السياسة.. ضعف النضج و حدة القيادة /الولي ولد سيدي هيبه

أربعاء, 05/10/2016 - 11:20

في الوقت الذي يفتقد الميدان الشعبي لحراك الأحزاب و فعاليتها تضج مسامع أفراد الأمة  و متابعو الأوساط المهتمة و الإعلامية ببيانات و إعلانات و خطابات زعامات و قيادات هذه الأحزاب و غيرها من التنظيمات في المجتمع المدني نقابات و منظمات حقوقية و المستقلين؛ أصوات غاضبة، مستنكرة و مفندة، و أخرى راضية، ممتنة و مثمنة. حيوية خطابية مؤكدة بكل ما تحمله من مشاعر متناقضة و لكنها خالية من مشروعات التصحيح و التغيير و الدفع إلى الإقلاع من حضيض الواقع إلى آفاق الدولة الديناميكية.

إن جولة سريعة بين التشكيلات السياسية بغثها و سمينها تكشف أول ما تكشف عنه خواءها من أي عقيدة جامعة تضم مثلا و قيما تحدد أهدافا و ترصد مقاصد معلومة و تبين عن قواسم و مسلكيات و ثوابت مشتركة و مواثيق شرف و مساطر أخلاقية مضبوطة؛ خواء تترجمه كثرة الخلافات و غياب الانضباط الحزبي و سرعة الإنزياح عن الخط الجامع و الترحال إن اقتضت المواقف التي تحددها النزعات الفردية الحرة و تحركها الغايات الأنانية إلى دنيا تصاب أو مراتب ترتاد.

و لا بالطبع فإن كل هذه الأحزاب لا تمتلك فضاءات يلتقي فيها الشباب المنخرط داخلها و لا النساء المناضلات و صنوهن  من المناضلين الرجال و لا كذلك المتعاطفون معها و الباحثون عن سبر أغوارها و الاطلاع على برامجها و مدى جديتها و فعاليتها و تأثيرها السياسي و الفكري، و إن كان من ذلك فخجول عند بعضها فلا برامج لها في تلك الفضاءات و لا نشاطات جماهيرية تهذيبية أو توعوية، و لا منشورات تنويرية أو إصدارات تحليلية إخبارية عن كل مجريات الحياة السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية في البلد من زاوية نقدية بناءة و توصيلية تربوية و منهجية.

أما و أحوال هذه الأحزاب و التنظيمات على هذا المستوى من الركود و نضوب الفكر و البعد عن الالتحام بالشعب في أحيائه و قراه و مدنه، و في ميادين شغله، و عند ضعفه و كبواته و الحاجة إلى رفع و إيصال صوته بمطالبه و احتياجاته و تظلماته، فإنها عند رسم دفاتر احتياجات القائمين الأول عليها و المنظرين لتلك المقاصد تنقسم إلى أقسام ثلاثة:

·        أحزاب موالية للنظام الحاكم و مصطفة في إطار الأغلبية التي يقودها الحزب الحاكم تعبر في تفاوت بينها عن احتياجاتها من التعيينات و الحظوة في الوظائف التقديرية على رأس المجالس الإدارية و مؤسسات بشتى المهام و التسميات فيلبى للأقوى و يخفف من تذمر الأدنى إلى حين  يخلص من بوائق الاحتياج،

·        و  لا يختلف الأمر بالنسبة للأحزاب التي تحضر كل مشاورة أو حوار تحت يافطة المعارضة و ما هي بجادة في ذلك تأخذ ثمن ما أعطت من دون قواعد شعبية تبارك أو تشاكس قيادة أحزابها.

·        و أما الأحزاب التي تعارض بقوة الخطاب اللاذع و الحراك باتجاه الخارج ليشهد على صدقية معارضتها و هي لا تقوم عمليا و على أرض الواقع بأي جهد أو هو على الأقل ضعيف يحقق لها الالتحام مع القواعد الشعبية التي تدعي  بأنها تأخذ شرعيتها منها، فإنها في مثل أجواء الحراك السياسي الساخن تجد نفسها في صراعات داخل أقطابها لا تكاد تتفق على موقف موحد أو حتى كلمات بيان مشترك. و هي الاختلافات التي ظلت تعرقل بلورة خطة محل توافق و إجماع الامر الذي ظل يضيع الفرص التي لو استغلت تباعا لخلقت قطبا معارضا يعتمد عليه للوصول إلى مرحلة يقبل فيها التناوب و تصل فيه الديمقراطية مرحلة النضج.

و يبقى العزاء في عدم حصول ذلك و البعد عن فرض واقع أمر سياسي جديد أن الانتقال إلى الديمقراطية  يعتبر مسلسلا حقيقيا للتغيير يتم بواسطته التحول من وضع سياسي إلى آخر يدخل تغييرات على الوضعية الاقتصادية والاجتماعية وعلى المؤسسات القائمة والفاعلين السياسيين. كما يعتبر عملية معقدة وصعبة كشفت التجارب أنها تتطلب تضحيات كبيرة و أنها تسببت في مقاومات وصراعات بين القوى القديمة و الجديدة، وبين مراكز النفوذ وشبكات المصالح بالنوايا الخالصة للإرادات المُقيدة ما يفرض على الأطراف تقديم عدد من التنازلات والتفاوض على مجموعة من التوافقات، الشيئ الذي ما زال من رابع مستحيلات زعاماتنا السياسية المثقلة باعتبارات الماضي النفسية.