فيلم الخيال العلمي "آريفال" الأكثر ذكاءً منذ سنوات

اثنين, 14/11/2016 - 19:32

وقتٌ طويل مضى منذ أن استقبلت دور السينما فيلماً من فئة الخيال العلمي يُكرس نفسه بشكل مباشر لمعالجة أفكارٍ كبيرة ومهمة، رغم طابعه التجاري.

ولعل هذا ما يوجب علينا الابتهاج بظهور فيلم "آريفال" (الوصول) في دور العرض؛ كما يقول سام آدامز.

تخصص دنيس فيلنَيف في إخراج أفلامٍ تتناول موضوعاتٍ كبرى ذات محاور جوفاء في الوقت نفسه، كما لو كان بناءً يُشيد دائماً صروحاً رائعة لا يسكنها أحد.

وقد اتسم أخر فيلميّن له؛ "بريزونَرز" (سجناء) و"سِكاريو" (القاتل المأجور) ببطء في الإيقاع إلى حد البلادة، وبكونهما مُفعميّن بإحساس بالتيه والزهو والغرور.

ولو نزعت عنهما ما أُضفي عليهما - من على السطح - من تعقيدات ومشكلات أخلاقية وروحية مُصطنعة، سيتكشفان عن خداعٍ وادعاءٍ مُتقنيّن لا أكثر تقريباً.

أما أحدث أعماله "آريفال" (الوصول)؛ فيمثل لقاء فيلنَيف الذي طال انتظاره مع موضوعٍ وسيناريو يتساويان في الأهمية مع الثقل والاهتمام اللذيّن يمنحهما لهما. وكل ما تطلبه الأمر، لم يتجاوز معالجة موضوع ظهور كائنات فضائية غريبة على سطح الأرض.

وتسير القصة في محورين متوازيين؛ أحدهما استدعاء خبيرة لغوية موهوبة لفك شفرة القرقرة الخفيضة المسموعة بالكاد التي تصدر عن هذه الكائنات. أما الآخر فيتمثل في تقبل هذه الخبيرة، التي تُدعى لويز بِنكس (تجسد شخصيتها الممثلة آمي آدامز)، تدريجياً لحقيقة وفاة ابنتها. (لا إفساد من جانبي هنا لمتعة المشاهدة، لأن كل ما سُرِد في السطور السابقة، يُذكر في الدقائق الأولى من العمل).

على أي حال، تظهر الكائنات - التي يُطلق عليها اسم "هبتبودس" (أو سباعية القرون نظراً لما يحتوي عليه جسدُ كلٍ منها من زوائد سبع) - في ذات يوم على متن سفن فضاء مستطيلة الشكل رمادية اللون، تبدو كما لو كانت حصي هائلة الحجم.

وتحلق هذه السفن بشكل غير مألوف فوق العديد من بقاع العالم بما فيها حقلٌ في ولاية مونتانا الأمريكية. وتبدو تلك السفن، البالغ عددها 12، بمثابة حواريي مُخَلِّصٍ ربما لن يأتي أبداً.

وعلى نحوٍ غير مفهوم أيضاً، تراود لويز ذكرياتٌ ورؤى بشأن ابنتها الراحلة، في أوقات تباغتها هي نفسها، مُمزقةً بذلك الطابع الرمادي - المشابه للون سفن الكائنات الفضائية - الذي يسود العمل.

وصول الـ"هبتبودس" يأتي دون سابق إنذار، وبلا تفسير أيضا؛ إذ يبدو أن هذه الكائنات تفتقر لأي برنامج بوسعها التعبير عنه أو بمقدورنا فهمه. لكن مجرد وجودها يُبدل حياة شخصيات الفيلم رأساً على عقب.

فالسلطات الأمريكية تطلب من لويز المساعدة للتواصل والتفاهم مع الـ"هبتبودس"، بعدما باءت كل المحاولات السابقة في هذا الشأن بالفشل، بفعل الفجوة الهائلة عميقة الجذور التي تفصل بين لغة تلك المخلوقات واللغة الإنجليزية.

فالـ"هبتبودس" لا يفهمون العالم ومفرداته في صورة "فعل وفاعل ومفعول به" كما نفهمه نحن. لذا ينطوي فهمنا لهم وللغتهم على تحدٍ ليس فقط لما نعتقد أننا نعرفه، بل أيضاً للطريقة التي توصلنا إلى معرفته بها.

وهكذا يبدو أن الفيلم المُستوحى من قصة قصيرة تحمل اسم "ذا ستوري أوف يور لايف" (قصة حياتك) للكاتب تد تشيانغ، يتضمن أفكاراً عميقة. أليس كذلك؟

ربما لهذا السبب، يخفف السيناريو الذي كتبه إريك هيسرر من بعض ما ورد في هذه القصة من أفكارٍ معقدة للغاية، بل ويحذف جانباً منها تماماً. ولكن لحسن الحظ ينجو الكثير من هذه الأفكار خلال عملية التحويل هذه، فـ"آريفال" عملٌ فريدٌ من نوعه، نظراً لأنه فيلم خيال علمي ذو ميزانية ضخمة ومُكرسٌ لمعالجة قضايا مهمة بحق.

ورغم أن فيلنَيف يتبع في إخراجه لهذا العمل - وبوضوح - أساليب المخرج ستيفن سبيلبرغ، بدلاً من أن يمضي على طريقه الخاص في هذا الشأن؛ فإنه ينجح في رسم ملامح صراعٍ جليّ ومدوٍ.

ويدور ذلك الصراع بين من يريدون دراسة هذه الكائنات الغريبة لأغراض المعرفة العلمية، وبين من يتمثل تخوفهم الأساسي في حدوث سيناريو سيئ مفاده إمكانية تعرض الأرض لغزو من قبل مثل هذه الكائنات، أو ينصب اهتمامهم على أمرٍ لا يقل عن ذلك سوءاً، ألا وهو المميزات العسكرية التي يمكن الحصول عليها عبر التعاون مع الـ"هبتبودس".

في الوقت نفسه، تبقى سفن تلك الكائنات مبعثرة حول الأرض بشكل عشوائي على ما يبدو.

وفي لحظة نادرة من النزق والهزل في فيلمٍ لا يحفل إلا نادراً بمثل هذه اللحظات، يتمثل أفضل تفسير يمكن تقديمه في هذا الشأن في أن البلدان التي هبطت فيها تلك السفن، سبق وأن ذُكرت في عملٍ حقق نجاحاً هائلاً للمغنية اسكتلندية المولد شينا إستون في ثمانينيات القرن الماضي.