الاستحمام، أو الاغتسال، سلوك شبه يومي عند كل الناس وله ارتباط وثيق بالصحة البدنية والراحة النفسية. ولا تزال الدراسات الطبية تُحاول معرفة الفروقات في التأثيرات الصحية لـ«المُغتسَل البارد»، أو الاستحمام بالماء البارد، بالمقارنة مع الاستحمام بالماء الدافئ أو الماء الحار.
وكحقيقة بسيطة طوال تاريخ البشر، كان الناس يستحمون بأي مياه تتوفر لهم من الآبار والأنهار وخزانات المياه، وغالبيتها كانت مياهاً غير دافئة أو ساخنة بل مياهاً باردة أو ذات درجة حرارة أقل من درجة حرارة الأجواء. ولكن غالبية الناس ليسوا متعودين اليوم على الاستحمام بالماء البارد، أو يخشون أن يكون له تأثيرات صحية ضارة.
الاستحمام البارد
ولذا يكثر السؤال الذي مفاده: هل ثمة فوائد صحية للاستحمام بالماء البارد؟ والإجابة تبدأ من مراجعة الغايات المطلوبة صحياً بالأصل من عملية الاستحمام، ثم تنتقل إلى مقارنة تأثيرات كلٍّ من الماء البارد والماء الدافئ في تحقيق كل غاية منها، وبعد ذلك تتم المقارنة بين التأثيرات الفسيولوجية المختلفة لكلٍّ من الماء البارد والماء الدافئ داخل الجسم وداخل تراكيب الجلد نفسه.
ويعتمد الاستحمام في جانبه الصحي على تحقيق جانبين متقابلين. الجانب الأول تنظيف الجلد مما علق به من أوساخ خارجية وبقايا إفرازات العرق وتراكم الميكروبات التي تنمو في مناطق ذات بيئة ملائمة لنموها، كما هو حاصل في منطقة الإبطين والأعضاء التناسلية نتيجة للرطوبة ودرجة الحرارة. والجانب الآخر في المقابل محاولة المحافظة على سلامة طبقة البشرة الخارجية والشعر، والمحافظة أيضاً على توفر الإفرازات الطبيعية التي يُنتجها الجلد للحفاظ على نضارتهما وحيويتهما.
ولذا يعتمد الإنسان على استخدام الماء، دون غيره من السوائل، واستخدام الصابون معه، كمادة تزيل الأوساخ والدهون والميكروبات عن الجلد التي لا يتمكن الماء وحده من إزالتها، واستخدام الشامبو والبلسم لتنظيف وترطيب الشعر. وقد يستخدم البعض قطعة من الإسفنج أو الليفة للتنظيف اللطيف، إلاّ أن البعض قد يتمادى بذلك و«يكحت» طبقة البشرة، وإزالة كامل المرطبات الدهنية الطبيعية التي وجودها سبب في حماية البشرة وحفظ نضارتها وصحتها.
وبالعموم تنصح الأكاديمية الأميركية لطب الجلدية (AAD) بألا تتجاوز مدة الاستحمام أكثر من 10 دقائق، وتُضيف أن معرفة «نوعية الجلد» لدى الشخص عنصر مهم في كيفية تنظيفه بالاستحمام. وتحت عنوان «نصائح للعناية بالبشرة لدى الرجال» تقول الأكاديمية الأميركية لطب الجلدية: «يحرص المزيد من الرجال على الحفاظ على بشرة أكثر صحة ونضارة، ما يفرض تقييم روتين العناية بالبشرة الذي يقومون به ومعرفة المزيد عن كيفية العناية بالعضو الأكبر في الجسم، أي الجلد. ورغم وجود فروقات بين جلد المرأة والرجل، حيث يكون أكثر سُمْكاً لدى الرجل، فإن العناصر الأساسية للخطة الفعالة للعناية بالبشرة تظل متشابهة بينهما، وأولى الخطوات هي معرفة نوعية البشرة، والتي يُمكن أن تكون (بشرة حساسة) أو (بشرة طبيعية) أو (بشرة جافة) أو (بشرة دهنية) أو (بشرة مختلطة) فيها مناطق دهنية وأخرى جافة. ومعرفة نوعية البشرة تُساعد في تعلّم كيفية العناية بالجلد وانتقاء المستحضرات الملائمة لاستخدامها في تنظيفه».
فوائد الماء البارد
ومن ملخص نتائج العديد من الدراسات العلمية، تظهر عدة جوانب قد يكون الاستحمام بالماء البارد مفيداً فيها، والتي منها:
• تسريع زوال آلام العضلات وزيادة مستوى الوعي الذهني، خصوصاً عند الاستحمام بالماء البارد في فترة الصباح وبعد ممارسة التمارين الرياضية.
• تحسين مستوى نضارة الجلد والشعر عبر حفظ المواد الدهنية التي يُفرزها الجلد للحفاظ على نضارة الجلد والشعر، وحفظ نشاط عمل الغدد الدهنية، وتخفيف حدة تأثيرات حرارة المياه على طبقة البشرة والطبقة الدهنية المغلفة للشعر.
• تحسين مستوى عمل جهاز مناعة الجسم عبر آليات كيميائية حيوية متعددة، كما دلت عليه نتائج دراسات علمية عدة منذ فترة طويلة، إحداها دراسة أُجريت عام 1993 من قبل معهد بحوث التخثر في إنجلترا، ولاحظت أن الأفراد الذين يغتسلون بالماء البارد يومياً يحصل لديهم زيادة في عدد من خلايا الدم البيضاء لمكافحة الفيروسات مقارنةً مع الأفراد الذين يستحمون بالماء الساخن. ويعتقد الباحثون أولئك أن زيادة معدل الأيض (التمثيل الغذائي) للعمليات الكيميائية الحيوية، الذي ينتج عن محاولة الجسم لتدفئة نفسه، تنشط الجهاز المناعي لإطلاق المزيد من خلايا الدم البيضاء رداً على ذلك.
• تنشيط عمل الدورة الدموية في الجسم خلال عملية الاستحمام ومنع توسع الأوعية الدموية في الجلد والتسبب بخفض ضغط الدم، أي على العكس من الاستحمام بالماء الساخن كما سيأتي.
• تنشيط عملية خفض وزن الجسم. ويُنسب علمياً تأثير الاستحمام بالماء البارد على خفض وزن الجسم نتيجة لتنشيط عمل الخلايا في الأنسجة الدهنية البنية اللون Brown Fat. ومعلوم أن غالبية الأنسجة الدهنية بالجسم هي من نوع الشحوم البيضاء اللون White Fat، وهناك كمية ضئيلة نسبياً في الجسم من الأنسجة الدهنية البنية، وهي التي تعمل على تحفيز حرق الدهون البيضاء واستهلاكها في إنتاج طاقة الجسم، وهذا ما لاحظته نتائج عدد من الدراسات الإسكندنافية في حصول ارتفاع بنسبة 15 ضعفاً في نشاط الأنسجة الدهنية البنية مع الاستحمام بالماء البارد، وهو ما قد يُؤدي وحده إلى خفض وزن الجسم بمقدار 5 كيلوغرامات على مدى عام.
• تخفيف مستوى التوتر النفسي، وتخفيف حدة الشعور بالاكتئاب، عبر زيادة إنتاج عدد من المركبات الكيميائية في الجسم والدماغ، والتي تخفض من مستوى الاكتئاب النفسي مثل هرمون نورإبينفرين وبيتا إندروفين Beta - Endorphins، وهو ما عرضه الباحثون من كلية الطب بجامعة كومنويلث فيرجينيا بالولايات المتحدة في إحدى دراساتهم.
• تحفيز نشاط الخصوبة لدى الرجال، وأظهرت نفس الدراسة السابقة التي أجراها معهد بحوث تخثر الدم المذكورة أعلاه أن الاستحمام بالماء البارد يزيد فعلاً من إنتاج هرمون تستوستيرون لدى الرجال. زيادة مستويات هرمون تستوستيرون، وهو هرمون الذكورة، لتعزز الرغبة ورفع مستوى الطاقة وتنشيط نمو العضلات والعظم.