الغلو والتطرف: خطر يتربص بالعقيدة والمجتمع

جمعة, 10/03/2017 - 12:46

قضية الغلو والتطرف في الدين قضية حديثة  قديمة حيث رافقت الإسلام منذ عصوره المبكرة ، وكانت على الدوام بمثابة التحدي الذي يتربص بالعقيدة وصفائها  وبالأمة ووحدتها، وقد تمكن الغلاة في بعض المحطات التاريخية من إحداث شرخ في جسد المجتمع الإسلامي بأفكارهم المنحرفة التي استقطبت عددا معينا من أبناء الأمة دون وعي ، فاستغلوهم في إحداث الفتنة والتشويش على مبادئ الإسلام السمحاء. وتاريخ الأمة الإسلامية حافل بالأمثلة على المآسي التي تسبب فيها الغلاة والمتطرفون ، إذ لم تسلم من شرهم القرون المزكاة ولا التي بعدها ،  فالخوارج على سبيل المثال الذي خرجوا على الإمام علي ابن ابي طالب كرم الله وجهه بعد اعتناقهم لفكر متطرف كفروا به صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم  وأحدثوا عبره الفتنة وسفكوا الدماء وعبثوا بعقول المغفلين من الناس الذين استدرجوهم بقول الحق الذي يراد به الباطل كما يقول الامام علي كرم الله وجهه معلقا على افكارهم البدعية.

 

واستمر مسلسل الغلو في تاريخ الأمة ، فلم يسلم عصر من العصور من وجود فِرق من فرق الغلاة ، ولم يكن عصرنا الحالي بمنأًى عن هذه الظاهرة ، بل أنها زادت واستفحلت فيه كما لم يحدث في أي عصر سابق ، فظهرت جماعات التكفير المتطرفة مثل "القاعدة" و"داعش" وما في حكمهما، ومارست هذه الجماعات أعمالا إجرامية تجاوزت في بشاعتها ما ارتكبه الخوارج ومن ظهر بعدهم من الغلاة والمتطرفون .

 

وتعزى أسباب تفشي هذه الظاهرة في وقتنا الراهن إلى ثورة المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات التي وفرت أداة سهلة وميسرة للإيقاع بشباب الأمة وغسل أدمغتهم بالفكر المتطرف ، لكن السبب ليس فقط تكنولوجيا الاتصال وإنما أيضا انتشار الجهل وتدني مستوى الوعي وغياب التحصين والوقاية لدى الشباب مما جعل بعضهم يتحول إلى عناصر معادية للمجتمع تزدري عقائده وتحمل السلاح ضده ، قتلا وترويعا دون أي اعتبار لطفل أو امرأة أو شيخ مسن.

 

ونظرا لخطورة الغلو فقد حذر ديننا الإسلامي الحنيف منه في نصوص محكمة من القرآن والسنة ، فالله سبحانه وتعالي يقول في سورة النساء ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ } . وبعد أن حذر من الغلو الذي عليه أهل الكتاب خاطب الأمة المحمدية في سورة البقرة قائلا (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ). أما في الحديث فيقول صلى الله عليه وسلم ("إياكم والغلو في الدين فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين") ويقول أيضا : ( هلك المتنطعون ) قالها ثلاثا . قال الإمام النووي رحمه الله في الشرح الحديث : (المتنطعون ): أي المتعمقون الغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم.

 

ومما تقدم نستطيع القول أن قضية الغلو والتطرف في الدين قضية في غاية الخطورة خاصة وأن الشرع رفضها وحرمها ، والفطرة الإنسانية تلفظها لتنافيها مع طبيعة البشر الذين اوجدهم الله على هذا الكوكب مختلفون في مللهم ونحلهم ، وبالتالي أصبح لزاما على الأمة ان تتصدى لها وان تقف في وجهها حفاظا على العقيدة أولا وعلى المجتمع ثانيا نظرا لتهديدها الكبير لوجوده وتماسكه وتعايشه السلمي مع المجتمعات الأخرى المختلفة معه في الحضارة والثقافة والدين.

 

إن المعركة التي يتعين عللينا كمجتمع إسلامي أن نخوضها بجدية ضد الغلو والتطرف يجب أن تكون معركة مدروسة ومتعددة الأبعاد ، وان تحمل في طياتها كافة الأدوات التي تمكنها من اجتثاث هذا الخطر من جذوره ،  وهذا يتطلب مقاربة شاملة ترتكز على النقاط التالية:

 

أولا : الاستعانة بالعلماء والفقهاء الذين بمقدروهم ان يبينوا للشباب المفاهيم الدينية الصحيحة وأن يعيدوهم إلى جادة الحق ، ونذكر هنا بنجاعة جلسات النصح والحوار الذي قام به علماء موريتانيا مع السجناء السلفيين تحت إشراف الدولة الموريتانية سنة 2010 م ، وأسفر عن إقناع الكثير منهم بالتخلي عن منهج العنف والتكفير.

 

ثانيا : تكثيف البرامج الإرشاد والتوجيه عبر وسائل الإعلام . على أن تتضمن تلك البرامج محاضرات دينية ، وفكرية ، وبرامج تحث على الوحدة ونبذ الكراهية والغلو والتطرف وتقبل الآخر.

 

ثالثا : توجيه برامج تثقيفية وتوعوية نحو طلاب المحاظر ، وإعطائهم دورات في المعلوماتية واللغات المعاصرة ، حتى تتمكن هذه الشريحة من الاندماج والانفتاح على العالم ، وان لا تبقى معزولة أو محصورة فكريا على ما تتلقاه من تعليم محظري.

 

رابعا : إشراك منظمات المجتمع المدني في حملات توعية الشباب نظرا لقدرة هذه المنظمات على التعاطي المباشر مع المجتمع  والتأثير فيه ، ويمكن الإشادة في هذه المجال بما يقوم به "مشروع الوقاية من النزاعات والحوار بين الثقافات" الممول من الاتحاد الاوروبي". حيث أعلن هذا المشروع عن رغبته في التعاون مع منظمات المجتمع المدني الموريتاني للقيام بأنشطة تمكنه من تحقيق أهدافه المتمثلة في حماية المجتمعات الهشة، وخاصة الشباب، من الأخطار الناجمة عن التطرف والعنف الذي أصبح ظاهرة خطيرة على الأمن والاستقرار.

 

 

 

الكاتب : السيد محمودي