فرقد الإصلاح .....

سبت, 18/04/2020 - 16:06

الأسس المنطقية قد تتغير قليلا بزوايا مختلفة حسب الأحوال، غير أن منطق الأشياء عصي على الاختلاف أو التضاد أحرى التضارب.

استدعى هذه الخاطرة أمر إعادة تعيين المفسدين في مناصب حساسة، ومحاولة صرف التوجه العام إلى غير الاتجاه الصحيح، باستهجان ذلك التصرف.

ليس من منطق العقل أن نحاول تغيير نواميس الكون ولا مجريات الأمور بما يختلف مع ضوابط الخير الذي أودعه الله في البشرية، على اختلاف مشاربها ومعتقداتها وتوجهاتها، ولا يمكن ذلك في الأصل؛ حيث من نقطتين مختلفتين يمر خط مستقيم ومستقيم واحد فقط.

في هذا الاتجاه قال بعض المفكرين وفلاسفة الحياة : " إن الفلاح ليس بمالك ولا مستأجر، وإنما هو قن من أقنان الطبقة الظالمة في مجتمعه" يعنى هذا أن الأثر يدل علي تاركه، ويقال في المثل: "البعرة تدل على البعير".

إن الانحسار في الزاوية وعدم الانفتاح يعنى عدم الجدية في التغيير، وإن عدم التمييز بين من يجب الانفتاح عليهم يؤدي إلي إعادة تسخير نفس الوسائل لنفس الغايات، ولنقل بتغير الوجهة، ولكن مع ذلك سنكرر نفس القدر من القدرة على التفاعل، ونفس القدرة علي الإنتاج، ونفس القدرة علي تجاوز المسافات، وفي النهاية لا منتجات جديدة، ولا مسافات قطعت على طريق البناء والنماء ولا في اتجاه الإصلاح بما يجب من القصد والحزم والجزم، اذا سلمنا بسلامة المنطلقات.

صحيح أن التوبة والأوبة يقبلها الله جل في علاه، لكن (السابقة) لها دلالة ولها أثر في الاختيار والتقدير، وبنفس المنطق يأخذ التشريع الجنائي الوضعي - العود – في الظروف المشددة.

وأسأل هنا سؤالا لا أريد له إجابة غير مقنعة، ولا أريد بديهيات، إنما بصدق أود أن يخبرني أحدهم بالقصد من وراء تكرار التجربة، اذا لم تكن مرضية النتائج، وإعادة تكليف المكلف، إذا لم نكن نرضى أداءه في التكاليف الماضية اذا كان قد جرب، وما هي العصا السحرية التى يتغير بها النظام من دون تغيير الوسائل والآليات والخطط، والطواقم البشرية المشرفة على مباشرة تطبيق برنامج الإصلاح والتغيير، ثم هل يكون الإصلاح الا تكامل بين عناصر من أهمها؛ البرامج، الطواقم التنفيذية، الخطط البديلة، مواجهة الأخطار، استغلال الفرص، تشجيع النتائج المرضية، تغير الخطط الفاشلة، واستبدال الطواقم العاجزة وغير ذات الكفاءة؟.

قد يكون رأس النظام بكفاءات عالية، وبصدق منقطع النظير في التوجهات الإصلاحية، ولكن ماهي سبيله إلى ذلك من دون طواقم الإشراف والتيسير.

حياة الناس، أقواتهم، سلامتهم، صحتهم، مناهجهم التعليمية، الفصل بين خصوماتهم،  وتضارب مصالحهم، إقامة التوازن بين مراكزهم حين تستوى مميزاتهم،....لا ينتهى أبدا العجب من القول : إن الرئيس سيقوم بإصلاحات عميقة وهادفة، ومع ذلك يمكن لأدوات الهدم عند سابقه، الا إذا كان يرى أن لديه قدرة على تغير مكامن الأنفس البشرية، والقضاء على نوازع الشر بداخلها، أو يرى أن سبب الهدم الذي تسبب فيه سابقه كان من عمل فردي، أو يرى أن ما كان قبله يسير على الطريق الصحيح.

في  الفرضية الأولى :لا يمكن أبدا تصور ذلك الا من خلال تسليط عقوبات رادعة على  ضحية أو اثنتين تكونان عبرة لمن تسول له نفسه نهج منهج السابق، وعدم الأخذ بالاعتبارات التي كانت تحكم العلاقات مع الموظف من طرف معينه، إذا تأكدت خبرته وقدرته على تأدية ما أنيط به، أو تقزيم دوره حتى الإعدام، بحيث يصبح آلة في يد معينه، وهذا يقتضى خبرات وقدرات خارقة، تمكن الرئيس من القيام بكل شيء لوحده ودون الحاجة الي مساعد، سواء كان مسيرا (وزير) أو مستشارا أو منفذا، إلى غير ذلك من المساعدين، وهو الأمر المستحيل، وإن حدث فلن يسلم من الأخطاء الفادحة، التى تردي كل جهد في سبيل تحقيق المنشود.

في الفرضية الثانية: نكون أمام نسخة من ما كان موجودا، مع تغيير شخوص ومراكز قانونية، لا يؤدى الا إلي استنساخ نسخة قد لا تكون أحسن ولا أكثر رداءة من سابقتها، في محاولة لكسب أكبر وقت ممكن، وتوفيت فرص على الأجيال القادمة، في تأسيس على أسس متينة، والحيلولة دون محاسبة مذنبين، أذنبوا في حقهم ففوتوا عليهم فرصا في التقدم وتحقيق الرخاء.

هل يكون ذلك ممكنا، بل هل يكون منسجما مع نواميس الوجود؟

لا أعتقد أن أي عاقل يتصور مثل هذه التصورات، اللهم إذا كان يعتقد باختلاف رأس السلطة عن صنفه من المخلوقات، ولا أنفي إمكانية ذلك من حيث الأخلاق والتربية والتكوين، الا أن ذلك يبقى مقيدا في حدود الممكن بحيث لا يتصور أن يتجاوزها.

إن الأخلاق تفيد في التعامل مع مختلف الفئات البشرية، وينفع كذلك في ممارسة السلطة، حيث صاحب الأخلاق لن يكون مثل غيره، وأخلاقه ستكون رادعا ذاتيا، يحول دون ارتكاب الكثير من التجاوزات اللاأخلاقية، وتلك التي توصف بأنها محرمات، انطلاقا من الدين والقانون الاجتماعي (الاعراف)، وكذلك القوانين الوضعية.

ستكون الأخلاق جنة بين صاحبها والتردي في قيعان الرذيلة؛ السرقة، خيانة الأمانة، الخداع، الكذب، عدم الوفاء بالتعهدات، لكنها لن تكون درعا واقية من الإخلال بالالتزام، الا إذا صاحبها حزم يدفع صاحبه إلى البحث عن من يشترك معه في الرأى، في التوجهات، وفي الدوافع الذاتية والرقيب الداخلي الأخلاقي ذو الأصول التربوية والدينية، أو على الأقل الخشية من محاكمة المحيط الضيق، أو المحاكمة أمام القانون.

هذه الأخيرة لها علاقة وثيقة بالصرامة والتروي وبعد النظر، ولها علاقة خاصة بالشجاعة، حيث المؤثرات والمغريات والعواطف وحظوظ النفس الأخرى؛ كالمغالبة وحب الشهرة والتعالي، والانفراد بالرأي، إلى غير ذلك مما يكون جنة بين صاحبة والممارسة السليمة، التى تقود في النهاية إلى تحقيق الرفاه للشعوب، وتخلد ذكر القادة، وترفع أفكارهم واقتدار أوطانهم وشعوبهم.

لا أريد أن أخوض في ما يخوض فيه الآخرون اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن الشيء بالشيء يذكر، وقد تذكرت الموضوع بفعل ما يتداوله بعض نشطاء هذا الفضاء ، فأحببت أن أشير.

  

   تأملات عاطل، للباحث: أبي محفوظ