قراءة في مشروع القانون المنظم للنشاط المعدني الأهلي وشبه الصناعي

جمعة, 24/06/2022 - 12:22

يعد سن القواعد القانونية مطلبا ملحا ومتجددا في كل النظم الديموقراطية في العالم والتي تحكمها سيادة القانون وسلطة التشريعات؛ فيأتي سن القوانين وطرحها من الجهات المخولة قانونا بذلك.

 ففي بلادنا يحق للحكومة بل يجب عليها  سن القوانين التي تراها مناسبة لديمومة نشاطها والقيام بالوظائف المنوطة بها في تسيير الشأن العام؛ وتسمى تلك القوانين مراسيم قوانين كما للبرلمان الحق في سن قوانين تشريعية عند الإقتضاء؛ وتسمى مشاريع قوانين ولرئيس الجمهورية الحق في إصدار مراسيم قوانين تكتسي طابع التشريع والإلزامية.

 

وفي هذا الإطار يتجلى مشروع القانون الجديد الذي ينظم  النشاط المعدني الأهلي وشبه الصناعي للذهب وكذا المحدد للإطار القانوني للوكالة الوطنية "معادن موريتانيا "؛ التي حلت محل شركة معادن موريتانيا المنشاة بموجب المرسوم 065/2020 والصادر بتاريخ 28 مايو 2020.

 

ولئن جاء هذا القانون متأخرا في سياقه الزمني وبقي قطاع التعدين الأهلي وشبه الصناعي يتخبط في فوضى اللاقانون ردحا من الزمن فإن صدور مثل هذا القانون قد يساهم فى ضبط هذا القطاع وتنظيمه؛ خصوصا مع تغيير في الشكل القانوني لتسمية  شركة معادن موريتانيا ؛ التي تحيل إلى الطابع الربحى من شركة إلى وكالة وطنية لما لذلك من بعد خدمي وتنظيمي بحت أكثر منه البحث عن الربح. ورغم ذلك فإنه لا ضير في أن تكون "للدول المتدخلة اقتصاديا " شركات عامة تهدف إلى الربح بغية تقوية الإقتصاد الوطني وزيادة الدخل القومي.

 

وسأقوم بالتركيز على الفقرات التي تخص نشاط التعدين الأهلي بوصفي أحد  العاملين اليدويين فيه.

فلقد جاء هذا القانون في ستة أبواب وخمسة فصول وتسعة وأربعين مادة.

 

وقد عرف في مادته الثانية، النشاط المعدني الأهلي بأنه: "كل استغلال يتم بالطرق والعمليات التقليدية التي لا

تتطلب استثمارات ضخمة ولا استخدام تقنيات متطورة دون أن يكون هذا الاستغلال مسبوقا بإثبات وجود منجم مجد اقتصاديا"

 

وعند التمعن في هذه الفقرة التعريفية لهذا النشاط نلاحظ وبجلاء أن المنقب الأهلي الضعيف تم وضعه في فخ كبير -وبدهاء ماكر- يؤسس ويقنن عمليات الطرد المتكرر له بين الفينة والأخرى من "مجاهره".؛ مما يعني أن هذه الثغرة في هذا القانون تجعل المنقب الأهلي في دوامة الطرد دائما كلما أرادت الإدارة المعنية ذلك وهذه المرة بسلطة القانون.. فكيف لمنقب أهلي تائه في صحاري إينشيري وتيرس أن يعرف الأماكن المحددة سلفا من طرف الوزارة المعنية بأنها أماكن لوجود مناجم بكميات معتبرة من الذهب كي يتجنبها خشية الطرد والملاحقة أو على الأقل يكون على علم بأنه يمكن أن يتعرض للطرد منها في أي وقت..!!

كما يمكن لهذه الفقرة أن تستخدم وتسوغ على المنقب الأهلي لإيهامه وإقناعه بترك مجاهره التي استثمرها وكلفته هدرا للأموال وضياعا للأوقات.

 

ومن أهم ما قرره هذا المشروع _إن روعي تطبيقه _  حصر ممارسة نشاط التعدين الأهلي في المواطنين الموريتانيين.

حيث جاء في مادته الخامسة: "لا تمكن ممارسة النشاط المعدني الأهلي إلا من قبل شخص طبيعي أو معنوي يحمل الجنسبة الموريتانية".

كما تعرض الفصل الثاني إلى موضوع الترخيص و نصت مادته 9  على أروقة ومواقع الاستغلال في حين حددت المادة 10 الفئات المهنية المتدخلون في هذا النشاط.

ورغم عدم إصدار خريطة مفصلة تبين المواقع المسموح بها للاستغلال المعدني الأهلي إلا أن موضوع الترخيص موغل في النظري وعدم الواقعية وبعد من صاغوا  النص عن معرفة هذا النشاط فكيف يطلب الترخيص من منقب يحفر حفرة في تيجيريت أول النهار ويتركها لأخرى في تازيازت آخره!؟

 

كما حدد الباب الثالث: الإطار القانوني والمؤسسي لمعادن موريتانيا.

مبرزا أهدافا وغايات قد يؤدي تطبيقها إلى النهوض بهذا القطاع وواقعه المزري...

كما نصت على استقلاليتها المالية والإدارية.

 وحصرت مصادر تمويلها؛ بنص المادة 42 من نفس القانون في:

1_منح الدولة وهباتها.

2_المنتجات المتعلقة بالاستغلال شبه الصناعي المنصوص عليه في هذا القانون

3_ رسوم تسويق الذهب

4- الإيرادات الناتجة عن منح التراخيص والاعتمادات

5_الايرادات المحصول عليها مقابل خدمات أو منتوجات أو أعمال تقدمها.

6_عائدات الإدخار

7_ القروض المبرمة مع مؤسسات عمومية أوخصوصية

8_ الإعانات والهبات

9_ كل دخل أو منحة تحصل عليها من أي جهة.

 

ومن خلال حصر المشرع مصادر تمويل معادن موريتانيا يتضح جليا أن "ضريبة البادج" وضريبة الخنشة اللتين أثقلتا كاهل المنقب لم يكن لهما سند قانوني يشرعن فرضهما عليه؛ وبالتالي فإن تلك الضرائب  استبدلت بتراخيص لا يفقه من وضعوا قوانينها طبيعة عمل ونشاط المنقب الأهلي الذي لا يمكن حصره في مجهر بعينه لاستحالة ديمومة هذا المجهر أو ذاك.

 

وعليه فإن أي إتاوة تضعها معادن بعد هذا المشروع تعتبر غير قانونية لأن مصادر تمويلها محددة كما ذكر في النقاط أعلاه.

 فلا تشمل تلك المصادر ضريبة البادج التي فرضت على شخص المنقب ولم تفرض على نشاطه الإقتصادي أو ذمته المالية.

 

ورغم أهمية هذا القانون الذي يمثل الأداة القانونية لتنظيم النشاط المعدني الأهلي وشبه الصناعي فإن الاهتمام بالأول الذي ينخرط فيه عشرات الآلاف من أبناء موريتانيا وخصوصا من طبقاتها الهشة بدا خجولا في هذا القانون حيث تطرقت 7 مواد فقط فيه لهذا النشاط من 49 مادة هي عدد مواده.

في حين حظي النشاط شبه الصناعي بحصة الأسد من ذلك القانون ولعل ذلك يشي بأن المنقبين  الأهليين ليسوا بتلك الأهمية عند الجهة صاحبة القانون؛ على الرغم من التصريحات الرسمية التي تشيد بأهمية المنقبين الأهليين وما خلقوه من حركة إقتصادية وما وفروه من أموال ضخمة عبر عائدات  استخراج كميات هائلة من الذهب لم تكن الدولة تتوقعها وكانت في أمس الحاجة إليها خصوصا مع جائحة كرونا.

ففي تصريح له الأسبوع الماضي أمام البرلمان قال وزير البترول والمعادن والطاقة؛  إن مبيعات قطاع التعدين الأهلي بلغت 328 مليار أوقية قديمة سنة 2021.

علاوة على خلق قيمة مضافة وصلت 244 مليار أوقية قديمة؛ على حد تعبيره.

 

في حين أن عوائد شركة تازيازت على خزينة الدولة عام 2019 لم تتجاوز 16 مليون دولار آمريكي؛ أي ما يعادل 6 مليار أوقية فقط.!!

في حين وصلت العائدات سنة 2020 إلى 36 مليون دولار آمريكي أي ما يعادل 13 مليار دولار ..!!!

 

وفي جميع الأحوال شتان ما بين المبالغ المالية الضخمة التي يوفرها المنقبون(328 مليار أوقية قديمة )؛ وتلك التي توفرها شركة النهب كينروس (13 مليار أوقية قديمة)!!

 

وبخصوص توفير العمالة أقر وزير المعادن  بأن قطاع التعدين الأهلي ساهم في خلق آلاف فرص العمل لصالح المواطنين؛ في حين ساهمت شركة كينروس

بتوفير ما لا يزيد على أربعة آلاف فرصة عمل فقط مع التشكيك في صدقية العدد على وجه اليقين.

 

وعلى الرغم من البون الشاسع بين مردودية القطاعين النشاط المعدني الاهلي والصناعي فإن الأول يبقى محاصرا بالقوانين كهذا الذي بين أيدينا وملاحقا أصحابه من "مجاهرهم" في حين تفتح الأبواب مشرعة وتسن القوانين الداعمة للنشاط شبه الصناعي والصناعي ومن ذلك ماحصلت عليه شركة كينروس من رخصتي بحث وتنقيب إضافيتين هذا العام للتنقيب عن الذهب.

 

فأي القطاعين أولى بالرعاية والدعم  والتطوير..!؟

احمد جدو ولد محمد عمو.