الفساد والشفافية يؤثر أحدهما في الآخر / عبد الرحمن الطالب بوبكر الولاتي

خميس, 16/07/2020 - 10:09

عندما تعلن عمليات مكافحة الفساد وما يتم اكتشافه من ممارسات تصنف تحت بند الفساد بأنواعه كافة، أتساءل دائما عن البيئة التي سمحت بنشوء الفساد. وكيف يمكن محاربة هذا الفساد والقضاء عليه. ومن خلال عديد من الدراسات التي تحاول جاهدة وجود مخرج آمن من قضايا الفساد، وتعزيز الشفافية يبقى العبء الأكبر على الممارسات وإحكام الرقابة من أجل تقليل فرص حدوث الفساد. وهنا تكون الحوكمة بمفهومها الصحيح هي العصا السحرية التي يبحث عنها البشر لمحاربة الفساد وتعزيز الشفافية وحماية المصالح المشتركة.

 

الفساد لغةً: الفساد في معاجم اللغة هو في (فسد) ضد صَلُحَ (والفساد) لغة البطلان، فيقال فسد الشيء أي بطُلَ واضمحل، ويأتي التعبير على معانٍ عدة بحسب موقعه. فهو (الجدب أو القحط) كما في قوله تعالى (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون) (سورة الروم الآية41) أو (الطغيان والتجبر) كما في قوله تعالى (للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً) (سورة القصص الآية83) أو (عصيان لطاعة الله) كما في قوله تعالى (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً إن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم عذاب عظيم) (سورة المائدة الآية33) ونرى في الآية الكريمة السابقة تشديد القرآن الكريم على تحريم الفساد على نحو كلي، وإن لمرتكبيه الخزي في الحياة الدنيا والعذاب الشديد في الآخرة.

 

الفساد اصطلاحاً: ليس هناك تعريف محدد للفساد بالمعنى الذي يستخدم فيه هذا المصطلح اليوم، لكن هناك اتجاهات مختلفة تتفق في كون الفساد هو إساءة استعمال السلطة العامة أو الوظيفة العامة للكسب الخاص. ويحدث الفساد عادة عندما يقوم موظف بقبول أو طلب ابتزاز رشوة لتسهيل عقد أو إجراء طرح لمناقصة عامة. كما يمكن للفساد إن يحدث عن طريق استغلال الوظيفة العامة من دون اللجوء إلى الرشوة وذلك بتعيين الأقارب ضمن منطق (المحسوبية والمنسوبية) أو سرقة أموال الدولة مباشرةً.

 

والبنك الدولي وضع تعريفا للفساد جاء فيه : الفساد هو إساءة إستعمال الوظيفة العامة للكسب الخاص ، وسرقة أموال الدولة وتحقيق أرباح خارج إطار القوانين المرعية

 

وتعد ظاهرة الفساد والفساد الإداري والمالي بصورة خاصة ظاهرة عالمية شديدة الانتشار ذات جذور عميقة تأخذ إبعاداً واسعة تتداخل فيها عوامل مختلفة يصعب التمييز بينها، وتختلف درجة شموليتها من مجتمع إلى آخر. إذ حظيت ظاهرة الفساد في الآونة الأخيرة باهتمام الباحثين في مختلف الاختصاصات كالاقتصاد والقانون وعلم السياسة والاجتماع، كذلك تم تعريفه وفقاً لبعض المنظمات العالمية حتى أضحت ظاهرة لا يكاد يخلو مجتمع أو نظام سياسي منها.

 

في عهد النظام السابق كانت قلة بسيطة تستحوذ على موارد الدولة وتبوء المناصب الحكومية، وذهاب هذه الموارد الى غير وظائفها الأساسية اذ كان يتم توزيعها على أعوانه او ممن يرتجي إسنادهم او عونهم كالإعلاميين او الأدباء الذين أفسدهم من خلال تحويلهم إلى أبواق لنظام

 

ومن النتائج التي تترتب على الفساد حين يتسع انه يحول المفسدين الى أدوات سهلة للتدخل الخارجي من قبل مؤسسات ذات مصالح تستغل المفسدين للدخول على اقتصاد البلد وسياسته وخططه التنموية وتوجيهها اتجاها يحقق مصالحها.

 

ان حجم الفساد في موريتانيا يبلغ مليارات وأن بعض هذه الاموال تستخدم في تمويل نشاطات التجارية والصناعية خاص. هذا الوضع أشبه بالغش والتلاعب وسوء الادارة. ان حجم الفساد في موريتانيا د يتجاوز اكثر من 20  بالمائة من اجمالي الناتج الوطني في البلد.وقال ان تدني كفاءة موظفي الحكومة في ادارة الاموال بشكل فعال يمثل اكبر عائق في طريق التنمية ، أن ما بين ثمانية الى عشرة مليارات من الميزانية السنوية للبلد تضيع هباء بسبب عدم قدرة البلاد على استيعاب هذه المبالغ في مشاريعه.

 

ويذهب الكثير من الباحثين الى ان الشفافية والمساءلة اهم مستلزمات محاربة الفساد والحد منه.

 

الشفافية هي نقيض الغموض أو السرية في العمل، وتعني توفير المعلومات الكاملة عن الأنشطة العامة للصحافة والرأي العام، والمواطنين الراغبين في الإطلاع على أعمال الحكومة وما يتعلق بها من جوانب إيجابية أو سلبية على حد سواء من دون إخفاء أو تستر.فيصبح على الحكومة ان تعلن عن مشاريعها وخططها في التخطيط والتنفيذ.

 

لم يكن مصطلح الشفافية وما له من دلالات لغوية حديثة معروفا او متداولا في الأدبيات العربية حتى وقت قريب، إلا حديثا مع تأسيس منظمة "الشفافية الدولية" عند بداية تسعينيات القرن الماضي عندما أسس الالماني (Peter Eigen) مع تسعة آخرين من خمس دول مختلفة هذه المنظمة التي تهدف الى محاربة الفساد الاداري والمالي الذي كان السيد ايجن ملما بالكثير من تفاصيلها بحكم طبيعة عمله في البنك الدولي.فالشفافية هي ظاهرة تقاسم المعلومات والتصرف بطريقة مكشوفة، وهي تضع سلسلة واسعة من المعلومات في متناول الجميع، وتعنى أيضا بتوفر إجراءات واضحة لكيفية صنع القرار على الصعيد العام. الشفافية تعني فتح تام لقنوات الاتصال بين أصحاب المصلحة والمسؤولين، وهي أداة هامة جدا لمحاربة الفساد الإداري وأحدى أهم متطلبات الشفافية الكشف عن مختلف القواعد والأنظمة والتعليمات والإجراءات والآليات المعتمدة. وتعتبر هذه أول خطوة على درب فتح المجال للإقرار عمليا بالمحاسبة في حالة عدم احترام تلك القواعد والأنظمة. ان الحديث عن الشفافية يجرنا حتما إلى مصطلحين آخرين لهما علاقة قوية بها وهما الفساد الإداري المساءلة والمحاسبة. والفساد الإداري كما هو معلوم يقوى عند غياب الشفافية أي أن مصدر قوته في الغموض وعدم الوضوح فالرشوة والسرقة والخداع وغيرها من مظاهر الفساد الإداري لا تتم أمام الأعين وفي وضح النهار وإنما تتم خلف الستار في الظلام وهو شيء طبيعي أي أن ينتشر الفساد وذلك لغياب المساءلة، وانعدام المحاسبة، ونحن في المجتمع الموريتاني لنا خصوصية في الفساد الإداري حيث المحسوبية الجهوية والقبلية في إسناد الوظائف، واستغلال النفوذ.فالشفافية من المصطلحات الحديثة التي إستخدمت لمكافحة الفساد ، ومن أجل دعم وترسيخ عمل آليات الأجهزة والمؤسسات، وتحسين أدائها بشكل يمكنها من خدمة الشعب وضبط إيقاع العمل الوظيفي بحيث يصبح هدفه خدمة المواطن، والنهوض بالوطن.

 

إذن فالشفافية هي الأسلوب العلمي لمكافحة الفساد وهي آلية عمل مفيدة للكشف عن الفساد وتعيين مواقعه وبيان أماكنه ؛ والشفافية لها شرط وجود هو تحقق الفساد فعند تحقق الشرط يصبح النزوع نحو الشفافية أمر لا بد منه وضرورة للبحث عن مواطن الخلل وقد عرفها احد الباحثين بأنها آلية الكشف عن الفساد بأن يكون الإعلام والإعلان من جانب الدولة عن أنشطتها كافة في التخطيط والتنفيذ " أما فيتو تانزي فقد فسر الشفافية على أنها التمييز بوضوح بين القطاع الحكومي وباقي القطاعات، وبموجبها تحدد الأدوار السياسية والإدارية داخل الحكومة ، وأن يتم بوضوح وفق آلية يطلع عليها الجمهور وتحديد توزيع المسؤوليات بين مختلف مستويات الحكومة ، وكذلك توزيعها بين كل من السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية "

 

وتهدف الشفافية الى تمكين الشعب من معرفة السياسة العامة والمشاركة فيها ، والمشاركة في صنع القرار ، وإعمال مبدأ فصل السلطات ، وإن تغييب الجمهور عن العملية السياسية ومراقبة أجهزة الحكم بالطرق الديموقراطية يقضي على الشفافية ويؤكد تنامي الفساد

 

إن الشفافية تعني بالشكل الأساسي أن تكون كل المرافق و المؤسسات التي تدير الشأن العام شفافة تعكس ما يجري بداخلها و ما يدور بداخلها و ما يشاع في أروقتها و ذلك ينطبق على الأحزاب و النقابات و المؤسسات و المرجعيات الثقافية والدينية بحيث تكون كل الحقائق معروفة و متاحة للبحث و المساءلة والنقاش

 

ضعف مستوى الحوكمة سيؤدي إلى غياب المساءلة وضعف الأنظمة والتشريعات في مقابلة الفساد والحد منه، وانعدام محاسبة المسؤولين المقصرين. كما أن غياب الحوكمة "الإدارة الرشيدة" سيؤدي إلى غياب وضعف في الخدمات المقدمة لشرائح المجتمع التي ستنتج عنها طبقيات داخل المجتمع وفروق اجتماعية تميز بين أبناء المجتمع الواحد. غياب الحوكمة في القطاع العام سبب رئيس لهدر الموارد بسبب تدني الكفاءة، ومحفز لانتشار الفساد، ما يتسبب في هدر المال العام. ووفقا للدراسات، تزيد تكلفة الاستثمار في بيئة ينتشر فيها الفساد بنسبة 20 في المائة على تكلفة الاستثمار في بيئة ينخفض فيها الفساد.

 

هنا أود إثارة عدد من التساؤلات عن هذا الموضوع فقط. هل مستوى الحوكمة في االإدارات والشركات المحلية في مستوى مرتفع؟ وهل السبب مرتبط بضعف النظام أو تطبيقه؟ ما دور المحكمة الحسابات و مفتشية الدولة في كشف حالات الفساد قبل حدوثها وإشعار السلطات؟ جيد أن يتم إعلان كشف حالات الفساد للحد منها، وهذا سيعزز من مكاسب رؤية الرئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني بالموريتانيا خالية من الفساد لكن رأس المال جبان، هل سيكون هذا محفزا للمستثمر الأجنبي للدخول في السوق؟ إن وجود الأنظمة والتشريعات أحيانا ليس كافيا لمنع الفساد، وإنما الإفصاح والشفافية والمحاسبة والمساءلة من قبل أصحاب المصالح علانية ستكون هي أدوات الحماية الفاعلة وممكنات الحوكمة.