أصدرت محكمة جنايات القاهرة حيثيات حكمها بالسجنِ المؤبد على المتهمين الثمانية في القضية التي تعرف بخلية "داعش - ولاية القاهرة".
تشكل البيئة الحاضنة والعوامل النفسية أهم الأسباب وراء نمو ظاهرة التطرف في مصر، حيث يرتبط ظهور الإرهاب بالظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بل والجغرافية، إلى جانب التنشئة الدينية، الأمر الذي وصم العديد من المناطق في مصر بأنها معاقل للخلايا النائمة والمناطق الأكثر عنفاً في القاهرة وغيرها من محافظات مصر، ووصل الأمر إلى حد تمكن تنظيم داعش الإرهابي من العثور على موطئ قدم له في العديد من المناطق.. وبالرغم من صدور أحكام قضائية ومحاكمات لعناصر داعشية في البلاد، فإن انتشار عناصره في مناطق مختلفة مازال مستمراً، وفي المقدمة منها مثلث الإرهاب في رفح والعريش والشيخ زويد، الذي لايزال يشهد نشاطاً ملحوظاً في عمليات الإرهاب، يقودها ما يسمى تنظيم ولاية سيناء.
خلايا التطرف "النائمة" تنتشر في مواقع متعددة، ففي القاهرة الكبرى تحولت مناطق شاسعة إلى "مفرخة" للتنظيمات المسلحة والعناصر الإرهابية، بما في ذلك مناطق حلوان والجيزة ومواقع مترامية شرق العاصمة.
منطقة حلوان من المناطق الأبرز في احتضان الخلايا النائمة وموطنا لجماعة الاخوان والتنظيمات التكفيرية.. ويرجع ذلك الانتشار لكون المنظر الأبرز لجماعة الاخوان "سيد قطب" الذي تم اعدامه عام 1965 قد عاش في حلوان لفترة من حياته.
في محافظة الجيزة، تشكل ضواحيها الرئيسية والمتمثلة في العمرانية وكرداسة وناهيا وأبورواش وبعض مناطق فيصل والهرم والكنيسة وغيرها.. تمثل نموذجا لمواقع التطرف والخلايا النائمة.. وبرز ذلك بشكل واضح بعد عزل الرئيس محمد مرسي في أعقاب ثورة الثلاثين من يونيو 2013، حيث انطلقت من هذه المناطق هجمات عنف مسلحة وألقت فيها أجهزة الأمن القبض على خلايا متطرفة عديدة، من بينها خلية "أجناد الأرض".
أما في شرق القاهرة، فقد ارتبطت عودة قياديين إخوانيين من السعودية والخليج في بداية التسعينيات، وعلى رأسهم خيرت الشاطر نائب المرشد العام لجماعة الاخوان، المسجون حاليا، ببدء تشكيل الخلايا المتطرفة في المنطقة، ومن بين هذه المناطق الزيتون والألف مسكن والمطرية وعين شمس، حيث تشكلت في هذه المناطق "دولة موازية" لجماعة الإخوان في مواجهة الدولة المصرية، واشتهرت مساجد يعينها في تلك المناطق بأنها معاقل لجماعة الإخوان والجماعات المتطرفة الأخرى، ومن بينها مسجد "العزيز بالله" المعروف منذ الثمانينيات، والذي أسسه د. جميل غازي أحد أهم القيادات السلفية، وكان يهدف لنشر الفكر السلفي في مصر.. وقد ساهم المسجد في تخريج مجموعة كبيرة من دعاة السلفية ومنظريها ممن كانوا يعرفون بـ"مشايخ الكاسيت"، قبل أن يتحولوا إلى الفضائيات.. ومنهم بالطبع "الشيخ أبو إسحق الحويني".
وفي إطار القاهرة الكبرى، وتحديدا في محافظة القليوبية، انتشر مثلث الإرهاب ليضم مدن "أبوزعبل والخانكة وشبين القناطر"، والتي تحولت إلى حاضنة فعلية لعناصر التطرف والارهاب خلال السنوات الماضية وكانت مسرحا لعمليات مواجهة مسلحة بين الشرطة والإرهابيين.. وقد نجحت الأجهزة الامنية في ضبط 8 خلايا إرهابية سقطت في فترة وجيزة.
وقد شكل مثلث الإرهاب في القليوبية مركزاً متقدما لتقديم الدعم اللوجستي لكافة التظاهرات والفعاليات لجماعة الاخوان، داخل القاهرة الكبرى، خاصة في الفترة التي أعقبت فض اعتصامي رابعة والنهضة في أغسطس/آب 2013، حيث استغلت تلك العناصر الطبيعة الوعرة لبعض قرى المثلث للاختباء وتشكيل الخلايا العنقودية.
الحال ذته سيطر على محافظة الإسكندرية شمال البلاد، والتي تحولت إلى منبع للتشدد والتطرف.. فالمساجد بها وقعت في قبضة الدعوة السلفية وتحولت إلى منبر لإنتاج الأفكار المتطرفة، التي تغزو عقول الشباب.. ففرضت الدعوة السلفية سيطرتها على مساجد غرب الإسكندرية، وبؤر محددة في مناطق وسط وشرق المدينة، لنشر الفكر المتشدد.. كما برزت مناطق كنج مريوط والبيطاش والهانوفيل بالعجمي وقرى الجزائر وخالد بن الوليد كأهم مناطق لتمركز الدعوة السلفية.
وفي الفيوم، أولى محافظات الصعيد، تعاقبت التيارات الإسلامية على المحافظة لتتخذ منها معقلاً لنشاطها في عهود مختلفة، يساعدها في ذلك البيئة الحاضنة، والتي ينتشر فيها الفقر والجهل والتخلف بنسب كبيرة.. وكان من نتاج ذلك خروج العديد من العناصر الإرهابية والمتطرفة من قراها ومراكزها، كان آخرهم محمود شفيق مفجر الكنيسة البطرسية قبل شهر ونصف الشهر، فضلاً عن أن المحافظة سبق وشهدت أحداثاً دموية بين الشرطة وجماعة الشوقيين، الذين اعتنقوا الفكر التكفيري وتعد المحافظة ذاتها أحد معاقل الشيخ عمر عبدالرحمن مفتي الجماعة الإسلامية المسجون حاليا في الولايات المتحدة.
وإلى الجنوب من الفيوم تقع محافظة بني سويف، والتي يشكل أحد مراكزها "ببا" مصدراً لإنتاج العناصر التي انضمت إلى بيت المقدس، ومن ثم إلى تنظيم داعش.. من بين متطرفيها مرتكب حادث تفجير معبد الكرنك بالأقصر قبل عامين.. ونفس الحال في محافظة المنيا جنوب بني سويف ضمن إقليم محافظات الصعيد، حيث تشكل معقلاً لعناصر الجماعة الإسلامية ولجماعة الإخوان، وتعد بمثابة مركزٍ أساسيٍ لتصدير التطرف من الصعيد إلى أنحاء مصر كافة.. وهو ما ينطبق كذلك على محافظة أسيوط الواقعة في وسط الصعيد، والتي خرجت منها العناصر التي قادت عملية اغتيال الرئيس الأسبق أنور السادات في العام 1981، وكذلك الهجوم على مديرية أمن أسيوط في نفس التوقيت.
وفي شمال مصر، وبالإضافة إلى محافظة الدقهلية، تعد محافظة الشرقية، والتي أفرزت الارهابي "حبارة"، الذي تم إعدامه مؤخراًمعقلا للإرهاب.
هذا الانتشار الكثيف للخلايا النائمة والمتطرفة في مصر، لا يزال على الرغم من كل المواجهات والملاحقات الأمنية يجد له موطئ قدم في البلاد. الأمر الذي بات يتطلب جهدا كبيرا من الأجهزة الأمنية، وهو ما دفع بالبعض إلى التعبير عن رفضه لانتهاج المعالجة والمواجهة الأمنية كأسلوب وحيد في مواجهة الإرهاب والتطرف، وطلب المواجهة الفكرية والثقافية وانتهاج خطاب ديني متجدد كمخرج ضروري لمواجهة الفكر المتطرف وتحصين عقول الشباب أمام غزوة التطرف التي تشهدها البلاد.