قاهر النهر.. دون كيشوت الغرب الإفريقي

ثلاثاء, 24/01/2017 - 13:35

في الثاني والعشرين من يوليو عام 1994 اعتلى الملازم الأول يحيى عبد العزيز جامح، أو جامع سدة الحكم في غامبيا.. تختلف الروايات التعريبية لإسم أحد أكثر قادة إفريقيا الغربية إثارة للجدل.

الحق أنه جامح الخيال والغرابة وجامع لهما.. والإسم في الغالب منطوق في اللغات المحلية الغامبية بـ«جامي».

على ضفتي لسان نهري صغير تتمدد غامبيا في ذقن الخارطة الإفريقية غربا كلسان دخان يخترق السنغال إلى العمق قادما من جهة الغرب. كم أورثت الخرائط الاستعمارية في إفريقيا من الغرائب والثارات ما لا يحصى، حتى ذهب المأخوذون بنظرية المؤامرة إلى أن الاستعمار شكل أنماطا مختلطة العرقيات والثقافات والأديان عن عمد، أما فلاسفة السياسة فيردون كل ذلك إلى الصدفة المحضة.. مهما يكن، كتبت الأقدار على غامبيا أن تكون مشكلة من قبائل وعرقيات بعضها مجهري، وغالبيتها من الماندينغ المنتشرين في شريط يتوسط المجابات الكبرى لغاية النيجر، والجولا والفولان ثم الولوف الذين سادت لغتهم دولة الطوق، السنغال، رغم أنهم ليسوا أكبر قبائل الإقليم.. استوطنت جميع هذه القبائل وغيرها ضفتي نهر غامبيا الذي ينبع حقيقة من غينيا كوناكري ليصب في اقتران غامبيا والمحيط الأطلسي.

قبل الدولة كانت غامبيا تتبع لعرش المملكة المتحدة، فهي بالأساس نقطة وجود وتحكم بريطانية ضئيلة كحبة خال في خد من المستعمرات الفرنسية التي لا يضايقها إلا وجود إسباني محدود أو برتغالي نادر، يقول بعض المؤرخين إن وجود بريطانيا في هذه النقطة لم يكن لسبب أكثر من إثبات مقولة "المملكة التي لا تغيب عنها الشمس" وتقول اتفاقية فرساي في القرن الثامن عشر التي تم تقسيم المنطقة انطلاقا منها، تقول غير ذلك.

نالت غامبيا الصغيرة استقلالا غير مطلق لتصبح مملكة دستورية تعلو عرشها الملكة إليزابيث الثانية، قبل أن تصبح جمهورية عام 1970 بعد استفتاء عام ليرأسها داوودا جاوارا، الجراح البيطري الذي كان لتوه رئيس وزراء يظله العرش البريطاني، جاوارا تخرج من ليفربول متشبعا بثقافة إنجليزية رفيعة وطبع هادئ مسالم، ذلك طبع غامبي خالص.

قدر غامبيا أن لا تكون انقلاباتها إلا في سابع أشهر السنة، يوليو تموز، فقد كانت محاولة انقلاب التاسع والعشرين من يوليو 1981 الفاشلة، واحدة من أهم مراحل التاريخ السياسي الحديث لهذه الجمهورية.. كان جاوارا حينها يترنح تحت ضغط سياسي شديد، أبرز معاونيه متهمون بالفساد والارتشاء، والشارع غاضب بفعل سوء الوضع الاقتصادي لجمهورية طوت للتو صفحة العقد الأول من تاريخ الاستقلال التام.. قاد صمبا سانغيانغ السياسي الماركسي المعارض محاولة انقلاب شاركت فيها وحدات من الجيش الغامبي المحدود العدد، وفصائل من حزب العمال الذي اعتبر نفسه في مرحلة من المراحل وريث لينين الوحيد في أقصى غرب إفريقيا السمراء. غير أن محاولة الانقلاب هذه آلت إلى الفشل بعد أن استنجد داوودا جاوارا بالسنغال التي نشرت فوراً نحو ألفي جندي لتثبيت أركان النظام الغامبي ونجحت فعلا في إفشال محاولة الانقلاب.. أيامها سقط ما لا يقل عن ستمائة قتيل بين الجيش السنغالي والانقلابيين وضحايا مدنيين في أقل من شهر، وعاد جاورا أقل قوة.

لذلك ربما بات الرئيس العائد لتوه من زفاف أمير ويلز، الأمير تشارلز على خالدة الذكر الأميرة ديانا سبنسر، لذلك بات جاوارا مكرها وفق كثير من المصادر على الانخراط في مشروع اتحاد كونفدرالي بين السنغال وغامبيا، سمي حينها اتحاد سينيغامبي. تنازل داوودا بموجبه وربما بموجب جميل السنغال، تنازل عن كرسي الرئاسة لعبدو ديوف الرئيس السنغالي ليكتفي بالبقاء نائبا له في الاتحاد.

بدا أن جاوارا أخذ يقتنع بعدم انسجام هذا الاتحاد السينغامبي، لكنه لأسباب كثيرة من بينها الخوف من مؤسسة الجيش الآخذة في التطور قبل بهذا الشكل مرحليا، فقد كانت معاهدات ونصوص الاتحاد تنص على حل الجيش الغامبي وإنشاء جيش مشترك جديد، مؤسس على عقيدة لا ترى محيدا عن الدولة الواحدة.. لم يرق الأمر كثيرا للغامبيين، ولم يرق أكثر لبعض سياسيي السنغال لخشيتهم أن تقوم بذور الانقلاب الغامبي داخل مؤسسة الجيش المشترك فينقض على الحكم في دولتين إحداهما (السنغال) لم تشهد قط انقلابا في تاريخها السياسي.

لم يعمر الاتحاد طويلا، فقد عادت الجمهوريتان إلى سابق عهدهما، مستقلتين عن بعضهما بعضاً في عام 1989، وخرجت غامبيا أكثر استفادة من الاتحاد، إذ شهدت تحسنا كبيرا في نواحي التخطيط وبناء أسس اقتصادية، زادت احتياطات النقد الأجنبي وتحسنت المعطيات الدولية.. لكن الجانب السياسي ظل أقرب إلى التأزم، خاصة وأن واحدة من حجج الانخراط في الشكل الاتحادي هي إرساء الاستقرار السياسي، ما جعل السنغال تلعب طويلا ورقة المتورطين في محاولة انقلاب 81 وتوظفها في تثبيت اتفاقات الكونفدرالية، لتصطدم أخيرا بجملة عوامل من بينها تفضيل داوودا جاوارا فتح صفحة مصالحات عامة وخوفه من أن يكون قد قام بيديه بوضع نهاية خاملة لمستقبله السياسي.. لعله تذكر بعد انهيار الاتحاد بخمس سنين كل ذلك، ومن يدري، ربما خالج خاطره الندم بعد أن اعتلى ملازم أول جسور سدة الحكم، حادا في خطابه، مستدعيا ما لديه من مفردات للثناء على الله، ثم تمجيد الأمة الغامبية ولعن أعدائها. لم يكن هذا الملازم سوى يحيى عبد العزيز، الجامح.

ككل عسكر إفريقيا، تحلل جامي بعد عامين من بزته العسكرية وارتدى، كمن يريد التطهر، جلباباً أبيض من رأسه إلى أخمص قدميه.. ثم كان لزاما عليه مع الوقت أن يعيد لغرابة قادة القارة ألقهم، فما فارقته عصاه، ومن ثم مسبحته، وفي يمينه مصحف ظل ملوحا به حتى آخر لقطة نالها منه مصور صحفي عند سلم طائرة المنفى.

عهد جامي بلغ 22 عاما، حكم فيها هذا الشريط الغائر في جسد السنغال بالحديد والنار، أعدم دون أدنى تردد معارضيه، بعضهم حتى اختفى هكذا كجرم سماوي صغير في ليل بانجول الكحيل.. آخرون اعتقلوا وعذبوا طويلا، منهم من خرج بإعاقات جسدية ومنهم من فرّ لاجئا هاربا إلى الخارج خوفا من آلة البطش التي مكن لها جامي بل وأدارها بكل تفاصيلها تقريبا.

رغم الشبه الكبير حد التماهي بين يحيى جامي والعقيد الليبي الراحل معمر القذافي، إلا أنهما بلغا في آخر عهد القذافي حد التنافر والخصام.. لدرجة أن القذافي عندما حاول استعطاف جامي ليطلق سراح إمام مسجد متهم بـ"الهرطقة السياسية"، لم يتردد جامي في إعدامه على الفور.

غير أن درجات التشابه الكبير حملت أحيانا اختلافات طفيفة، فلم يحدث أن تخلى القذافي عن لقب من ألقابه الشهيرة والطويلة، بينما كان جامي أكثر تواضعا في بعض الأحيان.. إذ لم يلبث مثلا أن تخلى عن لقب "قاهر النهر" بعد أربعة أشهر من إدراجه في ألقابه الرسمية، ليغدو اسمه: فخامة الرئيس الحاج الدكتور البروفيسور الشيخ يحيى عبد العزيز جامي.. فقط.

كان جامي بغرابة أطواره وربما بتقمصه أدوارا وأشكالا لا تناسبه ولا تناسب دولته دون كيشوتيا، حتى تعدت شهرته الآفاق أكثر من بلده الصغير ذي المليوني نسمة، تماما كما فاقت شهرة شخصية دون كيشوت كاتبها الإسباني ميغيل دي سرفانتس.

ولئن بدا جامي غريب الأطوار حتى من خلال إدخاله نفسه وبلاده في قائمة النكات الدولية في العصر الحديث، كإعلانه اختراع دواء لمرض الإيدز (تردد أنه أعدم كل من نفى أنه شفي على يده)، أو تحويل البلد إلى جمهورية إسلامية واعتماده اللغة العربية لشعب ليست من بين لغاته المنطوقة، لئن بدا كذلك، إلا أن بعض أفعاله السياسية كانت مدروسة أحيانا خاصة تلك المتصلة بعلاقاته الإقليمية والدولية، إذ لم تشغله السياسة المحلية، ولا المعارضون المنتشرون في الأرجاء عن التجديد لنفسه بسهولة رئيسا لغامبيا حتى خرج على شعبه والعالم ذات مساء دافئ ليقول: سأحكم غامبيا لمليار عام.

أما عن سياسته الإقليمية فلم يتوثب جامي مستعديا ومستفزا دولة كما فعل مع السنغال التي تحيط بغامبيا من كل جانب باستثناء البحر، إذ اعتبر جامي ويعتبر أن كل مؤامرات الخارج مدارة من داكار، ولطالما اعتقل وسجن سينغاليين عابرين أو مقيمين في بلده، بعضهم اعتقل متهما بسرقات بسيطة، وآخرون قال جامي إنهم جواسيس.. وفي حال قال جامي بجوسسة متهم، فإن أجله المحتوم موشك.

في المقابل بنى الحاج الدكتور البروفيسور علاقة جد وطيدة مع موريتانيا فهم جيدا حاجتها فيها إلى حليف مضمون يؤمن التوازن الإقليمي مع السنغال جارها الجنوبي، وعدوه الأبدي، فكان اتفاق المصالح بين بانجول ونواكشوط أكثر عهد حفظه وحافظ عليه الطرفان على مدى سنوات حكم جامي وحتى آخر ثانية من حكمه، وهو تفاهم لم يتغير بتغير ساكن القصر الرمادي بنواكشوط، نظرا لعوامل عديدة غير التوازن الإقليمي من بينها الجالية الموريتانية الكبيرة ذات رؤوس الأموال المهمة في غامبيا، والتي تعتبر دون أدنى مبالغة الشريان الأهم للاقتصاد الغامبي حتى اليوم، من موردين وتجار فضلا عن واحد من أنشط البنوك التجارية. وقد كان لموريتانيا أن جربت خسارة أهم جالياتها لرؤوس أموالها في توتر دام مع السنغال عام 1989.

وبالإضافة للثقل الذي لعبه جامي ولعبته نواكشوط، فإن واحدا من أهم الأدوار التي قامت بها السفارة الموريتانية في بانجول كانت دعم وتسليح وإمداد متمردي إقليم كازمانس السنغالي المطالبين بالانفصال، ولعل جامي الذي طالما عشق استفزاز جاره كان أكثر الفرحين بهذا التصرف الموريتاني المؤسس على رد فعل صريح بعد أن قامت داكار بتسليح ودعم حركة الزنوج الموريتانيين الأفارقة "افلام" في جذوة أيامها الأولى يوم غنت على الانفصال.. لا يخامر الشك كثيرا من سياسيي تلك الحقبة أن السنغال على محدودية قدراتها نظرت وتنظر على الدوام إلى الضفة الموريتانية من النهر بعين الطمع، رغم ضعف قدراتها (العسكرية مثلا) مقارنة بنواكشوط.

لذا لم يتردد يحيى جامي أبدا في تقديم الضغط الذي تحتاجه موريتانيا في أي فترة على السنغال، كما لم تتردد نواكشوط في دعم جامي وتغطيته سياسيا حتى مع السنغال، بل لم تتردد أحيانا كثيرة في ملء جيب جامي العريض، وبعض بنود موازناته بما تيسر من مال في أوقات العسرة، ثم توسعت دوائر التعاون بعد قرار جامي الخروج من مجموعة الكومنولث لتشمل إشرافا عسكريا موريتانياً على تكوين بعض كبار الضباط الغامبيين في مدرسة الأركان بانواكشوط والضباط المبتدئين في الأكاديمية العسكرية بأطار شمالي موريتانيا رغم أن التكوين الأساس للغامبيين إنجليزي وليس فرانكفونيا.. وهذا واحد من مؤشرات كثيرة على قوة الرباط الذي تمسك به نواكشوط وبانجول.

وضع جامي الكومنولث والجنائية الدولية، ومن بعدهما المجتمع الغربي في خانة العدو، وضعهم مباشرة في المرتبة الثانية بعد السنغال التي صبرت كثيرا على استعذابه لدماء مواطنيها، ومزاجيته في التعامل معها، كيف لا ومزاج جامي قد يقرر ما إذا كان سكان شمالي السنغال سيعبرون منطقة بيركاما المتعرجة ماخرين أرض غامبيا نحو جنوبي بلادهم، وكم كان مزاجه عكرا فقرر إغلاق الطريق.

لم يخل عهد قاهر النهر من هزات ومحاولات انقلاب، غير أن كل تلك المحاولات باءت بالفشل حتى اقتنع الناس أن الرجل استعان بضروب الشعوذة حفاظا على كرسيه. غير أن واقع الأمر هو أن نواكشوط في أغلب الأحوال كانت تمد جامي بالعون العسكري في كل محاولة انقلاب، وأشهر تلك النماذج محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2006 يوم كان جامي يمازح -وهو صاحب نكتة- رئيس المجلس العسكري الانتقالي في موريتانيا إعلي ولد محمد فال خلال حفل عشاء رسمي في نواكشوط، فقطعت نكاته أنباء محاولة انقلابية حكم عليها بالفشل في نفس الليلة، إذ تقول مصادر إن طائرة موريتانية وعلى متنها مفرزة عسكرية موريتانية أنهت كل شيء في غضون ساعات.

السنغال متهم دائم لدى جامي، ورغم أن لها مطامع واضحة في غامبيا وفق كثيرين، أشهر أدلتها محاولة فرض الاتحاد في الثمانينيات، إلا أنها كانت جد صبورة إزاء ما قام به جامي بغض النظر عن تورطها من عدمه في محاولات خلعه.

أقدار الحكام في عالم اليوم تبعث على التفكر.. نعم، ها هو ذا جامي يصرع بصناديق الاقتراع التي لم تخلفه من قبل موعدا أمام سياسي بسيط اتحدت خلفه المعارضة كان حارسا أمنيا في بريطانيا أيام الدراسة.

لم تغن عن جامي عصاه شيئا، كانت كعصي سحرة فرعون، متلاشية أمام عصا الحقيقة. لعل الدهشة وحدها ساقت جامي من هول المشهد إلى المبادرة بالاعتراف بالنتيجة على شاشات التلفزيون.. ثم ما لبث أن عاد جامي الحقيقي، قاهر النهر، ليخرج من هستيريا الديموقراطية التي لا تناسبه تلك، ليطعن في نتائج الانتخابات وفي نيات المرشح الفائز.

لم تترد داكار للحظة عندما لاحت بوارق انتهاء عصر الحاج الدكتور في الاندفاع نحو إنهاء حقبته بأسرع ما يمكن، حتى كأنها لم تقدر للحظة عاقبة الاندفاع، وقف من خلفها في ذلك فعليا الرئيس النيجيري بخاري محمد، ويعلم أبناء الغرب الإفريقي صلة الارتباط القبلي التي تجمع الرؤساء الثلاثة الغامبي المنتخب آداما بارو، والسنغالي ماكي صال، والنيجيري بخاري محمد.

من نافلة القول هنا أن قبيلة الفولان واحدة من أكبر قبائل إفريقيا المنتشرة بكثرة بين عدة دول، وقد كان لهذه القبيلة قبل قرون ألق السلطة ووهج المجد، ثم أتى عليها الزمن كما يأتي اليوم على جامي، حتى سنوات قريبة لم يكن في إفريقيا حاكم واحد من أبناء هذه القبيلة.. وكانت تنظر للأمور من هذه الزاوية.

في ظاهر الأمر تبدو المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا اليوم كمن يتخذ القرار ويدعم الشرعية، لكن يقول محللون إن الأمر في واقعه غطاء سياسي تجده السنغال الأكثر مناسبة لتبرير الفعل السريع.. وربما ليتفرق دم جامي (السياسي على الأقل) بين القبائل..

في الثواني الأخيرة ظهر أن نواكشوط لم تقبل التفريط في حليفها.. وهذا الحليف العنيد الذي جاءه قبل شهرين فقط عرض سخي من واحدة من كبريات دول إفريقيا وأكثرها نفوذا، وتم الضغط عليه على مدى أسبوعين لقبوله والبقاء بماله في غامبيا متماً أعوامه المليار فرفض، أقنعه الرئيس الموريتاني في لقاء من ربع ساعة بترك كرسي الحكم فوافق دون كثير نقاش.

لغة الغامبيين في غالبها أقرب إلى الأدب، لهم استعارات جميلة، وغذت حواسهم الأدبية تلك الصورة الخالدة لجامي وهو يمشي كطاووس تقدم في العمر على البساط الأحمر مغادرا البلاد في رحلة ذات اتجاه واحد، هو المنفى الاختياري بغينيا الاستوائية .. كتبوا، ودونوا، ورقصوا.. وبكوا، لعل بعضا منهم بكى اتعاظا من مشهد ما خاله ممكنا، دون أن ينفي ذلك أن لجامي أنصاره ومواليه وأبناء عمومته وفيري العدد.

سيبقى لجامي الذي يعتقد بأنه رحل بكل مال الدولة، أو هذا ما أشار إليه أحد معاوني بارو، سيبقى له أثره وبعده القوي في المجتمع والتاريخ الغامبي، ولا يستبعد قطاع واسع من الغامبيين أن يبقى مؤثرا بل وقويا في سياسة البلاد وخاصة أن اندفاع السنغال خلف آداما بارو وتسليم الأخير نفسه وقراره بيد دكار أمر لن يعجب بحال نواكشوط التي تمتلك كثيرا من أدوات الفعل والتأثير، ولا يبدو أنها إلى جانب حلفاء آخرين ترضى بأن تقصى في غمضة عين من عمق استراتيجي استثمرت فيه كثيرا وتعتقد أنها الأحق بالحفاظ عليه.

لا يبدو أيضا أن جامي رحل مطلقا، فهذا آداما بارو يمانع دخول قصره أو مقابلة قادة جنده دون أن تتأكد السنغال من أن الجند ثقات، وأن القصر لا سحر فيه.. من عجب الدنيا أن تفتح قصور الرئاسة لمن اختاره الناس فتمنعه عنها عادات إفريقيا وخزعبلاتها وشعوذتها. بيد أن بارو متأكد حتى بعد أن يدخل القصر أن به سحرا، سحر خلق بسببه دون كيشوت/ جامي الأساطير حول نفسه حتى يبقى متماً للمليار عام.

RT