ذكريات: يومها كانت كنوال » قلب الإنسانية

اثنين, 09/01/2017 - 16:25

ليس المنشود هنا، البكاء علي الماضي أو إلقاء اللوم على الحاضر أو التأثير على المستقبل.  بالعكس، يتعلق الأمر فقط إلي تذكير أجيال اليوم والغد أن التاريخ و العلم الاجتماعي، يمكن من قراءة ومعرفة ماضي الإنسانية، والنقش الذي لا يزول عن الحياة السابقة، كما أنه « يمثل مرآة تبحث من خلالها أسئلة الحاضر، عن إجابات أو على الأقل سبلا للتأمل والتفكير ».

 

 

ومن هذا المنظور، يجب الرجوع  إلي خصائص و حيثيات لحياة المشتركة والانتماءات التي كان يتميز بها أهل كنوال و كذلك، تأثيرها على العلاقات الإنسانية

 

والتلاحم الاجتماعي، اللذان فقدا نسبيا، كل معانيهم الإجتماعية في زمننا اليوم.

 

فكنوال لم تكن فقط، بمثابة الموقع الصيفي القديم « لحلة إلإ مارة »، فاستطاعت بجمالها وقيمها أن تكون أكثر روعة من الواحات الأخري كآمدير وتيارت وتيربان و حمدون…الخ.

 

كما أن كنوال لم تكن أول قرية في آدرار، تم فيها (في 1925) إنشاء محطة الطقس، ومولد كهربائي (كمرحلة ممهدة للكهرباء المنزلية)، ومهبط للطائرات وإدخال الدراجات الأولى (الهوائية)، و المصابيح اليدوية والحلوى والزنجبيل والشوكولاته

 

.

 

و علاوة علي ذلك، فُتحت فيها  أول مدرسة للتدريس الحديث (1936) في جميع أنحاء الشمال (بعد بوكي 1905 و بوتلميت 1914) التي كونت معظم رواد ومؤسسي، من العدم ورغم كل الصعاب ، الجمهورية الإسلامية الموريتانية التي تجمعنا اليوم.

 

مدرسة بدأت مهامها الأولي تحت قيادة الفرنسي- الجزائري « نغلي »الذي تلاه سيد محمد ولد ديين (وزير التهذيب والشباب والعمل في عام 1959 ووزير الداخلية في 1961 و الشؤون الخارجية في 1963).

 

 وفي كنوال، كان إنتاج أول فيلم سينمائي موريتاني « ترجيت« ، الذي خلد فيه الشاعر العبقري المرحوم همام افال موريتانيا، حين كانت قوس قزح في الستينات ،  كما سعي فيه الفنان الأسطورة جيش ولد سدوم ولد آبه ( وفرقته الرائعة)  من أجل تطوير الموسيقى برقصات جاكوار، كيرة، بوي يا أعيمر، كج المبرد…الخ.

 

بل كان كنوال اكثر من ذلك بكثير

 

تاريخيا

 

كنوال بمعني « العلية » (حسب البعض، « كنا » تعني في اللغة الأمازيغية مخازن الحبوب)، ظهرت تحت ذلك الاسم قبل نشأة مدينة أطار بكثير

 

ووفقا للرواية الشعبية، التي نقلها المؤرخ ابير بونتي، نشأت كنوال بالتزامن مع تأسيس آزوكي، تيزكين، آكني، معاقل البافور و الصنهاجة سابقا.

 

ففي نهاية القرن السابع عشر(17)، من الألفية الماضية، أسس أبناء  شمس الدين القادمين من شنقيط،  مدينة أطار، بينما استقر إخوتهم من جهة الأب  (الذين لا يعترفون لهم بتلك القرابة)، أولاد إبني، بكنوال، بعد اتفاق مبرم مع القاضي ولد حامني الغلاوي.

 

ميدانيا

 

كانت واحات النخيل التي يستغلها أولاد أبني، بالتعاون مع إخوتهم بالتحالف وأصهارهم من « لخشام » اللمتونيين، تغطي كل المنطقة الممتدة حاليا من وحدة الدرك بأطار شمالا حتى سهل « يغرف » (مصب واد سكليل والوأد لبيظ والباطن) في الجنوب.

 

فكانت أطنان التمور التي تسقط  بفعل الرياح خارج حقول النخيل المترامية الإطراف (ازرايب)،  لأهل أسلامة ولد خيار و أسلامة ولد الشيخ، تعكس جليا ثراء ملاكها.

 

سياسيا

 

  في الوقت الذي يسعي فيه البعض، بإرادة لا تخلو أحيانا من الاعتزاز بالنفس والانحياز، إلي تسليط الضوء علي روايات « المقاومة ضد الاستعمار  » ، يجب  إدراك:

 

- 1. أن جميع الشحنات والمعارك والغارات والحروب التي أطلقها أمراء آدرار السابقين، تم تزويدها عن طريق الحبوب والتمور، والمواشي و ألأسلحة التي تم إنتاجها في كنوال.

 

- 2. أن لأمير سيد احمدولد أحمد ولد سيد أحمد ولد عيدة (الذي

 

شارك في كل المعارك الكبرى ضد المستعمر الفرنسي: تجكجة، آمساك، آماتيل، حمدون، أكصير الطرشان، وادان، والتي تخللها اعتقاله  مرتين، سنة 1912 و سنة 1918 ثم سجنه في سانت لويس، السنغال)، يوم خروجه سنة 1932 إلى المنفى (مهاجرا إلى شمال البلاد)، من أجل مواصلة المقاومة، عقد اجتماع وداعه الأخير في منزل ابراهيم ولد اخليل في كنوال، محاطا بأقرب مستشاريه الذين رافقوه حتى نهاية تيزيكين، عند مدخل تيارت.

 

-  3. أن مدرسة كنوال، قد استخدمت مقرا لإعتقال  نشطاء حزب النهضة المعارض وغيرهم من المتهمين ب »اعمارة النعمة وأطار » ضد الفرنسيين (1960) و بعد ذلك كمخبئ للاجتماعات السرية للكادحين ومناضلي حركات 1968 …..

 

–  4. أن القائد الأعلى الحبيب بورقيبة، الرئيس ألأجنبي ألأول الذي اعترف بموريتانيا ودافع باستماتة من اجل حصولها علي الاستقلال، كان محل استقبال بهيج و كبير في بطحة كنوال، في الزيارة التي قام بها لمدينة أطار سنة 1964، رفقة الرئيس المختار ولد داداه.

 

ثقافيا

 

كنوال كان معقل:

 

- الفقيهة والصالحة اخديجتنه منت ادبيهي الكنتاويه (والدة أهل عابدين)، ذات القدرات الروحية الفريدة والتي مازال ضريحها الموجود قرب تاشوط عند المدخل الجنوبي لكنوال، يستقبل الزائرين

 

- المشهورة ميجة منت آعمرتي، من أولاد أبني، الطبيبة المتخصصة في العلاجات التقليدية، والدة أسرة أهل المغاري العلوي ذائعة الصيت و أم (حسب الأقاويل) لستة أبناء من أب من « تركز »، كلهم علماء في الشريعة الإسلامية و علم الوجود.

 

 ألا تحمل المقبرة الرئيسية في أطار « أولاد ميجه » اسمها؟

 

- العالم سيد محمد ولد المصطفي « كلام آدلكان »، الذي انطق الفاصوليا، فشهدت ببراءة متهم في تكانت، بسرقته وكشف عن هوية من سرقه.

 

- الموقر سيدي محمد الكنتي، حفيد العالم الكبير والمشهور سيد المختار الكنتي والذي مازال منزله صامدا قبالة آكاليت.

 

- النجمة في عصرها، ناصرها الله منت امغيميش، أول فنانة موسيقية موريتانية سجلت (1958) أغاني للإذاعة موريتانيا، والتي كانت تبث أنذاك سان لويس، في السنغال

 

- الذهبي ولد مولاي الزين، من الشرفاء المعروفين كما أن له أيضا قدرات  بهلوانية، أظهر مواهبه الهائلة إثناء السباقات والألعاب البهلوانية على ظهور الجمال، أمام الرئيسين حبيب بورقيبة و المختار ولد داداه وجميع الحاضرين في أطار سنة 1964.

 

- صاحب العدل المعروف ماصا أهلعلي، الشاهد الوحيد المعتمد لدي جميع القضاة في مختلف النزاعات العقارية،

 

- من الفقهاء والأئمة ومعلمي القرآن الكريم (التلاوة والشرح والتفسير) والثقافة العربية (المفردات والكتابة و التصريف والشعر و الإملاء): محمد ولد عبد الودود، ولد أندي، منت ديداه و محمد ولد بابو.

 

موسيقيا

 

 

 

-  كنوال هي أيضا محل إقامة

 

-1.  الموهوب قي موسيقي البيظان حيموده ولد امغيميش، المؤرخ الحقيقي للإمارة، الذي عندما سمع وفاة ألأمير أحمد ولد سيد أحمد،   نزع أسلاك آلته الموسيقية (تدينيت) وكسر صندوقها  ناشدا:

 

عاكب سيد أحمد لا اتشك ….يالهول إنك ملاق….

 

فراق ذاك امعاك هك ….هو يوم الفراق

 

- 2. و أسرة أهل اسيساح النيرة و ذرية  ابادو و نفرو و احمد ديه، التي قضت أياما جميلة في كنوال، كما كانت تشارك في الاحتفالات البهيجة التي يتم إنعاشها في مناسبات عديدة (كالزفاف بين الأعراق بدون عنصرية أو تمييز)، و برقصات « دكداكة »  و عبر الألحان و اشويرات الظل و عبر السهرات الموسيقية المديحية و المسابقات اللغوية و المبارزة الشعرية و مسابقات الرقص والاستعراضات البهلوانية واكتشاف المواهب التي كان آخرها الفريد في نوعه و المحبوب لدي القلوب محمد ولد بوب.

 

حيث الرجال والنساء المعجبين « بالموضة » أنداك  تعيش »سعادة الحياة «

 

-3. و الشعراء الذين  كتبوا اسم كنوال بأحرف من ذهب في الذاكرة الجماعية ك:

 

 الشاذيلي، محمد ولد اشويخ، لعلي ولد الشيخ ، ولد الشيخ الحسن، رمظان ولد اعمر شين، الحاج ولد التيلوميت،

 

مهنيا

 

كنوال كانت تعرف علي وجه الخصوص ب:

 

-4. العبقري  ابراهيم ولد اخليل، « الوزير » الرئيسي والمستشار الفني للأمراء، بفضل ثقافته الواسعة و ذكائه الحاد وفطنته الفائقة  فبذلك، كان أحد الملاك العقاريين الكبار في كل مناطق آدرار.

 

-5. هؤلاء البناءون المتمرسون و مهندسو الحجارة الذين شيدوا جميع المباني الإدارية و العسكرية القديمة بأطار وحتى جزء من القصر الرئاسي في نواكشوط ،

 

-6. هؤلاء السائقين الأوائل من البيظان (ودو ولد البوص، اعل ولد كاي…)، الذين كانوا يزودون مدينة أطار بالإمدادات المجلوبة من سان لويس في السنغال، علي متن  شاحنات النقل « ت.46″، التابعة لشركة النقل الفرنسية « لاكومب وشركائه ».

 

رياضيا

 

كنوال كانت هي الأخرى بمثابة أجواء عفوية، تميزت ببراعة لدي الشباب، بألعاب الرشاقة التقليدية وألعاب العضلات  والمصارعة ورفع الأثقال.

 

ففي هذا الأطار كان أحمد ولد الشاذلي الملقب احميدة هو من أحرز فوزا كبيرا، إثناء تخليد 14 يوليو  1958 في أطار، في  مسابقة الرماية أمام 500 منافس، كلهم من « أهل لمدافع »

 

واستطاع محمد ولد حنبل، الذي مثل موريتانيا سنة 1958 في الألعاب الاولمبية المنظمة في مدغشقر، أن يحتل المرتبة الثانية في سباق 800 متر.

 

كما جاء  محمد ولد اعمرشين (الذي أصبح فيما بعد رجل أعمال)، الأول في سباق الدراجات، في منافسات الاحتفالات المخلدة لعيد الاستقلال سنة 1960 في أطار، أمام سالفو (دركي) و محمد ولد اتلايور (شرطي) ومحمد ولد بونير.

 

- هي أيضا مركز سباق الخيل : « اغزالات البيظ » يوم   »راوانتي » (سباق عند ألاولوف)، بين اركيبه وكنوال (1000 م تقريبا)

 

- وكانت كنوال تعيش أيام « الكلاسيكو » ، بين أفضل الفرسان أنذاك: ولد عابدين وزيد أهل عثمان، حيث حضور الحشود المتحمسة القادمة من مختلف الجهات والتي تتسابق إلي « رك كنوال« ، في أجواء من الرقص والتصفيق و التشجيع اللذي لا يتوقف إلا عند أذان المغرب

 

اجتماعيا

 

وعلاوة علي ذلك، كانت كنوال الموقع الذي اختاره لإقامة الأسر و تملك ألأراضي السادة : الشخصية الرمزية أحمد ولد كركوب (الذي لا تفارقه، حيث ما كان، بندقيته الموضوعة علي كتفه ) و الكارزماتي يحظيه ولد بيروك، « قايد أكليمين » و سائر الجنوب المغربي و الموقر عثمان ولد المختار ولد عيدة و الطيار الذي لا غنى عنه جاك كالوادك ( مدير الديوان العسكري للمختار ولد داداه)  و فاعل الخير عالي انداي والمحسن ماء العينين ولد احمد (والد السيدة الأولي) ، و الماهر بمب ولد يغله و المهيب همدي ولد محمود و البرجوازي إسماعيل ولد اعبيدنه (مدير سوجكو) ،و العقيد  الأمين ولد حمود (أول ضابط في الجمارك الموريتانية) ،  و التجار الكبارمن أولاد بسباع (أهل لعويسي، بوصابوع، بارداس )…الخ

 

كنوال هي من سخرت لعاصمتنا الناشئة، نواكشوط، عمدتها ألأول، في شخصية محمد ولد خيار كما أعطت لقطاع التهذيب الوطني، الوزير الذي أنقذ سنة 1966،  الدولة الوليدة من انهيار عرقي، كان يهدد بشكل خطير كيانها.

 

ونستخلص مما سبق، كما يقول المدرس الروحي الهندي سري ساتيا ساي بابا: « لا توجد غير طائفة واحدة فقط، ألا وهي طائفة الإنسانية« . »

 

وبما أن التاريخ يعني الانفتاح علي الآخر، فعلي الذين يسعون إلي إعادة كتابته، أن يتجاوزوا الانكماش الذاتي وأن يضعوا الحقائق في نصابها الصحيح، سارة كانت أم لا

 

اللهم أرحم موتي و قدمي أهل كنوال وأهل موريتان جميعا  و امدد في أعمار جميع إحياءهم بالصحة و العافية.

 

أطيب التمنيات لعام 2017

 

اعل سالم ولد خيار

 

مترجم من مقال بالفرنسية