عندما تصبح الديمقراطية مهزلة!

اثنين, 13/08/2018 - 12:26

أرسل أحدهم تغريدة ساخرة في أحد مواقع التواصل الاجتماعي تقول: <<آن ما نعرف نصوت لمن عمي مترشح وخالي مترشح وصاحبي مترشح وجاري مترشح..، والتالية خظت ظرك عل مول البتيك معلق لافتة تقول: صوتوا لمن يبيع بأرخص ثمن ومن يدين لكم وقت الضيق>>

 الحقيقة أن بلادنا هي بلاد الفوضي بامتياز، وكل شيء يدخل فيها تسمه بطابع الفوضى؛ لأن أهلها عجنوا من طينة هي الفوضوية ذاتها، وليس للبداوة دخل في القضية كما يحلو للبعض أن يعلل دائما إخفاقاتنا وتأخرنا في فهم دروس المدنية وفك أبجدياتها، فكل شعوب الأرض مروا بحياة البداوة وأخذوا شيئا من طباعها ومع ذلك تجاوزوا القنطرة وانسجموا مع مخرجات المدنية الحديثة، بل بعضهم قطع أشواطا معتبرة على هذا الدرب اللاحب وبعضهم حقق الريادة..، ونحن نحن بكل ما تمليه علينا أنانيتنا وتوحشنا وإيثارنا للمصالح الشخصية الضيقة.. الحقيقة صادمة يا سادة المشكلة خطأ ما في التركيبة العناصرية للشخصية الجمعية... المشكلة تشوه في العقل الجمعي... المشكلة تخلف في الوعي الجمعي...

 اسمحوا لي أيها السادة فقد انحرف بي الحديث ذات اليمين أو ذات الشمال لا أدري! ما أريد بلورته في هذه السطور هو أن السمة الأبرز في شخصيتنا الجمعية كموريتانيين وهي الفوضى – بطبيعة الحال – ظهرت في هذا الموسم الانتخابي الذي كان من المفترض أن يكون محل آمالنا وتطلعاتنا جميعا؛ مما سمم العملية الديمقراطية برمتها في بلادنا وألبسها لبوسا شائها جعل العقلاء الغيورين ينظرون إليها بعدم ارتياح

 ومظاهر هذه الفوضى اللاعقلانية جلية واضحة في كل ظروف وملابسات ومناحي العملية الانتخابية – الديمقراطية وقد لا حظها المراقبون والمدونون وتندرت بها الصحافة، غير أن ذلك لا يمنعنا من محاولة الإشارة إليها في النقاط التالية:

 1 – عبثية اللجنة المستقلة للانتخابات، ففضلا عن عدم استجابتها لمتطلبات القانون في تشكيلتها؛ حيث اعتمدت فيها أساليب الزبونية والمحسوبية و"مشتقاتهما الدلالية"؛ فقد أظهرت هذه اللجنة الكثير من عدم الخبرة والاحتراف والمهنية عصف أوكاد بمصداقيتها منذ الوهلة الأولى، وكلفها اتخاذ قرارين ثم العدول عنهما لعدم توافقهما مع القانون

 2 – كثرة الأحزاب الحقائبية، وهي سمة واضحة حولت ساحة الموسم الانتخابي الحالي إلى سوق سوداء تباع فيها الترشحات بكل وقاحة جهارا نهارا على مرأى ومسمع من الدولة وأجهزتها التي من المفروض أن تكون راعية وحامية للعملية الانتخابية من كل ما يدنسها وينحرف بها عن مسارها الصحيح

 ومن الحق أن هذه الأحزاب ظاهرة غير صحية شوهت ديمقراطيتنا الوليدة التي برزت إلى الوجود أصلا كائنا غير مكتمل الخلقة وزادتها هذه الأحزاب تشويها على ما فيها، فالكل يعرف بأن هذه الأحزاب الحقائبية ليس في أي واحد منها حقيقة وحكما إلا شخص واحد هو الرئيس وهو – في الوقع – رئيس على نفسه فقط حتى أنه ليس لديه مشروع ولا رؤية مجتمعية تصلح كأرضية فكرية لبناء حزب أو أي كيان سياسي آخر... كل ما في الأمر هو أن هذا الشخص رأى الآخرين لهم أحزاب فاعتقد أنه هو الآخر لا بد أن يكون له حزب! نحن – في الواقع – إذا توجه أحدنا إلى شيء لا بد أن يتوجه إليه الجميع؛ لأننا مجتمع يقوم على "لحمار" (التقليد)، وهذا ما يفسر لنا هذه الترشحات المجنونة التي نرى في هذا الموسم مثلما رأيناها في المواسم السالفة

 بقي أن نقول – في هذه النقطة – من باب التندر أن واحدا من هؤلاء الأحزاب الحقائبية عجز عن إكمال لائحة بلدية حتى اضطر إلى بطاقة تعريف لسائق تكسي كان يستقلها بعد أن عجز عن توفية أجره..ههه

 3 – عشوائية الترشح، لكم أتمنى أن تكون هناك لجان تزكية للمرشحين تابعة للدولة، وأخرى تابعة للأحزاب التي يتم الترشح منها غير تلك المفبركة التي نعرفها جميعا ونعرف طبيعتها ومعاييرها المعوجة!

 إن الترشح – في نظري – قبل أن ينظر فيه إلى جانب الخزان الانتخابي يجب أن يدقق النظر فيه بالأساس في زاويتي الاستقامة الأخلاقية والكفاءة المهنية، حتى لا نعرض على الناخب البريء إلا من أجزنا أخلاقه وكفاءته بشكل لا تزييف فيه ولا مجاملة

 كلنا يدرك هذا السيل الجارف من الترشحات وما ينطوي عليه من غثاء "يفيرس" الساحة ويصدع الناخب.. اللوائح الوطنية بلغت المائة.. واللوائح البلدية في كثير من المقاطعات وصلت الخمسين وتزيد وقل مثل ذلك عن المجالس الجهوية ولوائح نواكشوط.. إنه جنون الترشح الذي يحتاج إلى (حجاب)

 4 – من المسؤول؟، أعتقد أن المسؤول الأكبر عن حدوث هذا الجو الديمقراطي الموبوء هو النظام؛ ذلك أن الديمقراطية في نظر النظام ليست هي حكم الشعب لنفسه بنفسه كما يحلو للمنظرين أن يقولوا، وإنما هي في اعتقاد هذا النظام وسيلة لا بد منها لإدامة حكم هذا النظام واستمراره، ولذلك نقول – من هذا المنبر- لأولئك الذين يمنون أنفسهم بالتداول السلمي على السلطة: أنتم واهمون (مكرعين ف الصربات يلخلطة)

 كذلك أعتبر أن التكوين السيكولوجي للإنسان الموريتاني والطبيعة الأنتولوجية له لهما دور فاعل في الموضوع

بقلم: الشيخ ولد باباه اليدالي