فقيد موريتانيا.. و"الشامِتة" المستأجرة..!

أحد, 07/05/2017 - 20:34

وأنا خارج الفضاء الافتراضي في راحة أردتها طويلة عن هذا العالم المعقد الغير نظيف، علمت برحيل فخامة الرئيس السابق "اعل ولد محمد فال" رحمه الله تاركا خلفه ذكرًا حسنا وغصة كبرى في قلب كل موريتاني صُدم برحيله المفاجئ، فكان لابد من الخروج عن الصمت..لقد كان الفقيد رحمه الله جزءا أصيلا من ذاكرة حية ومتجددة لمجتمع يصارع عاديات الزمن وتحولاته المتسارعة ويخطو خطوات متثاقلة فوق رمال متحركة نحو صيغة الدولة الحديثة، كان الراحل من ضمن قادة ورموز وسياسيين وعلماء وعسكريين  وصحافة تركوا نقوشهم على جدران الذاكرة الجمعية لهذا الشعب، وساهموا في توجيه مسيرة صار عمرها يشارف على ال 60 سنة، اجتهدوا فأصابوا مرارا واخطؤوا مرارا..كانوا جزءا من تاريخنا وحاضرنا،  نجاحاتنا واخفاقاتنا، هزائمنا وانتصاراتنا، أفراحنا وأحزاننا،  خصبُنا وجفافنا... 
لاننسى للفقيد إدارته بحنكة لواحدة من أفضل الحقب في تاريخ الدولة الموريتانية المعاصرة تميزت بإجماع سياسي وطني لامثيل له وامتازت بانفتاح وحرية اعلامية غير مسبوقة ومناخ تفاؤلي طغى على الجميع وزيادة هي الأولى من نوعها على "أجور الموظفين"ليختتم هذه الحسنات بمغادرته طوعيا لكرسي الرئاسة ولأول مرة كذلك ومفسحا المجال أمام الرئيس المدني المنتخب..
رحل الرئيس "اعل" فكان لابد أن يودعه الموريتانيون كرئيس سابق وابن بار خدم الوطن بمقدار جهده واجتهاد (صائبا كان أم خاطئا) توحدت صفوف المصلين بعد ان توحدت قلوبهم  ساعات بالحسرة والحزن بعد صدمة الخبر،  وحده الذباب العاشق للنزول فوق الجراح بقي وحيدا يصدر أزيزه الشامت من خارج حدود الوطن والذوق والاجماع تنعشه موائد البلاط والسلاطين ..   
في العهد الجاهلي القديم حين كان يموت أحد  العرب تتوجه إحدى النساء إلى بيت الفقيد فتنوح عليه وتعدد مآثره وتتظاهر بالجزع والحزن على فقدان الراحل وذلك بغية الحصول على "أجر دنيوي و" مكسب مادي" يدفعه اهل الفقيد  فكانت العرب تسميها "النائحة المستأجرة"، وحين جاء الإسلام  
حرم هذه العادة السيئة..لكن ربما لم يعرف  التاريخ ظاهرة" الشامِتة المستأجرة"،  انها تلك التي تأخذ "أُجرتها"  وإقامتها المريحة قرب البلاط مقابل التشهير ب الأموات من الخصوم الأيديولوجيين والسياسيين للأمراء وقادة التنظيم العالمي الثري.. 
رغم الدموع المنافقة والزائفة للنائحة المستأجرة  الا ان "ارتزاقها" أكثر "انسانية" وقربا للذوق العام وللاخلاق الحميدة، على  عكس "الشامِتة المستأجرة " تلك التي تجمع مع ارتزاقها ودروشتها الخنوعة التهام لحم الاموات والرقص على جثث الفرسان لتجمع في كناشها ماتيسر  من لؤم الطباع...

أحمد حمنيه