(لا خوف على العلاقات الموريتانية الغامبية فقد اكتشفت خلال مهمتي الطارئة فى غامبيا ما بين رحيل جاميه وعودة بارو أنها قائمة على تراكمات حضارية روحية دينية واجتماعية نسجتها قرون من التواصل والتفاعل والأخذ والعطاء ، وهي أعمق من أن تخدشها أقدام الهاربين نحو المجهول).
كانت هذه فقرة من آخر رسالة جوابية تلقيتها عبر الإيميل من زميلي المرحوم شيخنا ولد الشيخ أحمد الأمين ولد بيه ، والمهمة التي تحدث عنها الزميل كانت طارئة وكانت الأخيرة فقد أسلم الكاتب الصحفي اللامع أنفاسه الأخيرة زوال الخميس 26 / 01 / 2017 ببانجول إثر نوبة طارئة ألمت به وهو يغطي موكب عودة بارو ، واختاره الرفيق الأعلى لجواره مع النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين.
فإنا لله وإنا إليه راجعون
ما أسوقه ليس تأبينا .. ففي مثل هذه المواقف تطوقني هشاشتي من كل حدب وصوب وأشعر في أعماقي برحيل شيء من ذاتي العميقة ، فما يربطني بالمرحوم شيخنا لا تعبر عنه الكلمات ولا يبوح به الصمت .. فقد التقيته لأول مرة في اجتماع تحريري صباحي بالوكالة الموريتانية للأنباء نهاية سنة 1999 وتكرم المرحوم محمد ولد حمادي المدير العام للوكالة الموريتانية للأنباء حينها بتقديمه لي بعبارات لا تنسي (هذا شاب وقور ملتزم مستقيم الأخلاق ، متسم بالكفاءة طموح ومندفع) واستكاملا للتعارف همس أحد الزملاء فى أذني بأنه "جكني".
وكان ذلك بالنسبة لي قمة التعريف ، فالانتماء لدوحة العلم والأريحية والنباهة والشجاعة الجكنية مثل ويمثل شهادة تبريز وسيرة ذاتية عطرة معتبرة ومقدرة فى بلاد شنقيط وفي شتى أرجاء المعمورة.
فالعلم جكني .. والحلم جكني .. والشجاعة جكنية .. والصحافة هي الأخرى جكنية ..
ولم يخب ظني .. فقد وجدت الزميل الصحفي المرحوم شيخنا بارعا فى تقنيات التحرير الصحفي متحكما في صياغة كل الأجناس الصحفية ممتلكا ناصية لغة الضاد حريصا على سلامة معانيها ومبانيها ووجدته دمث الخلق .. حلو المعشر .. أعطاه الله موهبة التواصل ومنحه الشهامة وعلو الهمة والترفع عن كل الترهات المادية .. كان مؤمنا عابدا قانتا كثير الاحسان إلي المحتاجين .. وكنت أمازحه بوسمة الصوفية .. وكان يرد علي مبتسما بأنه سالك كل السبل المؤدية إلي الله .. وأنه على طريقة المحجة البيضاء.
كان صاحب فكر وصاحب مبدأ وصاحب أسلوب وصاحب قلم .. كان مميزا برهافة حسه السياسي وبوسطية وانفتاح فكره القومي العربي الذي لم تدنسه أدران الارتماء فى أحضاء أي كان.
شيخنا ولد أحمد الأمين صحفي مهني مسكون بروح الاستقصاء والبحث المعمق فى كنه خلفيات الأخبار فهو يريد أن يبدأ دائما من حيث ينتهي الآخرون وهذا ما جعل كتاباته الشائقة تمثل قيمة مضافة للمادة الاعلامية الموريتانية والعربية ، ففي جعبته أشياء جديدة يتلقفها القراء دون كبير عناء.
ومن يعيد قراءة إسهاماته البارزة فى تحيين موقع الجزيرة نت يدرك قامته المهنية السامقة وعلو كعبه ، فخلال فترة وجيزة أصبح من كبار محرري الموقع ولم يمنعه ذلك من تقديم إسهامات معتبرة من خلال دوره الفاعل في انعاش المشهد الوطني الاعلامي الذي أصبح أحد ألمع نجومه وأصبح مثال الصحفي المهني المستقل الخلوق الذي أعطي للممارسة المهنية قدسيتها وأعطى للصحافة الموريتانية ألقها فى زمن عولمة الحريات.
رحم الله صاحب القلم الجريء والرأي الشجاع والفكر المستنير وتغمده برحماته وأسكنه فسيح جناته وألهم ذويه الصبر والسلوان .. ووفق القائمين على الاعلام في تخليد آدائه المميز وجمع إنتاجه بين دفتي كتاب وتنمية مقارباته المهنية الأخلاقية العظيمة .. فقد كان رحمه الله وفيا لنا جميعا ووفيا للوطن وحانت لحظة الوفاء له.
بقلم: أحمد مصطفى