"إنه من سليمان وإنه باسم الله الرحمن الرحيم"
تحية إجلال وتقدير للقارئ والمثقف أينما كان، ولمواقعنا الإلكترونية، وشبكات التواصل الاجتماعي، على تجاوبهم الإيجابي والسريع مع المقال الأخير، الذي كتبت بعنوان: "رأي في الحوار" وقد عبر الكثير منهم عن الدور الذي لعبه المقال، في تنوير الرأي العام. والمطالبة بالتوافق والتصالح، لذينك الطرفين المتجاذبين للحبل السياسي المتهالك. بسبب قوة التجاذب وطول الزمن.
فمنذ اجتماع داكار، وغبار داحس والغبراء، يلبد السماء ويزكم الأنوف. ولم تثمر سلسلة الحوار المتتالية إلا ما أثمرته ناقة البسوس. إذ نسي كليب حينها أن لجساس شعورا وإحساسا، ويملك رمحا وفرسا. ونسي الأخير أن لكليب ملكا وروضة، فيها عش قبرة، محمية بقوة قانون الخيلاء والعظمة. فهلك الاثنان وضاعت البلدان، لغياب الحكمة عن الميدان.
وهذا ما لا نرجوه لبلدنا الحبيب. سيما أن لهيب الحرب متأجج في ليبيا شمالا وفي مالي جنوبا، وطبول الحرب تقرع في كل مكان. ولم تسلم منها إلا دولة تونس الشقيقة - بفضل الله - لحضور الحكمة وتحكيم العقل ومسيرة الأقلام، بدل مسيرة الأقدام، التي تنهك البلد - أي بلد كان – اقتصاديا وسياسيا وأمنيا، لأن إغلاق الدكاكين والمحلات التجارية، وورشات العمل الصغيرة والكبيرة، وعسكرة البلد وشوارعه، كل ذلك يؤثر على الاستثمارات والسياحة، ويشل الاقتصاد ويعطل التنمية، وينشر الرعب بين عامة الناس، فتصبح الحياة كابوسية لا تطاق.
وعليه، فإني أدعو من هذا المنبر كافة الفاعلين والنشطاء السياسيين، والمثقفين، بمختلف مشاربهم وتخصصاتهم، وتوجهاتهم وانتماءاتهم السياسية: أغلبية ومعارضة، علماء وفقهاء، أساتذة وطلابا، أطرا وموظفين، إلى "مسيرة حاشدة بالأقلام الوطنية المناضلة" تكون انطلاقتها من "ساحة العقل" الواسعة والواسعة جدا. وتوقفها: عند نقطة تلاقي الوطن والوطنية. فعند هذا المكان بالتحديد، يلتقي كل الموريتانيين: شعبا وحكومة، أغلبية ومعارضة، أبيضا وأسودا، فيتعانق الكل في بهجة وفرح وسرور. ويبارك بعضهم لبعض في العافية والسعادة، التي ينشدون لوطنهم، والتعايش السلمي الذي يحسدون عليه، بفضل لحمة الدين والتاريخ والأرض. فيخر الجميع ساجدا لله سبحانه وتعالى على نعمه. ويرسم الفنان بريشته لوحة جميلة بديعة لشعب اختلفت ألوانه ولغاته شكلا، وتناسقت معنى ومضمونا. شعبا أحب وطنه حتى النخاع، شعبا اختار لنفسه شعار: "الإخاء والشرف والعدالة".
ثم تصدح حناجر المغنين بالنشيد الوطني، وغيره من الأغاني والأهازيج التي تعبر بصدق عن الفرح بعيد الاستقلال ومباركته، والعملة الوطنية، وتأميم ميفرما، وغير ذلك كثير من نتائج المقاومة وكفاحها. تلك المقاومة الباسلة، التي لم تكد تستكمل نشوة فرحها بالانتصارات المتتالية التي حققتها. حتى نكصت حكومات تعاقبت بعدها، إلى النقط الساخنة والبرص، لبيع ونهب خيرات بلدها. باتفاقيات مشبوهة، مع مستعمر ترعاه الماسونية العالمية، وتزوده بمفاهيم وأفكار خداعة، كالتفرقة من أجل السؤدد، والديمقراطية المزيفة، ومنظمات حقوق الإنسان، التي تمنع من تطبيق شرع الله على أرض الله. ليشيع القتل والكفر والفساد، وغير ذلك من المنظمات المقنعة بأسماء أخرى مستعارة، وهي في جوهرها وحقيقتها منظمات تهويد وتنصير، منظم ومؤدلج.
فبقي التأميم كلمة، والاستنزاف مضمونا، والعملة الوطنية، باسمها والورق مضمونها، والأرض ما عليها لنا، وما في باطنها لغيرنا.
وحتى لا أطيل عليكم سادتي القراء، فهلموا بأقلامكم وادعوا معي إلى التصالح والتشاور، والحوار الجاد، الذي يجد فيه كل ذاته، من خلال أحزابه وممثليه، من أن تبقى هذه الجوهرة المتلألئة، شامخة في وسط الصحراء، بمآذنها المطاولة للسماء، والمدوية بوحدانية الله ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم. تلك هي موريتاننا الحبيبة.. جوهرة الصحراء.
فحبذا لو كان الفقهاء والعلماء ورؤساء الأحزاب، على رأس هذه المسيرة المباركة الميمونة، "مسيرة الأقلام"، ويكون رئيس الدولة في موكب: الحلم والعقل والحكمة ورحابة الصدر في استقبالها، وخاطب مسيرة شعب بأكمله، بحزم وعزم: "لبيك يا وطن"، والوطن فوق كل اعتبار.
سيداتي سادتي القراء،
إن القلم قد أقسم به الله سبحانه وتعالى في قوله جل من قائل: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ}. وعلم به عباده ما لم يكونوا يعلمون.
وفي الختام، قال جل من قائل في تعظيم العلم والعلماء {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}، ولا يخفى عندئذ ما في القلم من بركة.
والدعوة عامة، والصلح خير.. وأغلقوا الأبواب والنوافذ، فإن العواصف قاتمة - مع الأسف -، في سماء فلسطين، وسوريا، واليمن، والعراق، ولبنان، وليبيا، ومالي، وجل بلدان إفريقية المسكينة.
فهلموا إلى العقل والحكمة والدعاء. فالعقل قد خص الله به الإنسان، والحكمة لخاصة خاصته، لأن من أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا، والدعاء يرد البلاء. ولو صليتم أيها الساسة أغلبية ومعارضة، لله سبحانه وتعالى في صف واحد، وفي مسجد واحد، ولو مرة قبل دخول قصر المؤتمرات، لسهل الأمر وتحسن الحال وسلم الحبل من الانقطاع، وسلم الناس من العواصف.
والله ولي التوفيق
بقلم: القاسم ولد ابنو ولد محمد سيدي
معلم في مدرسة محمد ولد آدب في توجنين
هاتف: 36310404