يعتبر الشباب ركيزة أساسية وركنا متينا ورافعة مهمة لأي تنمية اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية ... من جهة، كما يعتبر عامل هبوط وتراجع قوي لأي تنمية كانت، من جهة أخرى ، ذلك أنه سلاح ذو حدين، "فالخير كله في الشباب ، والشر كله في الشباب"، واستغلال طاقة الخير في الشباب أمر يعود بالدرجة الأولى إلى الشباب أنفسهم ، نعم للدولة دور محوري لا غنى عنه في استغلال تلك الطاقة، ولكننا هنا نتحدث عن استغلالها من طرف أصحابها الشباب، وذلك يتمثل في تقدم الشباب بمبادرات في شتى المجالات تساهم في نهضة المجتمع وترفع من شأنه ، سواء وجدت تلك المبادرات دعما من الدولة أو من القطاع الخاص، أو اعتمد الشباب على أنفسهم في تمويلها، غير أن مشكلة كثير من المبادرات ليست دائما في قلة التمويل بقدر ما هي في الانتقادات الكثيرة التي يوجهها الشباب لبعضهم البعض، ذلك أنه وإن كان يوجد شباب مبادرات، فإنه يوجد وبعدد أكثر للأسف الشديد شباب متخصصون في النقد، ينتقدون كل شيء بعض النظر عن طبيعته ومصدره سوءا كان آت من الموالاة أو المعارضة، أو كان قوميا أو إسلاميا، نعم النقد ضرورة لا غنى عنها وحاجة لابد منها، ولكن بشرط أن يكون نقدا بناءا لا نقدا أجوف ، فلأول يستند إلى براهين وحجج منطقية ، ويقدم المقترحات والبدائل والحلول الذكية، أما الثاني فلا يستند إلى أي حجة ولا دليل، ويتسم بالتجريح والتشخيص النذيل، وهو الذي نعنيه هنا إذ هو مرض كثير من الشباب إلا من رحم ربك وقليل وقليل ما هم، ولذلك حدث ما نعيشه من انتشار واسع للنقد الأجوف في وسائل التواصل الاجتماعي من طرف شباب لا يقدمون سوي النقد والنقد فقط ، في موازاة آخرين ــ قليلون للغاية ــــ يقدمون المبادرات المتعددة وفي مجالات مختلفة، ويتضح البون الشاسع بين هؤلاء و ألائك في الأمور التالية :
يهتم شباب المبادرات بمصلحة المجتمع العامة ويسعون لتقديم النصح والدعم له ، بينما يهتم شباب الانتقادات بكشف عورات المجتمع والبحث عن زلاته والتشهير بها.
يركز شباب المبادرات على أصحاب النوايا الحسنة بهدف نشر أعمالهم الخيرية والإشادة بها ، في حين يركز شباب الانتقادات على البحث عن أخطاء تلك الشخصيات وتتبعها خطأ بخطأ.
يقدم شباب المبادرات الحلول لمشاكل المجتمع ، أما شباب الانتقادات فينتقدون تلك الحلول ويقللون من شأنها دون أن يطرحوا بدائل لها.
يعمل شباب المبادرات في العمل الخيري تطوعا لوجه الله و خدمة لعباده، بينما ينتقد شباب الانتقادات ذلك العمل ويعتبرون أصحابه مأجورين وعملاء لجهات خارجية ولأطراف سياسية.
يشيد شباب المبادرات بكل خطوة حكومية أو خصوصية تسعى إلى الرقي بالمجتمع ماديا أو معنويا فيكنون لها سندا وعونا، في حين يعمد شباب الانتقادات إلى التشكيك فيها والتقليل من جدوائيتها والرهان على فشلها.
ينظر شباب المبادرات بعين الرضي والأمل إلى المستقبل بفضل تخطيطهم المحكم له، بينما ينظر شباب الانتقادات إلى المستقبل بعين السخط واليأس بفعل تشاؤمهم المستمر.
ذلكم غيض من فيض من فروق كثيرة بين شباب يزرعون الأمل عن قصد وعن وعي، وبين آخرين يزرعون التشاؤم عن قصد أو عن غير قصد، وبذلكم يتسع الفرق وتتسع الهوة بين (شباب المبادرات وشباب الانتقادات).
محمد محفوظ الحارث