في زمان تغيرت فيه المفاهيم، وانتكست فيه الفطر، وانقلبت فيه الموازين، بات من أسباب التعاسة حقا أن تسعى إلى المثالية ، ومنها أن تحاول تطبيق كل ما تقرؤه وتعرفه من أخلاق حسنة، وأراء سديدة، وأعظم من ذالك أن تحب وطنك حبا جما، حتى لا تتصور نفسك خارجه إلا لقضاء حج أو عمرة، أما أن تتركه لأجل منصب أو مال فلا.
فتقنع نفسك أنك في دولة، وأن قانونا و نظاما يحكمك و يحكم فيك، وتقنعها أن وطنك فيه، وأنه وأنه...الخ.
ثم ما تلبث أن تصطدم بصخرة الواقع عند ما تمارس حياتك العادية.
مسابقات لا شفافية فيها، تعيينات لا كفاءة فيها ولا جديد لأنك لن تسمع فيها إلا والي سابقا، وزير سابقا، مدير سابقا، مستشار سابقا، سفير سابقا... الخ.
إدارة لا مهنية فيها، المواطنون ضعفاء مسحوقون لا معين لهم ولا ناصر إلا من رحم الله، بل يغرمون في كل شيء حتى على وثائقهم، و القانون السائد هو: المال و القوة و القبيلة و الجهوية و الخوف و الطمع و الظلم و التعالي... الخ
فلا تملك إلا أن تنادي بأعلى صوت ضميرك وا أسفاه على وطني، و لا ترفع صوتك بها، حتى لا تصنف معارضا، أو تسبب فتنة أو أو أو.
لكنك تستفيد من هذا الواقع:
أولا: تعذر أولئك المهاجرين الذين خرجوا من ديارهم وأبنائهم وأهليهم، و مضوا يحملون معهم من مرارة الظلم والقهر والنسيان والتهميش، ما يعينهم علي وحشة الغربة و كآبة الطريق، وصعوبة الحال، ولا تنقصهم كفاءة، ولكنهم سمعوا قول الشاعر:
إذا كنت في أرض يذلك أهلها ولـــــــــــــم تك ذا عز بها فتغرب
فإن رسول الله لم يستقم له بمكـــة حال واستقام بيثرب.
ثانيا: تفهم السر وراء ظهور التطرف المجتمعي "العرقيات، الإتنيات" والتطرف الديني "الجماعات الإسلامية" لأن البعض ضاق صدره، ونفد صبره، وبح صوته، فتعجل الإصلاح، ورفع السلاح، ونادي بالعنف في المساء والصباح.
ثالثا: لا تملك إلا أن تؤدي التحية لأولئك المصابرين، والمرابطين في هذا الوطن الحبيب، يدعون للإصلاح، ويناشدون بالتغيير صابرين، صامدين، يكابدون الظلم والتهميش، ويتجاهلون أنفسهم من أجل الإصلاح بالسكينة والوقار.