نــــــازلة "الفتـــــيان" / الدهمـــاء ريم

أحد, 02/02/2020 - 12:11

روى الراوي حديثا، رفعه إلى فتيانه، لم يَنفوه ولم يضعِّفوه، وبالتالي أجازوه حين لم يُنكروه ولم يستنكروه.

هذا "اتموليح" الذي رواه الراوي كان تحت بند حق البعض في التساهل في اللفظ لشدة "كَلت لعظام" بينه والدِّين، وهو حق لا تملكه العامة ذات الدين المُعلَّب والتي تُحاسب على خائنة الأعين وما تُخفي الصدور.
الفتيان من المنزَّهين عن سقطات العلمانيين وهفوات الملاحدة، وعلاقتهم بالدين فوق الشبهات التعبيرية،.. لقد أراد الراوي المفتون حماسة تلميعهم في استظراف فسقط في شرك توريطهم.
المروي عنهم، إن جاز منهم في حق المصطفى عليه الصلاة والسلام ما رُويَّ عنهم، فالظاهر أنه لا يجوز منَّا في حقهم غير التماس أحسن المخارج، وإن لم توجد مخارج فعلينا خلقها.

أثبتَ الزمن الوطني تناقض ظاهر النخبة وباطنها، دينية كانت أو سياسية، يكيِّفون رياح هذا الفضاء على هوى أشرعة سفنهم وشريعة أمزجتهم، وكلَّما بصقوا من قيح يتوجَّبُ علينا اعتباره من طيّب الرّضاب.

كل من أخذته الحمية للمصطفى عليه الصلاة والسلام في نازلة "الفتيان"، حشروه في الاحتمالات التالية:
- متعصّب من أيديولوجيا خصيمة للإخوان ويتصيد ما يَرْشح به الإيوان المحاط غالبا بعسر رشح.
- مغالط يريد تعكير مزاج الوقت وإثارة زوبعة في فنجان تغطي على أحداث أهم.
- غوغائي، متسلق للأمواج الفيسية، يشتهي الإبحار في العواصف، ويسقي الحبة لتصبح قبة.
- متسلّط غير بريء يُصفِّي الحساب مع شخصيات رمزية للبعض في وقت معين.

وكل هذا لا يجوز في حق "الفتيان".

ما المطلوب؟
إن حصل صدام بين ما اقتضته "مزحتهم" البينية، وبين إدراك عقولنا لمدلولها علينا أن نتَّهم عقولنا بالنقص والقصور والفشل في استيعاب "موروث تعبيري" تُبيح الممازحة به التطاول على الرسول صلى الله عليه وسلم في استعارات لا تدخل في دائرة الشبهات، مُغلفة بثقافة فوقيَّة مُبرِّرة، تحمل مجازات لغوية محجوزة فقط لشعب الله المنتقَى من "الفتيان".. لا يدركها غيرهم.
ماذا لو صدر من غيركم ما صدر عنكم؟ ...

تناصح الأتباع مع المنتصرين "للفتيان" وكان حظ المستنكرين من نُصحهم تحجيم العقل والاتهام. وكم سمعنا منهم على هذا الفضاء مواويل من الارشاد الدوغمائي المتحجر، ومن السَّب المحظور دوليا، ومن نصبٍ لمحاكم الشوارع الغوغائية وأحيانا لنوازل أقل قدسية وأقل نبلا.
التناقض مُضر بالصحة العقلية، ولا يخدم المصداقية واحترام الذات.

تزداد كمية الكذب والزَّيف والنّفاق من حولنا لنُرضي ونسترضي بعضنا، وهذا عرض لتعفن أخلاقي يستحي الشيطان منه ويستعيذ.

المهاترات ليست غاية ولا يَكْبر بها أحد، وما من مزايد على دين أحد، لكن ما حصل كان تهورا واستهتارا لفظيا، من سوء الحظ أنه خرج للعلن، ولا يمكن التماهي معه أخلاقيا ولا دينيا رغم حظ المعنيين ورصيدهم من الاحترام والتقدير، فالواجب والضمير يقتضي الاستنكار، ومن له حظوة عند المعنيين أو له مصالح معهم، أو بهم، سيكون آخر من يليق به الدفاع عمَّا نقل عنهم.

لا يعرف هذا الفضاء نقاشات ينتصر فيها طرف لحجته بالهدوء والعقل، لأن الحجة غالبا استعلائية متعصبة وذاتية جدا ومُخوِّنة للمُخالف، وتنتهي المناظرات بالخصومات والسَّب والحظر.

اللهم صل وسلم وبارك على رسولك محمد بن عبد الله.