موريتانيا على مفترق طرق 2019

اثنين, 06/03/2017 - 09:55

في مقالنا الماضي تساءلنا هل بدأ فعلا العد التنازلي لحكم الرئيس عزيز، على ضوء ما كشفت عنه مقابلته الأخيرة مع قناة تلفزيون فرانس24. لكن الوجه الآخر للتساؤل المطروح بالنسبة لموريتانيا لا يكمن في انتهاء أو استمرار حكم شخص معين، بقدر ما  يتعلق بمعرفة إلى أي مدى يمكن للرئيس عزيز وللنخب الوطنية أن تكون جزءا من الحل أو جزءا من المشكلة بالنسبة لمستقبل البلاد واستقرارها وأمنها القومي، بل ولاستمرارها على الخارطة، ضمن معطيات جيوستراتيجية إقليمية ودولية بالغة التعقيد والخطورة.

 

إن السؤال المحوري الذي يطرح نفسه على النخب الوطنية المدنية منها والعسكرية، سواء في الأغلبية أو في المعارضة، يتعلق أساسا بضرورة التشاور- ولو بالحد الأدنى- حول الضمانات اللازمة لاستقرار موازين الحكم في البلاد والخروج بها نهائيا من الحلقة المفرغة للإنقلابات العسكرية و للديمقراطيات الانتقالية، خاصة بعد اتضاح مواقف أبرز الفاعلين السياسيين في الساحة الوطنية حيال هذه المسألة، حيث أوضح الرئيس عزيز بأن رؤيته لضمان الاستقرار تمر حتما عبر الاستمرار في الحكم عن طريق الدفع بمرشح على طريقة "بوتين/مدفيدف" في روسيا، بينما ترفض المعارضة -بكل أطيافها تقريبا- فكرة توريث الحكم، وتعتبرها سلوكا لا يخدم استقرار البلاد بل سيقوض فرص التداول السلمي للسلطة ويعيق مسار التحول الديمقراطي.

 

فهل سيقدر الرئيس عزيز والنخب الوطنية أهمية المحافظة على الدور المحوري الذي تلعبه موريتانيا حاليا في الترتيبات الجيوستراتيجية الإقليمية، وضرورة تعزيز طموحاتها في المشاركة في مجالات الأمن والتنمية في المنطقة؟

 

هل سيتصرف الرئيس عزيز والنخب الوطنية بالمستوى المطلوب من المسؤولية من أجل ضمان حسن تسيير الموارد المالية التي سيوفرها مستقبلا استغلال مخزونات الغاز البحري -المشتركة مع السنغال والمقدرة بحوالي 20 مليار قدم مربع- من أجل معالجة التفاوت الاجتماعي والطبقي ومكافحة عوامل اللامساواة الهيكلية الاجتماعية والاقتصادية وتحقيق الإنصاف؟ وهل سيحسن اللاعبون التصرف من أجل العمل على ضمان تكيف البلاد مع مخاطر التغير المناخي، خاصة ارتفاع منسوب مياه البحر الذي يهدد على المدى المتوسط جديا العاصمة نواكشوط؟ وكذا التصحر الذي يهدد مناطق داخلية كثيرة من البلاد؟

 

صحيح أن السياسة تعرف بأنها فن إدارة الممكن.. والممكن قد لا تكون له حدود، بما في ذلك إمكانية التعامل مع الشيطان في سبيل تحقيق الأهداف.. ففي مجال السياسة، غالبا ما يستبيح السياسيون كل المحظورات بلا وازع.. يقول "جورج أورويل" بأن السياسيين في العالم كالقرود في الغابة، إذا تشاجروا أفسدوا الزرع، وإذا تصالحوا أكلوا المحصول!

 

وبالتالي، فهل ستتمكن النخب الموريتانية من تجاوز مرضها الطفولي من أجل رسم مستقبل سياسي جديد للبلاد، بشكل يحسم موضوع شرعية الوصول إلى السلطة وتداولها، لصالح التغيير الديمقراطي التعددي والسلمي، بعيدا عن كل أشكال العنف كخيار بديل؟  وبما يضمن استتباب السلم الاجتماعي ويحقق التنمية الشاملة والمتوازنة؟

 

مع نهاية تسعينيات القرن الماضي،  دفعت السياسة بالرئيس ولد الطائع إلى إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل من أجل سحب البساط من تحت أقدام خصومه في الحركات القومية الزنوجية المتطرفة.. فكان له ذلك.. لكن بأي ثمن؟

 

جاء الرئيس عزيز وقطع تلك العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل سنة 2010، واجتهد في معالجة مظلومية الزنوج الأفارقة، لكنه ساعد على خلق مظلومية بديلة هي ما أصبح يعرف بقضية الحراطين، أو الأرقاء السابقين، من خلال دعم حركة إيرا المتطرفة.. لتخرج إيرا عن  الطوق.. في وقت ما.. وتبدأ في التغريد خارج السرب.. ثم ليتضح بعد ذلك بأن إسرائيل الغاضبة على الرئيس ولد عبد العزيز، قد تبنت الورقة من خلال بعض منظمات المجتمع المدني ونشطاء حقوق الإنسان.. و باتت تلعب بها للضغط على الرئيس عزيز وعلى موريتانيا.. حتى أصبح التفكير في إعادة العلاقات مع إسرائيل أمرا واردا في الوقت الراهن كنوع من التعلق بخشبة النجاة بالنسبة لنظام يسعى إلى المزيد من القبول الدولي والإفلات من المساءلة..

 

فهل سيلجأ الرئيس عزيز للسياسة كفن لإدارة الممكن؟ ويعيد التاريخ الموريتاني نفسه؟ خاصة مع تزايد الضائقة المالية للبلاد بسبب انهيار أسعار الحديد، وفشل تسويق المقدرات الاقتصادية للاستثمار الدولي، وانتشار الفساد في قطاعات التعدين والصيد البحري والعقارات، ووصول الدين العمومي إلى أعلى نسبة له خلال التاريخ الموريتاني الحديث، حيث يزيد حاليا على 90 في المائة من الناتج الوطني الخام.

 

منذ أشهر فقط، قام البنك الدولي بتحيين دراسة حول تقييم الثروات العمومية في موريتانيا، كان قد أعدها منتصف سنة 2014، حيث قدرت القيمة التجارية لمجموع الثروات الوطنية في البلاد  بحوالي 60 مليار دولار أمريكي، في وقت استطاعت فيه شركة غوغل الأمريكية وحدها وفي يوم واحد بتاريخ 17 يوليو 2015، تسجيل رقم قياسي لقيمة تداول أسهمها بلغ 65 مليار دولار، رافعا القيمة التجارية الإجمالية للشركة إلى أكثر من 555 مليار دولار، بالمقارنة مع منافستها الرئيسية شركة آيفون، التي بلغت قيمتها سنة 2016 حوالي 530 مليار دولار.

 

لا أحد يستطيع حتى الآن معرفة ما إذا كان كل من الرئيس عزيز وأطياف النخب الوطنية المتصارعة على الزعامة وعلى المصالح الضيقة، سيحسن قراءة  هذه اللحظة التاريخية، وما تنطوي عليه معا من مخاطر مميتة ومن فرص واعدة بالنسبة لمستقبل موريتانيا.

 

لا بد من أن تفهم كل الأطراف بأنه عندما تصطدم القضايا السياسية بالأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد- وما يشاع عن فساد الرئيس عزيز.. وما يقوم به المقربون منه من نهب ممنهج لثروات البلاد وهيمنة كاسحة على مجمل فرص الأعمال- فإن هذا الاصطدام غالبا ما يؤدي إلى توليد مصالح اقتصادية وسياسية متعارضة، وبالتالي تصبح المعركة على توزيع الفرص والموارد تدريجياً جزءاً من لعبة "نحن في مقابل هم". وهذا ما قد يثير شبح انزلاق خطير إلى أتون صراع اجتماعي-اقتصادي على أساس التصدّعات العنصرية والإثنية قد يعصف بالبلاد ويغير الخارطة الجيوسياسية للمنطقة برمتها.

 

محمد المخطار شنقيط

مشروع رؤية موريتانيا 2030

6 مارس 2017