تمحورت المبررات التي قدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا لشن ضربات جوية على سوريا على ضرورة الحفاظ على الحظر الدولي لاستخدام الأسلحة الكيميائية، وذلك بتجريد نظام الأسد من ترسانته الكيميائية ومنع وقوع المزيد من الهجمات الكيماوية ضد المدنيين في سوريا.
وقالت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي بأن المملكة المتحدة دأبت دائما على الدفاع عن القواعد والمعايير العالمية الدولية لخدمة المصلحة الوطنية للمملكة المتحدة والمجتمع الدولي بأسره.
ومن الناحية القانونية، يعيد هذا الموقف العالم إلى الحقبة التي سبقت وضع ميثاق الأمم المتحدة، الذي يسمح للدول باستخدام القوة للدفاع عن النفس، أو لحماية المدنيين المهددين بالإبادة على يد حكومتهم. كما يمكن استخدام القوة لأغراض أوسع للحفاظ على الأمن الدولي. لكن اتخاذ مثل هذا الإجراء يخضع لمتطلبات تفويض من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
وتهدف هذه التدابير للموازنة بين حاجة الدول للحفاظ على أمنها في مواجهة هجوم حقيقي أو وشيك من خلال الدفاع عن النفس عندما يكون ذلك ضروريا، وبين ضمان عدم استخدام القوة كأداة ووسيلة روتينية في السياسة الدولية.
وعليه فإن القانون الدولي منذ عام 1945 يحول دون توجيه ضربات عسكرية انتقامية، بهدف تلقين الآخرين دروسا. فالأعمال الانتقامية هي أفعال غير مشروعة من حيث المبدأ، ولكن يمكن قبولها في حال كانت تهدف إلى إجبار دولة ما على الامتثال لالتزاماتها الدولية.
وبناء على ذلك أدان مجلس الأمن الدولي في عام 1981، إسرائيل عندما هاجمت مفاعل أوزيراك النووي في العراق. وتذرعت إسرائيل حينها بأن المفاعل قد يسهم في إنتاج أسلحة الدمار الشامل في المستقبل. كما انتُقد هجوم أمريكي ضد منشأة لإنتاج "أسلحة كيميائية" في السودان في عام 1998 ردا على تفجيرات السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا.
أما بالنسبة للضربة الأمريكية البريطانية الفرنسية لمواقع سورية مؤخرا، فقد اتخذت الدول الثلاث على عاتقها إجبار سوريا على الامتثال لالتزاماتها بموجب اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية.
وكانت سوريا انضمت إلى الاتفاقية في عام 2013 كجزء من التسوية الدبلوماسية التي أعقبت فشل المملكة المتحدة والولايات المتحدة في المضي في تنفيذ تهديداتها بشن غارات جوية على سوريا بعد هجمات كيميائية مروعة في الغوطة الشرقية. وتحظر الاتفاقية إنتاج الأسلحة الكيميائية وحيازتها واستخدامها، وقد وقعت عليها قرابة 192 دولة.
كما خضعت سوريا لشروط إضافية بموجب قرار مجلس الأمن 2118 الإلزامي، حيث تكفل هذه الشروط تدمير مخزونها من الأسلحة الكيميائية. وجرى حينها تعاون دولي، كانت روسيا جزءا منه، أدى إلى الإيفاء بمعظم تلك الشروط بحلول سبتمبر 2014.
الفيتو الروسي
وعلى الرغم من ذلك، فقد سُجلت بعدها "نحو 40 حالة لاستخدام الأسلحة الكيميائية" في سوريا. ولدى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية (OPCW) القدرة على إيفاد بعثات لتقصي الحقائق، لتحديد ما إذا كانت هذه الأسلحة قد استخدمت بالفعل أم لم تستخدم.
وأنشأت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية ومجلس الأمن آلية مشتركة، لكن بعد أن وجهت الآلية أصابع الاتهام إلى حكومة الأسد في العام الماضي، استخدمت روسيا حق النقض الفيتو لمنع تجديد التفويض الممنوح لها.
وفشلت محاولة إنشاء آلية جديدة مخولة لتحديد المسؤولية عن الاستخدام الأخير للأسلحة الكيميائية في دوما هذا الأسبوع، وبسبب الفيتو الروسي في مجلس الأمن.
وتقول الدول الثلاث إنه لا يوجد أي إمكانية للحصول على تفويض من المجلس لمواجهة استخدام الأسلحة الكيميائية من قبل سوريا. وتزعم أنها بضربها سوريا نفذت إحدى وظائف النظام الدولي في الدفاع عن مصداقية حظر استخدام الأسلحة الكيميائية بشكل عام، وفرض الالتزام على سوريا على وجه الخصوص.
ولكن هذه الحجة التي ساقتها الدول الثلاث تذكرنا إلى حد ما بغزو العراق عام 2003، الذي كان الغرض منه إجبار بغداد على نزع أسلحتها النووية وفقا لتوصيات مجلس الأمن، لكن من دون وجود تفويض واضح من المجلس.
وعلاوة على ذلك، أطلق الرئيس ترامب في نيسان/ أبريل من العام الماضي 59 صاروخا من نوع كروز على القاعدة الجوية السورية في مطار الشعيرات. وقيل حينها إن المنشأة كانت قد ساهمت في هجوم كيميائي على بلدة خان شيخون في ريف إدلب، والحجة كانت أيضا ردع نظام الأسد عن استخدام الأسلحة الكيميائية مجددا.
وتنص اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية على إحالة حالات خطيرة مثل هجوم دوما إلى مجلس الأمن لاتخاذ إجراءات مناسبة. لكن المجلس لم يتمكن حتى من الاتفاق على آلية لتحديد المسؤولية، فضلا عن الحديث عن إجراءات أكثر حسمًا لمنع الاستخدامات المستقبلية لهذه الأسلحة.
وتَصرف هذه الدول الثلاث كذراع لتطبيق القانون الدولي، أمر ترفضه بعض الدول. فقد أكدت روسيا أن الهجمات تنتهك بشكل صارخ حظر استخدام القوة.
كما أكد الأمين العام للأمم المتحدة على ضرورة احترام دور مجلس الأمن في مثل هذه الحالات.