حين تصبح الممارسة السياسية فتنة بلا جدوى

ثلاثاء, 26/09/2017 - 12:25

يميز العالم المشهور في علم الاجتماع السياسي ماكس ويبر، بين "الأخلاق والمسؤولية"؛ و لا يشمل ذالك، أولئك الذين يسترشدون ب "أخلاقيات المسؤولية" – بوجوب اقتصار السياسيين على الطابع الوظائفي.

انه من صفات الرجل السياسي اكتساب بعض المؤهلات الأساسية، من ضمنها "الشغف والوعي بمسؤولياته وبالتوازن".

 

توطئة

 

قدمت حديثا، بغد قضاء أسبوعين قي البلد الشقيق والجار السنغال، الذي خرج للتو من انتخابات طويلة وخانقة، بسبب تصادف تلك الاستحقاقات مع درجات الحرارة المرتفعة لموسم الإمطار.

وقد تابعت من نواكشوط، أبرز أحداث الحملة في هذا القطر و أنا علي معرفة جيدة من الشعب السنغالي و من نخبته.

 فعلا، قد تتصاعد الأصوات خلال الحملات و يتم الاعتراض على النتائج بالوسائل القانونية والاستماع إلى المبارزة الخطابية العالية بين القانونيين، لكن الأمور لا تلبث تعود إلي مجراها الطبيعي، بمجرد انتهاء الطعون لدي المحاكم المختصة.

أن السنغال يمتلك نظاما قضائيا عالي الجودة كما يضم سلكه محامين بارزين.

بدأت إقامتي في السنغال في فترة ما بعد الحملة. فلا ينتابك الإحساس بان البلد كان يعيش أجواء انتخابية إلا بعد مشاهدة بعض الشعارات وبعض الملصقات غير المقروءة بسبب الأمطار المتكررة.

فعاد جميع السنغاليين إلى العمل، مواصلين، رغم الصعوبات الاقتصادية وبابتسامة أنشطتهم، يمزحون و يضحكون، حتى من أنفسهم أو يسخرون من الحكومة و السياسيين والوضع العام للبلاد.

فالبلد يضم اليوم العديد من الفاكهيين و يحظون بمشاهدة واسعة من المواطنين، عند خروجهم عبر وسائل الإعلام ويسخرون من كل شيئ باستثناء الإعراض الشخصية..

فلا تحس بأي توتر أو قلق، سواء لدي الطبيب أو بائع رصيد "اورانج".

أن الشعب السنغالي شعب يعمل بجدية، لا يفقد الأمل أبدا، مهما كانت الأوضاع، مفضلا النظر إلي الأمور بقدر من التفاؤل.

شعب يثير الإعجاب، بسبب مرحه و سلمه الدائمين و عمله المتواصل بدون كلل

 

أمثلة معاشة للأخلاق السياسية ما قبل الاستقلال

 

عمل والدي، تغمده الله برحمته الواسعة واسكنه فسيح جناته ، بعد تحويلات في جميع أنحاء هذا البلد، منذ 1952 حتى تقاعده، في أبريل 1960، في دائرة آدرار، التي كانت حينها، أكبر مركز للممارسة السياسية في موريتانيا.

فكانت أطار المدينة الأكثر تحضرا في البلاد بسبب وجود القاعدة العسكرية الفرنسية فيها.

وهي المدينة التي قدمنا إليها بعد تدريسي القرآن و متابعة السنة الأولي من التعليم النظامي في شنقيط وحيث أكملت اغلب تعليمي الابتدائي فيها.

وكانت أسرتنا، تنتقل دائما مع والدي، إلي المراكز الأخرى في الدائرة، في إطار مهمة، ما أسمته الإدارة الفرنسية "الشرطة البدوية".

كنت أقيم عند خالي من الأم، الذي يعمل رئيسا للمصلحة ألكبري للبريد بأطار كما كان يشغل منصب المسئول المحلي للنهضة وكانت زوجته، المسئولة فيها عن قسم النساء.

وكان المنزل يقع علي بعد 800 من ملتقي الطرق بأطار الأسطوري حيث ينظم مختلف الأحزاب مهرجاناتهم.

وكان الكبار يقولون في شأني،  أنني صبي مبكر، فضولي وشديد الحرص على معرفة كل شيء. وكنت احضر دائما للاستماع إلى خطابات جميع المتدخلين في المهرجانات، بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية.

يقع ملتقي طرق أطار قبالة مركز الشرطة القديم، الذي يديره مفوض فرنسي مسن أصلع، يرتدي نظارات كبيرة.

فكان يضع عناصره داخل المكاتب، في بداية كل تجمع و يلقي بنفسه، من وقت لآخر، نظرة علي الحشود و المتحدث، قبل أن يعود أدراجه إلى مكتبه. وكانت ابتسامته غالبا ما تطبعها ملامح السخرية.

لذلك، فانه من المستحيل للأشخاص، الذين عاشوا الأعراف السياسية ما قبل الاستقلال،  أن لا يستغربوا التغيير الحاصل في العقليات والأخلاق السياسية الحالية.

ممارسات بعيدة عن الخطابات المهذبة والمحترمة للرجال والنساء الذين ناضلوا في النهضة وتجمع الشعب الموريتاني وتجمع التكتل الديمقراطية للمنحدرين من كوركل و حركة الشبيبة الموريتانية و الوفاق واتحاد الاشتراكيين المسلمين ...

حيث لم يكن الخطاب السياسي يتضمن أي شكل من أشكال الكراهية أو إهانة للأحزاب الأخرى أو قادتها أو مناضليها، بل يتناول فقط توجهات الأحزاب ومواقفهم بشأن استفتاء 1958 المنصوص عليه في القانون الإطاري، وإجراءات المحددة لتاريخ الاستقلال.

وكان كل أولئك الخصوم، أعداء لحظة، يلتقون بجميع مشاربهم، فور اختتام المهرجانات، عند منزل احدهم، وفقا للعلاقات الشخصية.

وكان الوزير الأول آنذاك ونائب رئيس مجلس الحكومة يؤدي زيارات دائمة لآدرار، بوصفه مستشارا منتخبا لدائرة شنقيط. ولم يتعرض، في جولاته رفقة وفده، لأي أذي أو مضايقة، سواء علي الصعيد الشخصي أو من طرف متحدث حزبي، إثناء المهرجانات و حتى من الذين كانوا يعارضوه.

وكانت أعداد من صحيفة الشبيبة الموريتانية، يتم توزيعها إثناء حفلات الاستقبال، تقول انه هو وحزبه، مقربان من فرنسا، ولا أزيد من ذلك.

وأتذكر هنا، أن أخي الأكبر، الذي كان ناشطا في حركة الشبيبة الموريتانية منذ الثانوية، قد وزع نسخا منها في حفل رسمي في شنقيط.

إن تطرقي لهذه الذكريات يهدف حقيقة إلي تسليط الضوء علي جو التسامح الكبير القائم آنذاك، رغم إعطاء القانون لجميع حريات التعبير.

وكان كل من رئيس الوزراء وسيد المختار اندياي  يعرفان جيدا والدي،  الأول منذ بير-مغرين والثاني في وقت لاحق، في سين لويس.

كل أعضاء الوفد تناولوا الغداء في منزلنا،  في اليوم السابق، خارج البرنامج الرسمي. وكان الكل يأخذ صحيفة الشبيبة الموريتانية التي يوزعها آخي الأكبر بابتسامة ، باستثناء الرائد المكلف بالديوان العسكري بلاي، الذي انتبه للحادث وشطب علي اسمه من قائمة الضباط الستة الذين سيتجهون إلى فرنسا.

لكنه، أجرى حينئذ وبنجاح مسابقة الدخول في مدرسة الطيران في باريس، مما أدي إلي صعوده الفوري على متن الطائرة باتجاه العاصمة الفرنسية.

وأعتقد هنا أنه لم يأسف لهذا التوجه الجديد في حياته المهنية، حيث كان من أوائل الطلاب الموجودين في فرنسا قبل الاستقلال.

 

من التعددية إلى الحزب واحد

 

فكان الوزير الأول يستقبل الكل، خلال إقامته، حزبين وخصوم. وقد سنحت هذه الأعراف السياسية الفاضلة والمسئولة، بقدوم الموريتانيين متحدين إلي عيد 28 نوفمبر 1960

وقد حرصت السلطة التنفيذية على إجراء محادثات سرية مع جميع الأطراف. وقد تعهد، قبل إعلان الاستقلال، بتنظيم طاولة مستديرة مع كل الأحزاب من أجل تشكيل حكومة مشتركة لتوطيد الوحدة الوطنية

وقد تم الوفاء بذلك الوعد، بل ذهب إلي القيام بالمزيد، باعتماده مبدأ لجنة مشتركة، تقترح إجراءات دمج جميع الأطراف في الحزب الواحد لتوطيد الوحدة الوطنية ومواجهة أطماع الجيران، الذين لا يدخرون جهدا في زعزعة استقرارنا.

وبالفعل، كان يضع الأسس لحزب الشعب الموريتاني قيد النشأة، الذي تمكن، بعد مؤتمرات كهيدي، من احتكار الحياة السياسية في البلاد. وكنت آنذاك في الثانوية بروصو وأذهب غالبا إلى نواكشوط.

إن إضفاء الطابع المؤسسي على حزب الشعب الموريتاني و بالرغم من وجود ديمقراطية داخلية ، لم يخلف ارتياحا لدي الجميع.

فعلا، بدأ القادة السابقين للأحزاب، الذين قبلوا الاندماج،  يظهرون بعض الضيق بوجودهم في الحزب.

وقادت هذه الوضعية إلى استقالة شخصيات سياسية معروفة، استمرت داخل الحزب حتى سنة 1971.

وعموما، فإن المنشقين كانوا في الغالب من صفوف المناضلين السابقين في أحزاب أخرى غير حزب التجمع الموريتاني، أب حزب الشعب الموريتاني.

لقد حاول بعضهم إنشاء حزب، لكنه اصطدم بعدم تجاوب وزارة الداخلية، كما أن جهود الاستئناف التي بذلوها أمام المحاكم للحصول علي تراخيص باءت بالفشل.

وتميزت هذه الفترة بعودة موجة كبيرة من خريجي الجامعات، أكملوا دراستهم، إلي ارض الوطن. كما قام الرئيس المختار بتغيير جذري للخط السياسي، معتمدا الفصل بين النضال في إطار حزب الشعب الموريتاني و ممارسة الوظائف العمومية.

فكان من الممكن، أن تصبح وزيرا أو مديرا مركزيا أو مديرا عاما لشركة كبيرة في الدولة، دون الحيازة على بطاقة الحزب أو القيام بنشاط فيه.

خط سياسي كان محل ارتياح كبير لدي أولئك الذين، لم تتم تسميتهم بعد بغير لقب " التكنوقراطيين ". فكان الجامعيون الجدد يمرون عبر نقطة البداية كمدراء مركزيين في وزارة.

وتمت ترقية العديد منهم كوزراء في مختلف حكومات ما قبل عام 1978. كما ساهمت كل من عودة هؤلاء الأطر والقرارات الهامة التي اتخذها النظام المنشئ للأوقية ومرتنة ميفيرما، في ترسيخ منطق الحوار مع المعارضة آنذاك، .

فبدأت الدولة في تحسين تنظيمها الإداري إلي الأفضل وبتعزيز وتطوير الاقتصاد مع الإحساس بقدر من الاستقرار السياسي، حتى دخولنا في حرب الصحراء، الذي أتي على بعض تلك ألانجازات

كانت الحرب مكلفة ولم يكن جيشنا علي استعداد كافي لخوضها، مما جعله، بعد فترة من الاقتتال المتعب، دون وسائل، يأخذ السلطة في نواكشوط،  دون إراقة دماء، في العاشر من يوليو 1978.

ولن أتطرق هنا إلي العلاقة بين السياسيين والأطر والأنظمة العسكرية في الفترة الممتدة من 1978 إلي 1991، التي سبق لي الحديث عنها بإسهاب في مقالات سابقة، صادرة بالفرنسية، يمكن التطلع عليها من خلال الرابط في أسفل الصفحة.

 

تدهور الأعراف والخطاب السياسي في الفترة الديمقراطية

صادف أول هبوب لرياح "الربيع العربي" في بلادنا، حرية الصحافة و إلغاء عقوبة الحبس في قضايا النشر.  وبدل التأقلم التدريجي مع أدوات الاتصال الجديدة التي تروي البلد بأسره، اغتنم سياسيونا الفرصة لابتكار نوع جديد من الإعلام، يتسم بنقص في الاعتدال والبعد في الشكل والاسلوب، من الخطاب السياسي ما قبل الاستقلال ومن القيم الموروثة من تاريخنا الحضاري، الذي دونه أجدادنا والذي مكن بلادنا من التمتع بإشعاع كبير في القارة الأفريقية، والمغرب العربي والمشرق و حتى في الإمبراطورية العثمانية.

وقد مثلت عبر القرون، قيم المعرفة والاتزان والنزاهة والمسؤولية ونبذ الأكاذيب والتجاوزات،  إرثا كان ثمرة لممارستنا منذ عصور، للمذهب المالكي السني وللطريقة المعتدلة المثلي للإسلام.

إن الخطابات والعادات الحالية تسعي إلي نسف هذا الكنز الحضاري، الذي كان، بمثابة لنا، الحامي الوحيد من الانحطاط.

وهنا نتساءل، هل تستحق السلطة والمال و الوظائف، الزائلة بطبيعتها، بما إننا ملاقين جميعا الأجل اليوم أو غدا، أن ندعي إلي الفوضى و إلي الغزائر العدائية للفئات الاجتماعية، أن نجر بلدنا إلى الهاوية أو نرمي بكل تلك التضحيات العظيمة التي قدمتها الأجيال السابقة. ؟

ربما يكون سوء فهمي لهذه الأعراف السياسية الجديدة، عائدا في الحقيقة إلي أنني قليل الاهتمام بالسياسة. ولن يمنعني ذلك من تكرار ما قلته دائما وما انتقدني به البعض أحيانا.

إن السياسة الوحيدة التي مارستها دون قيد، تتلخص في خدمتي بكل إخلاص ودون أسف، كل ألأنظمة من فترة  الرئيس المختار، رئيس الآباء المؤسسين، حتى فترة الرئيس إعل ولد محمد فال، أخي وصديقي الأعز، الذي ما زلت أجد  صعوبة في تحمل فقدانه.

فمنذ أن التحق بالرفيق الأعلى، وانأ أشعر بفراغ بداخلي لا شيء يقدر علي ملئه. وحدها راحة الإيمان ساعدتني في التخفيف من هذه المحنة.

لقد استفدت، خلال فترة رئاسة صديقي الراحل وشقيقي، الرئيس اعل ولد محمد فال، تغمده الله برحمته الواسعة واسكنه فسيح جناته، من حقي في التقاعد.

فان كنت خدمت كل هذه الأنظمة، فذلك يعود أولا، إلي أنني أعتبر نفسي خادما للدولة ولست رجلا سياسيا، من جهة و لأنني لم أقم و لن أقوم أبدا بعمل قد يضر هذا البلد الذي عشت إرهاصاته و ولادته العسيرة، من جهة أخرى.

ولا يعتبر هذا فقدا للشجاعة، وإنما ينم عن قناعتي الراسخة بهشاشة بلدنا، التي تستدعي من كل شخص ناضج ومسئول أن يرفض أن يكون شهاب النار الذي من شأنه أن يشعل، لا قدر الله، الفتن و الفوضى، معرضا الوطن إلي الانزلاق والتشتت، وهو السيناريو الذي سعي له البعض بكل جهد،  قبل استقلاله، غير أن فرنسا، لأسباب إستراتيجية، أوضحت للجميع أنه سيتم بالفعل إنشاء دولة ذات سيادة على أراضي موريتانيا داخل حدودها الحالية

وقد وجهت آنذاك ضربات قوية إلي هذا البلد الهش. وأذكر في هذا الصدد بعض الأمثلة التي قد لا تكون شاملة: مقتل نائب رئيس بلدية أطار، مقتل صاحب مطعم الفرنسي بلكصر، إعدام مدبري ما يسمى ب "هجوم النعمة"، الذي أسفر عن مقتل الجنود الفرنسيين، مقتل الحاكم لامين ساغو، قتلي الاشتباكات العرقية سنة عام 1966، وفاة العمال المضربين بازويرات، قتلى حرب الصحراء، إعدام  ضباط "16 مارس"، إعدام ضباط الزنوج،  ضحايا سجن ولاته و ألقتلي السنغاليين والموريتانيين في 1989.

كل هذه الإحداث الأنفة الذكر أدت إلي تصدع الصرح الموريتاني، الذي بني على عجل، بأدوات هشة ومتنوعة، ولكن بإيمان لا يتزعزع لشعبها في المستقبل. اللهم ارحم الجميع برحمتك الواسعة.

و كانت أيضا كل هذه ألإحداث أعلاه، من تدبير جهات عديدة : بلدان أجنبية أو معارضة النظام القائم أو بسبب صراع أجنحة داخل السلطة الحاكمة نفسها.

إن الشيء المؤسف للغاية هنا، يكمن في المطالب التي يتشدق بها البعض و التي لا أساس لها، مدعيا انه يتظاهر باسم الشعب، بارتكابه ما هو أسوأ، حيث أن الشعب كان دائما الضحية الرئيسية لانفصام الذي يتعرض له الصرح المشترك.

 

حينما ينزلق الخطاب السياسي في الديمقراطية

لقد حاولت المعارضة منذ قترة، عبر خطابها وأعمالها، أن تسرع رحيل الأغلبية، التي تمارس السلطة والتي هي في نهاية مأموريتها الأخيرة، التي تكتمل في 2019. وقد يكون ذلك التحرك، إستراتيجية تهدف ألي تشويه سمعة الأغلبية القائمة و النقد لأدائها في تسير الشأن العام، قبل تلك الآجال الهامة للمعسكرين.

وتكمن ردة فعل الأغلبية اتجاه هذه الهجمات من خلال إبراز الإنجازات التي حققتها السلطة التنفيذية خلال فترة عملها، مما يمكنها من ممارسة السلطة إلى ما بعد عام 2019. ولم تكن تختلف إطلاقا لهجة ولا شكل خطابات وأنشطة الأغلبية عن أساليب المعارضة.

وقد يمثل ذلك أيضا إستراتيجية لوضع لمعارضة في موقف دفاعي دائم ومنعها من الانتظام والبروز موحدة وفي موضع قوة بحلول آجال 2019.

فلا يتردد، في هذا الظرف بالذات، سياسيونا، في شتم وإهانة بعضهم البعض، لاجئين في صراعاتهم و خطاباتهم إلي القيام بتصرفات تتنافى مع الممارسة الديمقراطية الطبيعية واللائقة.

فيستغلون شتي وسائل الإعلام والاتصال، التي تبث بشكل مكثف خطاباتهم غير ألائقة، ساعين في نفس الوقت ألي بذل كل الجهود من اجل استيعاب الشعب المتزن والفاضل، الذي ينبذ القذف والإهانة،  لتلك التصرفات المخالفة لأعرافه الأخلاقية.

وللأسف، كل ما يري ويقاول ويكتب في وسائل الإعلام (الإذاعة والتلفزيون والصحف والمواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي)، لا يصب في مصلحة رجالاتنا السياسية

فعلا، لقد اتسم الخطاب السياسي بطابع ملفت: كلمات فارغة والعجز عن تقديم اقتراح أو برنامج متماسك قادر على النهوض بالبلد.

فلن يكتسب أصحاب هذا الانزلاق اللفظي والكتابي وحتى الجسدي أحيانا، إلا تشويه صورتهم الشخصية وصورة النخبة بشكل عام وبالتالي صورة بلدهم.

إن هذه التجاوزات وصلت ألي أقصي حد. فالكل أصبح اليوم عرضة لها، حتى في حياته الخاصة.

إن الكراهية، التي يحرمها ديننا الحنيف، لم تكن أبدا أداة إلي القيام بالفعل الصائب.

وان كانت قد تكون حاضرة للأسف بين الأشخاص، في الوسط الخاص بالعلاقات الاجتماعية، فمن غير السليم أن تظهر في التعامل بين الأطراف السياسية في الديمقراطية، الذين يطمحون في قيادة البلد.

فلا وجود للكراهية الشخصية أو الجماعية في السياسة، بل توجد خلافات طبيعية، حول كيفية حكم بلد ما، وان كانت قوية، كان من اللازم التعبير عنها بطريقة متحضرة ومنسجمة مع أخلاق الشرف.

لقد كانت الإطراف السياسية المتصارعة، في تجربة ما قبل الاستقلال السياسية التي وصفتها أعلاه، تكن الاحترام بعضها البعض، بغض النظر عن اختلافها في الرأي.

قد لا نحب نظاما ما أو أساليبه أو تسييره للشأن العام، لكن من المستحيل للمرء أن لا يحب بلده.

ومن اجل البقاء في موقع مشرف، فانه من الواجب مواجهة الأنظمة مباشرة على أرض الوطن،  دون المبالاة بما يكلف ذلك.

والشيء الذي يبدو جديدا وغير مقبول، يتمثل في نقل هذه المعركة خارج حدودنا. وفي ظل هذه الظروف لم يعد كفاح الشخص ضد نظام بل ضد بلده.

إن الأنظمة تزول علي خلاف البلد الذي ستبقي، إلا إذا ساهمنا في انقراضه.

إن هذا الشعب لم يحب أبدا، في تاريخه الماضي والحديث، العنف أو الغلو. فليتأمل كل واحد بوضوح، إذا كان قادرا علي ذلك و يدرك مدي الكلمات التي يقول والأفعال التي يقوم بها، لأن الله والتاريخ سوف يحاسبان الجميع.

إنني لا أكتب هذا السطور من اجل المس من شخص أو مجموعة أو معسكر. فليس ذالك من طبيعتي. كما إنني لست مسئولا عن أعمال الآخرين ولست مقدما للنصائح، وإنما قضيت أسبوعين في بلد ذات تقاليد إدارية وسياسية قديمة و شعب سلمي يرفض الانصياع لرجالاته السياسية، حين يحث أحدهم، وهذا أمر نادر، علي القيام بتصرفات قد تؤدي إلي العنف اللفظي أو الجسدي.

إن المشايخ الدينية ورؤساء الزاويات الراسخة جدا، التي ينصاع لها الشعب، يلعبون دائما دور حارس "المعبد: السلام الاجتماعي والاستقرار في السنغال" ولا يسمحون لأي شخص بالقيام بأدنى عمل يمكن أن يلحق الضرر بالبلد.

كما أنهم يحذرون بشدة السياسيين في السلطة والمعارضة، عندما يشعرون بأدنى توتر، فيستجيب لهم الجميع.

لقد حدثني صديق يعمل إطارا، عن الاستقلالية المالية لهذه المشايخ، التي لم تعد تعطي تعليمات في شأن التصويت كما كان في الماضي، حتى و لو كان المرشح مقربا للزاوية.

ومكن هذا الموقف الحيادي في اللعبة السياسية وكذلك الاستقلالية المادية  عن الحكومة، من جعل هذه المشايخ، حكما في الأوقات العصيبة

إنني اكتب منذ سنين عن هشاشة بلدنا اتجاه التحديات التي يواجها العالم، وخاصة منطقتنا الساحلية، التي تواجه الإرهاب، والاتجار بالمخدرات والأسلحة والبشر.

 وسأستمر  في ذلك كلما أحسست  ببروز توتر في هذا البلد الهش أو في المسلكيات التي قد تشكل خطرا على بقائه.

وذلك واجب علي كل مؤمن، في مثل هذه الحالات، كما قال الله عز وجل في القرآن العظيم،:

 

{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ} [سورة الذاريات: 55]

 

إبراهيم سالم ولد ألمختار ولد صمب الملقب ولد بوعليبة

سبتمبر، 2017

***

 

الرابط علي :

Google.fr

cridem.org  

Confession politique, une intelligentsia qui a perdu ses repères de Brahim Salem Ould El Moctar Ould Sambe dit Bouleiba

***

ترجم من الفرنسية الي العربية محمد الأمين