المناسبة التي تم اختيارها لتكريم المرحوم محمد محمود ولد الديه تزامنت مع تخليد اليوم الوطني للغة العربية. فمن حقنا ان نتذكر في هذه اللحظات شذرات مضئة من حياة رجل حمل مشعل التمكين للغة الضاد في بلد يسيطر انذال المحتل ودعاة ترسيخ لغته في مفاصل الدولية على كل شئ.
لقد واجه الرجل بكل شجاعة في ذل الزمن الرديئ جحافل المتفرنسين الذين يريدون لموريتانيا ان تظل رهينة لثقافة غريبة على شعبها.
فعندما عين مديرا عاما على الجمارك عقد اجتماعا موسعا مع الضباط وضباط الصف في هذا السلك الهام في الحياة الاقتصادية للبلد فسألهم هل من بينهم من يتقن اللغة العربية؟
فكان الرد بطبيعة الحال بكلمة النفي دون استحياء.
فقال لهم ما السبب في ذلك ؟
فكان ردهم وبكلمة يتفق الجميع عليها محافظة على مصالحهم الخاصة ان العمل باللغة العربية لا يمكن في هذا السلك فكل الوثائق والفواتير يتم اعدادها باللغة الفرنسية.
حزم ولد الديه امره في الايام الموالية وقرر ارسال مجموعة من وكلاء الجمارك للتكوين في المدرسة الوطنية للادارة ليتخرجوا منها برتب مماثلة لنظرائهم المتكونين بالفرنسية فكانت تلكم الخطوة الاولى لهذا الرجل.
وعندما عين على وزارة الصحة وجد امامه مايزيد على سبعين ممرض دولة ثقا فتهم عربية تلقوا تكوينهم في العراق يتسكعون في الشوارع لأن وزارة الصحة عبرت لوزارة الوظيفة العمومية عن عدم الحاجة لخدماتهم لأن كل الادوية مستوردة من فرنسا واسماؤها بالغة الفرنسية والوثائق المصاحبة لها ايضا بالفرنسية وبالتالي لا يمكن للمثقفين بالعربية علاج المرضى بها.
وعندما اطلع على فحوى رسالة وزير الصحة الذي كان قبله قرر الغاءها، وطلب من الو ظيفة دمجهم في سلكها وتحويلهم الى المسوصفات والمراكز الصحية رغم ما تلقاه من معارضة لهذا القرار.
وكان قراره باقتسام ميزانية المدرسة الوطنية للصحة الممنوحة من فرنسا بين مدرستين احداهما بالفرنسية والاخرى بالعربية القشة التي قصمت ظهر المعارضين للتمكين للغة العربية في هذا البلد فحرضوا جماعات من الاطباء ضد القرار وقاموا باضراب واجهه بشجاعة مستخدما الطاقم الطبي في الجيش ومن رفضوا الانصياع لمطالب المضربين فافشله بعد ساعات بقراره المتمثل في طرد كل طبيب لم يحضر عمله في صبيحة اليوم الموالي فلم يتغيب احد من المضربين عن مكان عمله.
وواصلت الدفعة المكتتبة بالعربية دراستها دون مضايقة ليحقق الهدف النبيل الذي من اجله قرر انشاء مدرسة للصحة بالعربية.
واتخذ قرارات بالتعريب في الوظائف التي اسندت له مهام في دوائر ها.
نسأل الله ان يجعل عمله هذا وغيره من اعماله الصالحة التي لاتحصى في ميزان حسناته وان يتغمده بواسع رحمته ، شاكرين لوزير الثقافة والصناعة التقليدية الناطق الرسمي باسم الحكومة الدكتور محمد الامين ولد الشيخ اشىرافه شخصيا على هذا التكريم ، ومثمنين في نفس الوقت الجهد الذي بذله المركز الموريتاني للغة العربية في هذا التكريم المستحق بجدارة.
الشريف بونا