نقاط ثلاثة دليل على نهاية حقبة ولد عبد العزيز ، وبداية أخرى

أربعاء, 22/03/2017 - 09:02

لا أعرف بالضبط هل هناك خيط متين يربط بين نقائض الوقائع السياسية التي تبدأ بوقوفها على ثوابت ومنطلقات مختلفة ثم تتجه في النهاية إلى مسار واحد لتختم حياتها به تماما كما وقع لسلفها ، وطبعا الغريب أكثر أن كل ذلك يتم والأشخاص الفاعلون وهم خلف الستار والأطبال الحقيقيون يظنون أنهم مختلفون عن كل شيء سابق ، لكن عن غير وعي يسيرون أو يُسيّرون لإعادة مشهد تكرر في زمن معين بشخصيات مختلفة ، وربما كل ذلك تصديقا لنظرية ابن خلدون التي مفادها أن للحكم طبائع معينة تفرض نفسها على الإنسان من حيث لا يدري حتى إذا استبد الحكم وبلغ غياته فسد وعاد سيرته الأولى بشكل دائري وعبر سيرورة محكمة وعجيبة ، سنة الله في خلقه ...

طبعا المؤرخ والفيلسوف الاجتماعي ابن خلدون كان يبني نظريته تلك انطلاقا من دراساته التاريخية المعمقة عن الحضارة الإسلامية وعن تعاقب الملك فيها ونشوئه واستفحاله ثم انسداده وانقضائه ، مع أن التأمل في الواقعين العربي الإسلامي القديم والموريتاني المحلي الحديث تلك الحداثة التي أُدخل المجتمع فيها قسرا في لحظة سكر وغفيان تاريخي ، يجعل القارء أو الفاحص أمام متناقضات جغرافية وتاريخية وسياسية واجتماعية يستحيل الربط بينها من قريب ومن بعيد ، والدخول في متاهاتها يعني سرد وقائع ما في الحالتين من تناقضات ومن تنافر وما في أجزائهما من تشابه وتمازج حتى إن وجد ...

أيها الموريتانيون علينا جميعا أن نحمد الله على بساطتنا وعلى سذاجتنا الفطرية وعلى ما جبلنا الله عليه من قيم ومن ثقافة وطبائع ، فمع ذلك نعيش واقع حقائق مرة من المؤامرات ومن السرقة ومن البيع ومن تجليات لذوات أناس متمصلحون حتى النخاع على سطح طموحاتنا وأحلامنا الوردية ، وفي ذلك من كلام الأسى ما يدمي القلب ويذرف العين دمعا ويدغدغ المشاعر حتى الزوال ، فلله الحمد من قبل وبعد ...

كل ما في الأمر أن هناك نقاط استوقفتني وأنا أتابع لحظة انتصار الشيوخ للشعب ولنفسهم من جهة ورده التعديلات الدستورية التي فرضها النظام بشكل احادي من جهة ثانية ، فلم يكن في احتساب صاحب الفخامة أنه يوجد من يستطيع أن يخرج عن طوعه ويعصي أوامره في موريتانيا حتى أتاه الخبر باليقين في سماء ملبدة حتى الضباب من آهات المحرومين والضائعين والمطرودين عن حياض الماء دون ذنب ودون أي جناية ...

النقطة الأولى التي استوقفتني أن نفس الدرس ونفس الأداة التي اتخذها الرئيس الحالي وهو يدير أغلبية ساحقة من المستقلين من وراء الكواليس في زمن حكم سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله تكرر أو تكررت ، فلقد واجه النواب الرئيس في تلك الفترة وقدم رئيس الخزب الحاكم  الحالي وثيقة حجب الثقة قبل أن يدعم انقلابه ذلك بانقلاب آخر عسكري بقيادة صاحب الفخامة الحالي ، واليوم الشيوخ يعيدون التاريخ وإن بأسلوب مختلف ويتمردون على قرار اتخذته الأغلبية الذين هم منهم ، وربما أشد وقع الأولى من الثانية ، فسيدي ولد الشيخ عبد الله كان يعرف حدود سلطته ويعرف أن هناك من يزاحمه فيها لذلك لم يكن إلا متوقعا للمسألة وربما منتظرا لها ، أما ولد عبد العزيز فإنه يوصف برجل موريتانيا القوي الذي جعل كل شيء في يده وهمش الوزراء ومؤسسات الدولة واحتقر الرجال ورغبهم وطمعهم ينقلب عليه شيوخه ...!

أما النقطة الثانية قهي بمثابة مساءلة منبثقة من الأولى ما هو مصير ولد عبد العزيز ؟

هناك احتمالات عدة ، منها ما يمكن أن يشتق من المصادر والتصريحات الطبيعية للرجل ومنها ما يمكن أن يؤخذ بناء على تخمينات مشتقة من أفعال بعينها طبعت هذه المرحلة من عمر المشهد السياسي في البلد أو مرحلة لاحقة لم تأتي بعد ، وقبل الشروع في ذلك يجدر بنا أن نعرض نقطة ثالثة علها تشفع أو تقوي بناء هذا التحليل من قريب أو من بعيد ....

النقطة الثالثة ، وهي سابقة لمرحلة ولد عبد العزيز وتبدأ من نهاية حقبة ولد هيدالة مرورا ببداية حقبة ولد لطايع حتى انقلاب 2005 ، لقد كان ولد محمد خونه ولد هيداله رئيسا للجنة العسكرية للخلاص الوطني لأربع سنوات وكان الشخص الثاني بعد أن صفى ولد هيدالة كافة العساكر المناوئين له والذين يوصفوا بالأقوياء ولد الطايع ، فكان لآخر حقبة رئاسية لولد هيدالة قائدا لأركان الجيش ورئيسا للوزراء ، لكن خلافا من نوع ما ظهر وأساء العلاقة بين الرجلين ، فأقال العقيد معاوية رجل ولد هيدالة "ابيريك ولد أمبارك" وأقال ولد هيداله في رد صامت له معاوية من رئاسة الوزراء وبعد أيام ذهب لبوجمبورا ليضع الرجل الثاني الحد لفترته الرئاسية ويَعد بالأمن والانفراج وإخلاء السجون من المساجين وهو ما تم بالفعل ، غير أن الحكم وطبعه الذي أشرنا إليه في بداية الأسطر حدا بولد الطايع إلى ملأ السجون وإن كانت مبرراته كثيرة إلا أنها كانت نهايته فشرب من نفس الكأس التي سقا منها ولد هيدالة مرارة الخذلان وأنقلب عليه مقربوه ، والعجيب أن قائد ذلك الانقلاب كان قائدا للحرس مضى ثلاث سنوات وهو يتحرش بالحكم من بعيد وهو مسيطر ، نفس السنوات التي عاشتها اللجنة الوطنية للإنقاذ وللخلاص الوطني قبل قبضة ولد هيداله الحديدة ...!

واليوم ونحن نعيش في السنة الثامنة من حكم ولد عبد العزيز تعيد لنا الوقائع نفسها لتقرب من فترة حكم الرجل ، تمرد الشيوخ تماما كما تمرد النواب على سيد محمد ولد الشيخ عبد الله ، وتصريح شيخ بومديد ابن عم قائد الأركان بأنه صوت ب"لا" دون خوف وأنه ليس مقتنعا بالتعديلات الدستورية ، ليمثل هنا دور ولد أمبارك بطريقة مختلفة وإن كان ليس بمقدور الرئيس إقالته هنا ، هل قال ذلك عن وعي دون إملاء ودون أن يكون له سند في الوقت الذي يحاول جميع الذين صوتوا ب"لا" على التعديلات إخفاء أنفسهم؟

الله أعلم ، لكن يكفي النظر إلى علاقته بالرجل الثاني في المجلس الأعلى للعدالة والديمقراطية ليتبن الكثير من الغموض ...

تبعا لذلك وفي ضوء هذه النظر ، أطن أننا نعيش نهاية فترة حكم ولد عبد العزيز والأيام القليلة القادمة ستحدد ذلك ، قد يأتي في تصريحات الرئيس ليلة الأربعاء ما ينافي كل ذلك وما يفاقم الأزمة ليعجل النهاية ، والكرة الآن في مرماه إن سلم من مؤامرات القادم الذي من الطبيعي جدااا أنه من ثقته الآن. 

باب ولد سيد أحمد لعلي