وتتضح أهميته من خلال فوائده الجمة، والتي أهمها: معرفة قصة أولئك الأعلام الذين كانوا مثالاً للصلاح والاستقامة، من خلال تسليط الضوء على الدروس المستقاة من دراسة أخبارهم، وتوجيه ذلك للناشئة بأسلوب ميسر وواضح، يكون أقوى في التوجيه، وأبلغ في النصح والتربية، ومن أولئك بلا شك العلامة الشيخ الحارث (أخي) الذي سنتاول ترجمته من خلال العناوين التالية :
مولده ونشأته :
هو الشيخ الحارث الملقب أخي بن القاضي الأمين بن العلامة الحارث بن محنض بن سيدي عبد الله الشقروي ، وأمه فاطمة بنت آكاه، وهو أكبر أولاد القاضي الأمين. كان مولده ونشأته في منطقة العُقْل بولاية اترازة من موريتانيا الحالية.
تعليمه :
درس الوالد ــ رحمه الله ــ في محظرة أبيه القاضي الأمين، سليل بيت التدريس والقضاء، الذي أرسى دعائمه جدنا الأعلى الفغ المختار بن بانبلي، فكان أولاده خير سلف لخير خلف، علماء وقضاة،كما هو معلوم مشهور، كانت تلك المحظرة كعبة لطلاب العلم من داخل موريتانيا وخارجها،وهي أشهر محاظر المنطقة، وفيها أكمل الوالد علوم الآلة من نحو وصرف وبلاغة، وعلوم الشريعة من فقه وتفسير ورسم ومقرإ، فكان يقرأ القرآن بالقراءات السبع، كما وسع مداركه بالدراسة على مشايخ آخرين، نذكر منهم على سبيل المثال الشيخ أحمد بن سيد أمين ــ طيب الله ثراه ــ الذي أجاد علم التصوف .
فتح الله عليه في شتى العلوم، في اللغات والفلك والأنساب والجغرافيا.
من بعد وفاة والده الأمين تحمل أعباء محظرة الأسرة (آل الحارث)،فاستقطبت طلابا من جنوب الصحراء، وتحديدا من جمهورية السنغال، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر أولاد بو نعام (أبب، وعابدين، والشريف، ومحمد الأمين،وسيد ومحمدي..)وغيرهم كثير.
أما من داخل البلاد فدرس عليه عدد لا يحصى من طلاب العلم، ومن بين ما اشتهر منهم :
العلامة محمدن عبد الرحمن ولد احمد الملقب ولد فتى.
والشاعر والإمام محمدن ولد سيديا رحمه الله.
ولأستاذ الدكتور أحمدو ولد عبد السلام.
والشاعر والمؤلف إدوم ولد الداه.
كان وقته كله للتدريس، حيث كان يدرس الرجال في النهار والنساء في الليل.
كما كان أول إمام يؤم الجمعة في قرية تنغدج.
وفقه الله لأداء مناسك الحج سنة 1980م، وهو أول من حج من أسرته.
ومن نافلة القول أنه كان من علية القوم وسيدا من ساداتهم.
مكانته العلمية :
لنترك الحديث لمعاصره عالم دهره و فريد عصره شيخنا الشيخ أحمدو ولد أبوبكر ولد فتى الشقروي (1345ــ 1408هـ) يحدثنا عن مكانة الوالد العلمية وذلك في مقدمة عدة رسائل بعثها إليه كتبها بخطه الجميل:
الرسالة الأولى :
كانت بتاريخ : الثلثاء الحادي والعشرين من جماد الثانية عام ١٣٩٠ هجرية:
(الحمد الله والسلام على سيدنا محمد رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه،
أما بعد فمن المنهي آخره إلى الحب الأخلص، والصفي الأخلص، يتيمة عفر السودد الأصيل، وفرع دوحة المجد الأثيل،جمال القراء والنحاة والمحدثين، ياقوتة العباد، مقدم الزهاد، معرف الأنوار، ومنبع الأسرار، لسان الصوفية،زين الفقهاء،برهان المتكلمين،حجة المؤرخين،الحافظ المتقن،الماهر المتفنن،مجمع مجرى علم الظاهر والباطن،نسخة السلسلة العلمية،من آباء الطين والدين، ورمز الكمال المتسلسل،من أجداده الطيبين،إلى أصله الرسول المصطفى الأمين،أعني الشيخ المسلك القدوة الحارث بن الأمين بن محنض بن سيد عبد الله....).
الرسالة الثانية :
بعثها بتاريخ : 13 الجمعة شوال علم 1401هـ :
(بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، اللهم ارحمنا والمسلمين في كل حال يا الله آمين.
الحمد الله وما توفيقي إلا بالله وما بكم من نعمة فمن الله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول اله وءاله وصحبه ومن والاه ، أما بعد فإنه أسنى السلام وأسماه، وأطيبه وأنماه، منا إلى الشيخ الكبير، العالم النحرير، سلالة الأفاضل، وثمرة الأماثل، البركة القدوة، الشيخ الحارث بن العلامة النحرير، الأمين بن العلامة الكبير، الحارث بن أبي العلماء العلامة الأكبر محنض بن سيد عبد الله البيت العلمي المعروف ...)
الرسالة الثالثة :
بتاريخ الثلثاء منسلخ جمادي الأولى والأول عام 1403هـ :
(الحمد الله أما بعد، فإنه أسنى السلام وأسماه، وأطيبه وأسماه، وأعذبه وأنماه، من كاتبه إلى فريد عصره، وفريد دهره، الشيخ السالك المسلك، أخينا وصفينا ومرءاة والدنا، الشيخ الحارث، بن العلامة القاضي، بن العلامة الفتي المبارك، أعني شيخينا الأمين والحارث، أفاض الله علينا وعلى المؤمنين من بركاتهما...).
الرسالة الرابعة :
لم يؤرخها :
(الحمد الله، وما توفيق إلا بالله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسوله الله، وءاله وصحبه ومن والاه، أما بعد فمن راسم اسمه ءاخر رسمه، إلى الأخ الحبيب والوالد النصوح، والصديق المخلص، العالم العلامة، الحبر الفهامة، سلالة الأكابر العلماء، الأتقياء، وبقية المحقين المحققين الأولياء، أخينا الشيخ أخي الأستاذ الحارث بن الأمين، بن الحارث نسبا، كان عليه من شمس الضحى نورا، ومن فلق الصبح عمودا، سلام يناسب المقام، ويطابق المرام، ويؤذن يالتبجيل والاحترام، مع أني غني بما يعلمه الله تعلى مني من كثرة الأوصاف، وما في نفسي لا يسعه مجلد ولا مجلدات، ولا يكفي فيه كتاب ولا كتب، فقبضت عنان القول لأن القول لا يشفيني ولا يكفيني ....)
من آثاره :
تأليف في حكم صلاة الجمعة في موريتانيا والسنغال.
وسبب تأليفه أنه نزل مرة عند بعض تلاميذه في السنغال، فسألوه عن حكم صلاة الجمعة في بلادهم، فدفعه ذلك إلى تأليف الكتاب، تطرق فيه إلى شرط الحرية للإمام، الذي كان قليلا في تلك البلاد، بالإضافة إلى اشتراط العدد، خصوصا وأن سكان المنطقة الذين سألوا السؤال كانوا أهل قرى متطايرة تسمى (لكصور).
ومن بين القرى التي أفتى بجواز صلاة الجمعة فيها قرية "دار مستي" التي أصبحت مدينة فيما بعد، ومدينة "طوبى".
مجموعة فتاوى فقهية مختلفة.
مكتبة غنية بمختلف العلوم، موزعة في ثلاثة توابيت.
وفــاته :
في يوم 06 فبراير من سنة 1989م زمانا، وفي قرية مايشايد ــ منبت الكرم والمروءة ــ مكانا، شاء الله أن يصطفيه إلى جواره، حيث فاضت روحه الطاهرة إلى باريها ــ نحسبها كذلك ولا نزكي على أحدا ــ بعد عمر حافل بخدمة الإسلام والمسلمين، جزاه الله عنا خير ما جازى نبيا عن أمته، ورسولا عمن أرسل إليهم.
وقد سالت أقلام الشعراء والأدباء تأسفا على فراقه،مثل الشاعر الشيخ ولد الشيخ، والشاعر إدوم ولد الداه، والشاعر التاه ولد الخليفة ــ رحمه الله ــ إلى آخر القائمة، وسننشر مراثيه كاملة في وقت لاحق، إن شاء الله تعالى
محمــد محفــوظ الحارث