قانون العنف ضد "النوع"...؛ عندما تكون الحاكمية لغير الله

أربعاء, 11/01/2017 - 18:01

 في البداية أسارع إلي القول بأنه في المنظور الإسلامي لا يمكن للمسلم أن يتلقى  تشريعا يمس أي جانب من جوانب حياته إلا من الله سبحانه وتعالى المشرع الأجدر والأوحد الذي له {الأمر من قبل ومن بعد} (الروم: 4) {له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم...} (القصص: 70) {يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها} (سبأ: 2) جل في علاه يعلم ظواهر الأشياء وبواطنها ومصائرها ومآلاتها... يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون...

 اسمحوا لي لست في معرض تقديم درس في العقيدة، ولكنني أردت أن أبين حقيقة جوهرية ولعلها مما يعلم من الدين بالضرورة، وهي – في الواقع – تلامس – بقوة – الموضوع الذي أتحدث عنه في هذه السطور

 أريد أن أقول لسلطتنا التشريعية الموقرة أن عليها أن تعي هذه الحقيقة وأن تضعها نصب عينها كلما عرض عليها "مشروع قانون" ما، وهذا – في اعتقادي – كفيل بأن يجعل فرائصها ترتعد خوفا من الله إذا كانت تؤمن به وتؤمن بيوم عنده كألف سنة مما تعد!

 كان الإمام الشافعي رضي الله عنه في حلقته يفتي ويدرس فجاءه رجل فسأله عن مسألة فأفتاه الإمام الشافعي بحديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الرجل: وما رأيك أنت فيها يا إمام؟ فاحمر وجه الإمام وتغيرت ملامحه من شدة الغضب وصاح في وجه الرجل: ثكلتك أمك وهل للشافعي رأي بعد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!

 يا ليت لنا قوما فيهم نسبة – ولو ضئيلة – من حساسية هذا الإمام الورع العارف الشافعي عليه رضوان الله تحت قبة البرلمان، إنني أقترح فيمن يتم اعتماد ترشحهم أعضاء في هذه السلطة الموقرة توفر شرطين لا غنى عنهما:

 الأول: رصيد معرفي يمكن من أداء الواجب، ومزاولة الدور التشريعي على نحو لا يتصادم مع الشرع، ولا يثير الحساسية الأخلاقية للمجتمع...

 الثاني: الحصول على تزكية أخلاقية من جهة مبرزة لا تجامل ولا تحابي، وإنما يهمها وجه الله والدار الآخرة، وإشاعة الوازع الديني والأخلاقي في المجتمع، ولا أخفيكم سرا إذا قلت إن ذلك مطلب عسير، ولكن لا مناص منه لمن يريد الخير والإصلاح...

 إن تلك انطباعات سريعة أثارها فيّ مشروع هذا القانون الجديد الذي يتسمى بقانون العنف ضد "النوع"، وهو – في الحقيقة – أثار ضجة كبيرة أعتقد أنها كان مبالغا فيها؛ فالقانون يشتمل على نيف وسبعين مادة دارت في معظمها حول حماية أعراض النساء وصيانة شرفهن وكرامتهن... وهو – لعمري – مطلب لا يمكن لأي جهة أن تكون أسبق فيه من الشريعة الإسلامية؛ حيث إن هذه الأخيرة إنما جاءت لحفظ الأنفس والأعراض والأموال...

 إن المرأة – في المنظور الإسلامي – درة نفيسة يجب أن تصان ويجب أن تقطع كل يد تمتد إليها؛ لتجرحها في عفتها وفي عرضها الذي هو شرفها وكرامتها...، وكما يرى المثل الحساني فالنساء هن <<اعمائم الاجواد ونعايل الاكلاب>>

 إننا نشد على يد المشرع الموريتاني في أي خطوة يخطوها في هذا الاتجاه... اتجاه العفة والصيانة... ومحاربة الرذيلة... ولكننا – في نفس الوقت – نقف كالجبال الراسيات في وجه أي اعتداء على حق من حقوق الله...

 عندما تكون هناك عقوبة مقررة سلفا من قبل الله في جريمة من الجرائم فلا يسع أي جهة أخرى أن تقدم عقوبة مغايرة خاصة في مجتمع مسلم...

 لقد قرأت هذا المشروع القانوني ذي النيف والسبعين مادة، وكنت على وشك أن أسجل إعجابي به لولا اشتماله على أربع مواد اثنتين منها تضمنت مخالفة صريحة للشريعة الإسلامية وتينك هما المادتان: 9 و10، الأولى نصت على أن عقوبة الزاني الجلد أو الحبس سنة إذا كان أعزبا، ولا يوجد هذا التخيير في الفقه الإسلامي الذي يرى أن عقوبة الزاني غير المحصن مائة جلدة مع التغريب، كما أن هذه المادة نصت كذلك على أن الزاني المحصن عقوبته الإعدام جلدا وهذا خطأ فقهي آخر؛ إذ أن عقوبته – حسب الفقه – الإعدام رجما ومن المعروف أن الجلد والرجم مختلفان؛ مما يعني أن هذا القانون بحاجة إلى تدقيق في المصطلحات. أما الثانية فتتكلم على زنا المحارم وترى أن عقوبته الإعدام، والدين الحنيف لا يرى فرقا بين زنا المحارم وزنا غير المحارم...

 والمادتان الأخريان هما المادتان: 18 و19، وهاتان المادتان لا تخالفان الشرع بشكل صريح ولكنها لا ترضيه على أية حال؛ الأولى تتحدث عن الولوج إلى الميراث وترى بأن الزوج إذا تسبب في حرمان زوجته من الميراث تكون عقوبته السجن والتغريم، وفي – الواقع – لا أدري كيف يتسبب الزوج في حرمان زوجته من الميراث حتى تكون عقوبته السجن والتغريم؟ هل يريد المشرع الموريتاني أن يحرم الطلاق؟ إن الشريعة الإسلامية تمنع الزوج من إمضاء الطلاق إذا كان يعاني مرضا مخوفا حتى لا يتسبب في منع الزوجة من الميراث، فهل هذا المعنى هو ما يرمي مشرعنا إلى تأكيده، ربما، لكن لماذا حبس وتغريم هذا المريض المسكين مع أن طلاقه غير نافذ؟

 تلك هي المادة 18 أما أختها 19 فربما أكثر منها خطرا؛ ذلك لأنها تقول بحبس الزوج الذي يمنع زوجته من ممارسة الحريات العامة؛ إذ ربما يكون هناك من يميل إلى التميع في فهم الحريات العامة فيقول بأن خروج الزوجة في الأوقات الحرجة هو من قبيل الحريات العامة... وهو باب واسع يمكن أن يدخل منه دعاة الفتنة والانحراف...

 إضافة إلى أن عنوان القانون فيه ما يمكن أن يقال، وخاصة كلمة "النوع" إذ هي غريبة على مجتمعنا وثقافتنا... ولو استبدلوا هذا العنوان بعنوان آخر يقول: قانون حفظ الأعراض لكان أحسن... 

                                                                             

 بقلم: الشيخ ولد باباه اليدالي