استخلف الله الإنسان في الأرض واستعمره فيها لحكمة أزلية لازالت تتكشف بعض جوانبها منذ النشأة الأولى التي تحمَّل الإنسان فيها الأمانة ومسؤولية الإصلاح من حيث أبت السموات والأرض أن يحملنها.
ولأنها على هذه الدرجة من الأهمية كان لزاما على الإنسان أن يكون عند مستوى تطلعات الأرض وأهلها، ولأن الله علمه ما لم يكن يعلم كان لابد من استحضار الرشد والحنو في كل عملية إصلاح أراد لها أن تنفع الناس وتمكنه في الأرض.
من هنا كانت النخب الموريتانية أمام مسؤوليات جسيمة أملتها التراكمات التي توارثتها الأجيال بكل مخلفاتها السلبية والإيجابية، في زمن لم يعد يعترف بالضعفاء ولا مكان فيه للغفلة والتقاعس، فموريتانيا التي تعاورتها النخب منذ 1960 بحاجة إلى أن تقف وقفة تأمل لتقييم الإصلاحات كل الإصلاحات، وتستشرف المستقبل أي مستقبل واضعة في الحسبان أن التغيير نحو الأفضل ليس مسألة صدفة تأتي بها موجة وحركة الزمن، وإنما هي فعل بشري إرادي يقرره أهل الشأن وأصحاب الفعل من الذين تجاوزوا أغراضهم الخاصة وتعالوا على النزعات و المتاهات الفردية إلى بناء رؤية جمعية وجماعية تعترف بالجميع ولا تستثني أحدا، بل تعتبر كل فرد لبنة إيجابية تأخذ مكانها الطبيعي في عالم يأخذ في الحسبان مستويات التضحية لكل فرد وكل جماعة ويقيم الأمور وفق آليات موجهة وفاعلة ومفيدة .
فلابد إذا والحالة هذه من إحساسنا بأن الإصلاح مسألة مرتبطة بنا نحن بالدرجة الأولى ,ولا يمكن أن نكلها إلى غيرنا ولو فرطنا في تحملها لضاعت وضاع معها مستقبل الوطن والأمة، فكيف نكل قيادة سفينة نركبها إلى من لا نأتمن على حياتنا ومستقبلنا ومصالحنا؟!!، والتي جربنا وعرفنا من يحافظون عليها ومن يريدون تضييعها، وهنا يتطلب الأمر الوقوف مع ذواتنا لتصحيح وترويض أنفسنا أولا ((إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)) صدق الله العظيم، فالإصلاح مشروط بالبدء بالتغيير الهادئ والواعي والبناء لكل التجليات وكل الأبعاد، مراعاة للحفاظ على الموجود والجدية في طلب المفقود مما ينفع الناس ويمكث في الأرض.
فعملية الإصلاح السياسي المزمعة هذه الأيام على مستوى حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، كحاضنة لمشروع زرع الكثير من الأمل في نفوس الموريتانيين وراهنت عليه أجيال في التأسيس لرؤية سياسية ترسم المستقبل الواعد للأمة الموريتانية، هي عملية ينبغي أن تتنزل في هذا الإطار، يجب أن تُحكم بضوابط المسؤولية واستشعار البعد الوطني في استحضار جسامة المهمة التي نتحمل، بحيث ينبغي التجرد من العوائق الثقافية والاجتماعية والسياسية التي طالما كبلت نخب هذا البلد وأوصلته إلى متاهات كادت تذهب بريحه لولا عناية الله وتدارك المخلصين من أبنائه للموقف .
إنها لحظة تتطلب فعلا كثيرا من الحزم والعزم وبعد النظر والحيطة في كل ما نقدم عليه في إطار إعادة التأسيس حتى لا يظل الوزر يلاحقنا وحتى لا تتكرر أخطاء الماضي ، إذ العاقل يستفيد من أخطائه!!.
د.محمد الأمين ولد شامخ
أستاذ جامعي