أمَّةٌ تَرْفُضُ القَسْوةَ وتَكْرَهُ اللِّينَ!

خميس, 09/09/2021 - 16:32

منذ الاستقلال  تعاقبت أحكامٌ منها المدني ومنهاالعسكري على موريتانيا وتفاوتت الإنطباعات الوطنية بشأنها : من يفضلُ القوّة ومن يريد الوسطَ  وهناك المحايدون لايهمَهم  غلظ الحاكم أم ضعُفَ.

ولأن الأحكام العسكرية مقدّرة عليها القوة سواء تظاهرت بها أم لا يُعابُ عليها الهدوء الزائدُ لأن المخيلة الاجتماعية تحتفظ لها بالغليان.

ونعلم من تاريخ العسكريين عالميا أن قرارارتهم فى الغالب تتّسم بالحسْمِ وعدم ِالقابلية للمراجعة إذ كثيرا ما يعتريها الارتجالُ المصحوب بالوضوح فى الرّأي.

وليس معناه أن الحكم المدني أفضل من العسكري ففى التّاريخ عسكريون بنوا وشيّدوا وتركوا موسوعاتٍ علمية لصالح البشرية.

كما يتميّز أطبّاءُ العسكر فى مجالاتهم ذلك أن فلسفتهم –إن صحّ التعبير –فى التكوين تقتضي المثابرة والجد .

وهنالك مدنيون تلقفتهم الشّعوب طمعا فى الانصاف ومن بعد تخلّت عنهم مرّة عبر ثورات ومرّات في استحقاقاتٍ.

ولأن شعوب العالم الثالث لا تولى أهمية لبرامج المترشحين فالتأثير الحقيقي في الحملات آتٍ من المتنفذين من رجال الأعْمالِ وأركان الدّولة العميقة.

وفي الوقت الذي تتبدّلُ الأحكامُ نشهد مفارقة عجيبة تتمثل فى سعي  الحكّامِ الجُدُدِ إلى القطيعة مع مسْلكِيات الضغْط والقوّة فى النظام الفائتِ أيا كان واصطدامهم برأيٍ عامٍ يرفض اللّينَ ويراه ضعْفا من منطلقِ أن الدّولة تنالُ أبّهتها من صلابتها لا من الكياسة.

هؤلاء منطلِقون من  مذهبٍ شعبيٍ  (يُبْتلَعُ)فيه الحُلْوُ ولذلك يعادون الإلانة ويرون أنها وإن كانت محبوبة لدى الأفراد فغير مقبولة للحكام إذ لا بد فى نظرهم من ترك مسافة بينهم والعامّة وإلا ما كانت العافية ,فالمواطنون من وجهة نظرهم العاميَةِ أيضا لا ينسجمون من دون (العَيْن الحمْرَاءِ) .

وحيث الحاكم له رأي قوّامٌ بسبب العهد الانتخابي ثم بسبب وضع اليد علي القوة العمومية فلا يستساغُ وصفُه باللّين لأن له قدرة بالقوّة يستخمها متى دعت الحاجةُ.

إن وضعا كهذا يُنادي فيه البعضُ للشّدة حريٌ بخلط الأوراق لأنه من جهة يدعم العنفَ اتجاه المواطنين ومن جهة يناقض ملَلَهم من سياسة الحشرفى الزاوية والتضييق على الحياة العامة .

وفى مقام آخر تجد البعضَ يحكي عن قوة شخصية الحاكم وعن ضعفها فى تناقضٍ تام مع معطيات الابستمولاجيا حيث الشخصية والثقافة والحضارة بمعني واحد وإن  كان ثمة بعض الاختلاف  وحيث علميا لا يمكن وصف شخصية ما بالقوة أو الضعف.

ثم إن المطالبين بمزيدٍ من الغلظة ينسون أن كل من يقضي بصنفٍ يقضى بضده ,من يجيد المدح يجيد الهجاء وعليه يكون مُعتمِدُ اللّين قادرا على التّشدُدِ أيضا إن شاء .

أليس من العجب أننا ننعتُ بالضعفِ كلّ من يصدر منه لطفٌ أو تلطفٌ أو لا يهوي  القيل والقال.

ألا نُحْرِجُ الأنظمة برفضنا للضغْط والكبْت والتضييق من جهة ورغبتنا فى إظهار القوة والحسْم من جانب آخر ؟

ننتقد عن عمق الحاكم الذي يظهر الكبرياء ونسخر من من يبدي مرونة وسلاسة فى التعامل وبعض الأحيان نطالبه بأن يكون حازما.

فإذا كان هذا مقبولا من العامة لعلّة محدودية فهمهم فلم نلحظه أيضا لدى النخبة ؟

نحن بهذا نعطي الإنطباع بأننا لا نستحق التقدير والاحترام وأننا نعاني غموضا فى الرؤية الاستراتيجية.

إن المدنية تقتضي احترام النظم والتشريعات وأن تتم الأمور فى هدوء وسكينة لأنه إن عُلِمَ احترام القانون فما فائدة الشّطط ؟

إن الذي علينا القيام به كمواطنين هو أن نطمح لسيادة القانون وتطبيقه بالتساوى على الجميع  وكذلك أن نطلب العدالة فى الترقيات والامتيازات الممنوحة من الدّولة وخضوعها للجدارة .

إن مطالبة البعْض ببسْطِ يد الدّولة من خلال القسوة عملٌ مشينٌ إذ لا قوة فوق قوة القانون الذي وُضع لتنظيم سلوكات النّاس ويمكن تطبيقه وإنفاذه فى سكونٍ بالنظر إلى حتمية التزام الجميع به .

وكي لا نقع فى الجانب الخطإ يتوجب مباركة الحاصل من السّلاسة فى التعامل وأن ندرك أنه مظهرُ عزٍ لا ذلٍ وأن تراكمه وتتاليه أمارة خير بدل طلب التشديد المناقض للحريات العامة المكفولة فى الدستور.

ومع ذلك نعلم أن ثمة مواقع يباحُ فيها بل يُفرض التصرف من خلال الغلظة والفظاظة لكنها محدودة مثل المطلوب من الجندي وقت الحرب وغيرذلك.

ولأنّ اللين به قابلية التحوّل للقوة والقسوة متي دعت الحاجة فهو محمودٌ بينما يصعب الانتقال من القوة إلى اللّين لأن الغلظة عندما تكون سلوكا تسكن صاحبها مطلقا .

ومن دروسنا فى الجامعة حول مخارج الحروف أن نطق حروف الشّدة تحصل معه مشقة لا تكون في غيره  ويسهل الأمر مع الرّخاوة والبينية.

والصواب عندي في هذا الأمر أن نركز مطالباتنا على استتباب العدل بين النّاس والكيلِ لهم بمكيالٍ واحدٍ وأن   يكون الفيصلُ بيننا جميعا هو تطبيق القانون .

على أن ذلك صعب الحصول لكنه يتحقق شيئا فشيئا بإرادة المواطن والحاكم معا من خلال نشر الوعي بالمصلحة العامة وبأن نكون رحماء فيما بيننا وأشدّاء فقط مع الذين معتقدُهم أن الوطن لهم وحدهم .

كأن المنادين ‘بالاشتداد’ يناقضون سليم الرأي وبدلا من السّير فى الاتجاه الصّحيح يركبون مناهج قذرة تخلت عنها حتى الألويات بكافة ألوانها :الحمْراء وغيرها.

لا أُخفى كما لا يخفى على الغير أن البلد بسبب الجغرافيا والمقدرات محط الأنظار وأن الحكمة والمصلحة العامة تكمنان فى إبقائه فى هدوء كي لا نفتح أي مجال أوفرصة للمتربصين ليُدخلوه متاهاتٍ لا منْفذَ منها.

إن المطالبة بالمزيد من التشدّد وأنه ضروري لبلوغ برّ الأمان إضافة إلى غرابته أقل ما يقال عنه أنه عجيبٌ!

أدام الله عافيته على الجميع...

محمد يحيي ولد العبقري