كنت قد قمت قبل سنوات بكتابة قصة "العم سالم" وسأعيد نشرها بعدما علمتُ بوفاته ـ رحمه الله ـ قبل أيام في إحدى القرى النائية من البلاد.
وهذه هي قصة العجوز سالم :
ليس هذا العجوز القابع في ركن "ابراكَـ" من بركَة الكبّة" سوى الشاب سالم ذي العضلات المفتولة , صاحب الصولات والجولات في حرب الصحراء منتصف السبعينات من القرن الماضي.
للعم "سالم" قصة أغرب من الخيال وأعجب من العجائب السبعة.....
أما أنا فلا شيء في هذه الدنيا يستهويني وأجد فيه اللذة والمتعة أكثر من ليلة أفترش فيها الرمال وألتحف السماء...أقلِّب النظر في بديع صنع الله... في هذا الكون اللّامتناهي.... الكواكب والمجرات والنجوم المتلألأة...وبدر مضيء يختال رويدا رويدا ...وخرير مياه منسابة تهمس في آذان وريقات أغصان متدلية على ضفاف الوادي... فتُصدر حفيفا يحاكي في جماله صوتَ نايٍ يعانقه راعي غُنيمات.. يجلس القرفصاء ضحوةً ...يتمايل طربا فيعود اليه صدى نغماته من جنبات الهضاب المحيطة... فيردّدها الوادي... فيُصغي...يُحاكى ...يُرتل...يترنم....
لكن الأشد متعة ولذة من كل ذلك بالنسبة لي هو الجلوس بين البسطاء في بيئاتهم الأصليّة.... أستمع لحكاياتهم وقصصهم الواقعية.. دون تكلف ولا تعتعة...
تعرفتُ على العم"سالم" منذ بعض الوقت...أزوره...أختلف اليه بين الفينة والاخرى...
فالرجل رغم سنه...رغم الآلام والمآسي...كنز ثمين من كنوز التاريخ الموريتاني القديم والحديث......
اعتدلَ جالسا بجسمه النحيل :
بنيّ : من أين أبدأ وماذا عسايَ أقول.....
كنتُ أحد أفراد "كُوميات" في كتيبة الجمّالة الفرنسية ...لا نكاد نقيم حتى نرحل...نجوب الصحراء الكبرى ...من تيمبكتو الى الساقية الحمراء فتيرس...ثم آدرار ...لا حدود ..ولا دُول... شعبٌ واحد مسلم...السكان بدو رُحّل... يَتبعون الماء والكلأ حيثما وُجدا....
تزوجتُ فتاة جميلة أيامَ كانت الصّنكَة في مناطق "أزواد" ولم أمض معها أكثر من ليلتين اثنتين...
لم يسعفني الوقت للتعرف عليها أو التعرف عليّ....افترقنا الى الأبد...عدتُ الى الشمال....ذهبت هي الى الجنوب ...الى المرابع المألوفة لأهلها , حيث ينتجعون صيفا في الادغال والغابات المالية...ويعودون الى الشمال الازوادي خريفا في رحلة حياتهم الابدية التي لا تتبدل ولا تتغيّر...
تزوجتُ مرة ثانية في إحدى قبائل الشمال الصحراوي التي تمتد مضاربها على رقعة شاسعة من آدرار جنوبا وحتى تخوم وادي الذهب شمالا...
مكثت معها أربعة ليال بلا أيّام...ثم شدَّت الفِرقة الرحال من جديد باتجاه "ازويرات"...
بداية اكتشاف المعدن ...بداية وضع السكة الحديدية...أصل ماهُ ظرك.. "أكل حقوق العمال والظلم والقهر" ــ مجرد استطراد ــ يتابع .....كُلّفنا بالحراسة ومرافقة العمال....كانت أطول مدة نمكث فيها أكثر من شهرين في مكان واحد....
تزوجتُ للمرة الثالثة ...أُعلن الاستقلال...
التحقتُ بالحرس الوطني ....ثم ...ثم انطلقت شرارة الحرب بيننا وبين ثوار "البوليساريو"....رصَّفتْ ياسر...بنيّ اعذرني...
صمَتَ طويلا.....أطلقَ آهات ..أنَّ أنين المريض المتألم...أتبعه بشهيق وزفير...
أطرق برأسه الى الارض...عيناه تذرفان الدموع بغزارة...عضّ شفة كادت تختفي في حلقه...لا أسنان تسندها ولا "عَاجْ سليم"...سمعته يهمس ..لعن الله النصارى.."هومَ السبب" لم أسأله...أشفقتُ عليه...
تحسّست ....
بقية القصة المأساوية للمرحوم سالم تجدها في هذا الرابط , فاضغط هنــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا