ما العلاقة بين أسعار البنزين وطول العمر؟!

سبت, 24/12/2016 - 15:20

يشعر محدودو الدخل أكثر من غيرهم بوطأة رفع أسعار الوقود، لكنّ ما لا يدركه كثيرون أن هؤلاء هم الأكثر تضرراً من أسعار الوقود الرخيصة، على المستوى الاقتصادي كما على المستوى الصحي وطول العمر، ولكن كيف ذلك؟.

تشير تقديرات خبراء صندوق النقد الدولي إلى أن دول الخليج أنفقت 59.4 مليار دولار على دعم الطاقة في العام 2015، انخفاضاً من 90 مليار دولار قبل عامين فقط. وعلى الرغم من هذا الانخفاض الكبير، تبقى دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من الأكثر انفاقاً على دعم أسعار الوقود حول العالم.

إلا أن ذلك لا يعني أن الدعم مشكلة خاصة بدول الخليج، فدول العالم أنفقت في العام 2015 نحو 5.3 تريليون دولار على دعم أسعار الطاقة، بما يعادل 6.5%، من مجموع الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وفق ورقة عمل لخبراء في صندوق النقد الدولي.

للدعم الحكومي إيجابية واضحة، وهي أنه يبقي أسعار الوقود والكهرباء رخيصة، لكنّ أذاه للاقتصاد والناس أكبر من أن يتصوّره من يملأ خزّان وقود سيارته بقليل من الريالات أو الدراهم أو الدنانير، وهنا بعض من ذلك الأذى:

يذهب الجزء الأكبر من الـ60 مليار دولار التي تنفقها دول الخليج على دعم الطاقة إلى جيوب الأغنياء. فهؤلاء يستخدمون الكهرباء بكثافة أكبر بكثير في قصورهم وفللهم وشققهم الفسيحة، ولديهم عدد أكبر من السيارات الفارهة والكبيرة الأكثر استهلاكاً للوقود، ويستهلكون بشكل أكبر السلع والخدمات التي تُنتَج بتكلفة منخفضة بفضل الدعم. زد إلى ذلك ما يستهلكه أصحاب اليخوت والطرادات. والمشكلة أن الحكومات توزع هذا الدعم السخي من دون أن تعرف من استفاد منه فعلاً، وما إذا كان يستحقه أم لا.

في دول الخليج، يُضاف أيضاً إلى دائرة المستفيدين الوافدون الذين تزيد أعدادهم على 15 مليوناً في دول مجلس التعاون. ولا شك أن المواطنين في تلك الدول يعتقدون أنهم أحق بهذا الدعم منهم.

عندما يحصل الميسورون والأغنياء والوافدون على 30 مليار دولار أو أكثر من الأموال المخصصة للدعم، فإنهم في واقع الحال يحدّون من قدرة الحكومة على الإنفاق على البنية التحتية وتحسين مستوى التعليم والصحة لأصحاب الدخل المحدود.

قد يكون معقولاً إنفاق مبالغ طائلة كهذه لإبقاء الأسعار منخفضة عندما تكون الفوائض وفيرة، لكن عندما تقع الموازنة تحت العجز يصبح المصدر الوحيد لتمويل الدعم هو المواطن نفسه، وهو من سيدفع الفاتورة، إما عاجلاً عبر الضرائب والرسوم، وإما أنه سيحمّل عبء الدين العام مع فوائده لعشرات السنوات المقبلة.

تشجّع أسعار الطاقة المنخفضة على الإسراف في الاستهلاك بما يشكل أذىً كبيراً للاقتصاد. وتكفي الإشارة إلى أن معدل استهلاك الفرد الواحد للكهرباء في السعودية يتجاوز 7400 كيلو وات ساعة، أي أكثر من ضعف معدل الاستهلاك في الشريحة العليا من البلدان المتوسطة الدخل، البالغ نحو 3400 كيلو وات ساعة، وفق بيانات البنك الدولي للعام 2013.

هذا الإفراط في الاستهلاك يتسبب بمعدلات مرتفعة من التلوث القاتل. وبحسب خبراء صندوق النقد الدولي، قد تؤدي قرارات تقليص الدعم التي اتخذتها الحكومات حول العالم في العام 2015 إلى خفض الوفيات الناجمة عن تلوث الهواء إلى أقل من النصف، وقد تزيد الوفرة الاقتصادية العالمية بنحو 1.8 تريليون دولار، أو ما يعادل 2.2%، من الناتج الإجمالي العالمي.

لكلّ الاعتبارات السابقة، ثمة نصيحة تقليديّة يقدّمها خبراء الاقتصاد تقضي باستبدال الدعم غير الموجّه بشبكة أمان اجتماعي تقدم الدعم النقديٍ للفئات التي تحتاجه بالفعل من دون تشويه منظومة اقتصاد السوق. بمعنى آخر، أن تقدّم الحكومة الكاش لمن يحتاجونه، بدلاً من دفع فرق الأسعار المنخفضة المصطنعة التي لا تميّز بين محتاج وغير محتاج.

لهذا النوع من الإصلاح فائدة أكبر على المستوى الاقتصادي العام، إذ إنها تؤدي إلى انتظام اقتصاد السوق، والحد من التشوهات السعرية الناجمة عن إنتاج بعض السلع والخدمات بأقل من التكلفة الحقيقية، ما يحمّل الميزانية العامة أعباءً غير مبررة، ويحابي بعض المنتجين والتجار على حساب آخرين.

بطبيعة الحال، لا بدّ لإصلاح بهذا الحجم أن يتسبب بأعراضٍ جانبية في المدى القصير، من حيث تضخم الأسعار وارتفاع تكلفة الإنتاج في بعض القطاعات. لكن حين تصحح الأسواق ذاتها سيتبيّن حجم الفائدة التي تعود على الجميع من الاحتكام إلى اقتصاد السوق، وكفّ الدولة يدها عن اختلاق أسعار متدنية غير حقيقية، وما ذلك ببعيد.