كنت عازفا منذ بعض الوقت عن فكرة الزواج خشية ما يتبعه من مشاكل وخلافات ومطالب , وأنا صاحب تجربة.
وكنت كلما حدثتني الوالدة ــ أطال الله بقاءها ــ عن الموضوع أتهرب وأصرفها بلباقة , ويساعدني في ذلك أن "عينْها اطويلة افلعليات" كما يقال...تعتقد أن المرأة التي تستحقني نادرة الوجود..."فايتتهَا لخبار مسكينه"...
يوم الخميس الماضي 18 ديسمبر يوم كباقي الايام ...خرجت مبكرا كعادتي كل صباح ....حملتُ حقيبتي "المتهالكة" في يدي...سلكت نفس الطريق...
الحقيبة بالمناسبة هي الشيء الوحيد الذي يلازمني عندما أخرج من البيت....فيها أشياء لا يمكنني الاستغناء عنها..كتاب ألف ليلة وليلة...عبيد ربه...رحلة السندباد..رواية "منينة بلانشية"...وخمس قصائد من شعر صعاليك العرب الاوائل....مرآة صغيرة....زازواية أخفيها عن المجموعة الحضرية حتى لا تصادرها وتُغرمني ...فيها "امبورايتْ 50 من لحطب وصرّة 20 من كرتة"...
لهذه الاسباب أحببتها وأحببت كل ما فيها...اليوم الوحيد الذي خرجت فيه من دونها كان يوم حملوني الى المستشفى فاقدا الوعي بسبب "حمة الناموس"
كان أول شيء افتقدته عندما عاد اليّ وعيي وجه والدتي التي علمت أنها ترقد في الغرفة المجاورة بعد ارتفاع ضغطها عندما رأتني محمولا الى المستشفى....ثم حقيبتي...
في ذلك اليوم.."الاغظف بالفالْ" ..يوم الخميس 18 ...تأبطت حقيبتي كما هي عادتي ..حتى نزل "الدم في يدي واركدْ اذراعي" من طول المسافة التي قطعتها ...فأنا اليوم لن أركب التاكسي...
المائة التي كانت كل رأس مالي اشتريت بها 50 "من باسي و50 من سليا" للوالدة بعد رفضها ليلة البارحة أكل المعكرونة لزيادة ملحها..... وهي تعاني ــ شفاها الله ــ من "تانصيوه امتينه" "واشبهْ شِ جبرناهْ لْهَ ألاَّ ورق السدرْ المفيَّظْ"
انطلقتُ مسرعا ...مررت كالعادة بدكان" اعمرْ" ...حييته تحية "حدْ امدوّخْ رافْ اعلَ كاس من أتاي" ...كنتُ كلما سلمت عليه صباحا يقول : "أَدْغَرْ إلاهْ إلينْ تشرب كاس" وبالرغم من أنني أكره كلمة "ادغر إلاه" هذه...وأود بيني وبين نفسي أن يقول بدلا منها ..ادخل مثلا ..أو تفضل...فأنا من عشاق الالفاظ والمسميات العربية....لكن "آدواخي وحاجتي "لْذاك لكويس" تُخرسني عن الكلام.....
أعمرْ هذه المرة لم يعرني أي اهتمام ولم يرد السلام....انشغل تفكيره أو شُلّ على ما يبدو....التفتُّ اليه...رأيته ينظر بانبهار ودهشة الى شيء ما....
الله ..الله..ما هذا...إنها فتاة كالقمر ليلة تمام البدر...
يا لَجمالها...يا لدلالها...وحسن تصويرها...تسمرتُ في مكاني...سقطت حقيبتي دون أن أدري..
المارة...السيارات في الشارع...الكل فاغرٌ فاهُ....
اقتربتُ من اعمر بعد أن توارت الفتاة عن الانظار....
اعمر...اعمر..مَن هذه....من أي بلاد الله؟... تنهدَ تنهيدة مَن كان "يبوسُ كَارْ" جارنا أحمد حين ييأس من تشغيله..ثم قال :
هذه فتاة عجيبة غريبة....يقولون إنها رفضت كل الخطاب...أغنياء...مسؤولين كبارا...علماء...تسخر من الجميع ...تهزأ بالكل...جملة واحدة على لسانها ترددها :
"ليس بينكم من يستحقني"...
أسرَّها يوسف في نفسه....اعمر...اعمر...احكمْلي هون هاذي "لكرَيْتابلْ إلين نرجع"
عدتُ الى البيت مسرعا ..لم أنتبه للدماء التي سالت من قدمي بغزارة ...دون أن أشعر بشيء....لا يهم...
أمي....أمي...لقد وجدتها...مَن يا ولدي...مَن؟ ..المرأة....الزوجة التي تريدين لولدك.....
بسرعة...لا تضيعي الفرصة...
...يا ولدي .."حاني خالتك تمشي امعانَ"...بعدين...بعدين ... تعالي بسرعة..الوقت ينفد...
بعد السؤال عن بيتها...دخلنا ..أنا والوالدة.....جلسنا
...لا أحد غيرها في البيت.....وحيدة...في كامل زينتها...أجمل مما تصورت....اسمعي يا ابنتي تقول الوالدة :
هذا ابني...كان عازفا عن الزواج حتى رآك اليوم......شاب سليل الشرف والكرم.....كل الفتيات يتمنون منه كلمة...قاطعَتْها...لو تكرمتِ أريد أن أحدثه على انفراد...أريد أن أختبره قبل أن أجيبك .......
في زاوية بعيدة....جلسنا...وجها لوجه....بادرتني :
أكمل قراءة وستعرف متى صُفع الرجل المسكين من طرف هذه الفتاة