المختار ولد داهي: الإداري المثقف

ثلاثاء, 28/02/2017 - 18:26

 من المهم أن يتوقف المرء بين الفينة والأخرى مع أصحاب الرأي والأعلام الذين أدلوا بدلائهم في إنارة الرأي العام، وأسهموا إسهامات مميزة في خدمة الأمة وتسيير شؤونها...، ونحن – في هذه السطور المتواضعة – نحيي هذه السنة التي اندرست في مجتمعنا أو غابت بفعل البداوة والجهل والحزازات النفسية...

 إن دراسة الأعلام وإنصافهم مؤشر على رقي الأمة وتقدمها...؛ فالأمة التي لا يحظى مفكروها وعلماؤها وأدباؤها وحملة الرأي فيها بالاهتمام والإنصاف والتكريم... هي أمة همجية لا مكان فيها للفكر والعلم والأدب والنبوغ... إن ما أقوم به – في هذه السطور – هو من قبيل القراءة السريعة في إنتاج رجل جدير إنتاجه بالقراءة، والتأمل (السطحي) في تسيير إداري قمين تسييره بالتنويه

 إن ولد داهي السفير والأمين العام المتعدد اللغات صاحب أسلوب سلس وفكر عميق ورأي مستنير يأخذ الفكرة فيتقصاها من أبعادها ويحيط بها من جوانبها ويهتم اهتماما كبيرا بتحليل تجسداتها الاجتماعية وتفاعلها المجتمعي... من آخر ما أبدعه يراع المختار مقال حول "المثقفين الموريتانيين" تناول فيه إشكالية النخبة وما تطرحه من تحد قد يصل إلى ما يمكن تسميته بـ"أزمة وجود" انطلق الكاتب – في هذا المقال – من تعريف للمثقف خلص منه إلى تصنيف المثقفين الموريتانيين في خمس طوائف

 وقبل ذلك كتب صاحبنا مقالا حول النساء الجامعيات تكلم فيه عن أهمية المرأة المتعلمة في النسيج الاجتماعي وفي التنمية بشكل عام... وقدم الكاتب – في هذا المقال – إحصاءات مهمة لتواجد النساء في المراحل التعليمية وفي المناصب القيادية في الدولة...، وعرض تنظيرا على درجة كبيرة من الاستبصار للنهوض بالمرأة لتأخذ مكانتها الريادية خاصة في حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، وقدم لذلك مقترحات عملية أعتقد أنها عالية النجاعة

 ولم يغب الشباب عن اهتمام هذا الإداري المثقف فقد دبج مقالا يثمن فيه دور الشباب ويكشف عن السبل والوسائل الكفيلة بتفعيله والنهوض به وتحقيق آماله وتطلعاته، والقضاء على مشاكله وتبرماته...

 ويتمتع المختار بخاصية تكاد تميزه بين النخب وهي أنه لم ينقطع عن الكتابة وهو في ضجيج المنصب وفي معمعان الممارسة الإدارية، عكس النخب الأخرى ممن يملكون موهبة الكتابة ويسكنهم حنين التواصل مع الجماهير فإنهم ما إن يتسلموا مناصب كبيرة حتى يكسروا أقلامهم ويمزقوا دفاترهم ويملؤوا أفواههم ماء!

 ولهذا الإداري النابغة كتاب قيم بعنوان: (موريتانيا التي لا تغرب عنها شمس المراء السياسي) صادر عن المركز الموريتاني للبحوث والدراسات الإنسانية، وهو عبارة عن مقالات متنوعة جمعها الكاتب من منشوراته في الصحف والمواقع الإليكترونية وقدم لها عبد الله بن سليمان بن الشيخ سيديا بتقديم جاء فيه: <<كما أحث النخب في بلادنا وسائر الديار العربية والإسلامية على الاطلاع على التحليلات والنصائح والتوصيات التي يقدمها هذا الكتاب وعلى أن تأخذها بعين الجد وأن تقودها إلى أن تزيد من اهتمامها بمستقبل الثقافة ومن السهر على جودة تكوين الأجيال الصاعدة وعلى تمتين البناء المؤسسي علما بأن لبنته الأولى هي خلق الشعور لدى الناس كافة بأن الإنصاف ممكن بل مضمون قانونا وممارسة>> (ص: 10)

 وفي هذا الكتاب نجد المختار يكتب بأسلوبه الأخاذ وبتناوله الحصيف تحت عناوين مختلفة منها: "نكبة البيات النخبوي" و"إشارات حذر على طريق الوحدة الوطنية" و"مضاد وطني لتفشي الالتهابات العرقية والحقوقية والشرائحية..." و"الدولة الموريتانية... مسار التفاعلات وملامح المآلات" و"الحوار السياسي الخالص... الطريق الشرعي الممكن والوحيد" و"رسمية اللغة العربية ومكانة اللغة الفرنسية"... إلى غير ذلك من العناوين والمواضيع الهامة التي تناولها المختار في كتابه بذكاء وبصيرة منهجية تستحق الإشادة

 وإذا صرفنا النظر عن المثقف إلى الإداري وجدنا الحكمة والأخلاق والتنظيم والنظافة...، فكل المناصب التي شغلها المختار تشهد له بالكفاءة وحسن التسيير... وتوخي العدالة وحسن المعاملة في التعاطي مع المرؤوسين؛ مما جعلهم يتمسكون له بالمحبة والتقدير والاحترام...

 وليس من باب المجاملة ولا من باب إطلاق الأمور على عواهنها إذا قلت إن المختار ولد داهي يمثل بحق وصدق "القوي الأمين"، فهو قوي حين تحتاج الأمور إلى القوة وأمين في زمان قل فيه المتصفون بالأمانة...

 وإلى جانب تينك الصفتين اللازمتين في كل من يتولى منصبا عاما واللتين امتدح الله بهما أحد أنبيائه في قوله سبحانه: {إن خير من استأجرت القوي الأمين} (القصص الآية: 26) يتصف صاحبنا بتواضع جم وأخلاق سمحة تحببه إلى كل من يقترب منه...

 إن الأخلاق مسألة أساسية ويجب أن تكون معيارا محوريا في اختيار كل من يتولى جانبا من الشأن العام، وكما يقول الشاعر:

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت == فإنهم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

وحقا ما ذهب إليه الآخر في قوله: (ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا...)

 

بقلم: الشيخ ولد باباه اليدالي