حزم حكومي ضد التمييز العنصري في تونس

أربعاء, 28/12/2016 - 15:02

فتحت حادثة الاعتداء على طالبتين إفريقيتين النقاش مجددا حول ظاهرة التمييز العنصري في تونس.

وخاصة أن تكرار هذه الحوادث لفتت انتباه الحكومة التونسية لاتخاذ إجراءات قانونية تجرم "العنصرية".

وإن التفات الحكومة التونسية إلى هذه الظاهرة، التي استشرت في بلد يعيش فيه اليوم نحو مليون مواطن من أصحاب البشرة السوداء بالإضافة إلى جالية تقدر بـ 10 آلاف من جنسيات إفريقية مختلفة، يأتي على خلفية طعن شاب تونسي طالبتين كونغوليتين، ما تسبب لهما بجروح خطيرة على مستوى الرقبة.

هذه الحادثة أعادت ظاهرة التمييز العنصري إلى واجهة الأحداث في تونس، حيث احتج مئات من الطلبة القادمين من دول إفريقيا جنوب الصحراء الأحد 25 ديسمبر/كانون الأول في العاصمة، تنديدا بمثل هذه الاعتداءات الممنهجة ضدهم.

بلغ السيل الزبى

وفي تصريح إلى RT، أكد رشيد غويتا، رئيس جمعية الطلبة الأفارقة بتونس، أنهم يواجهون اعتداءات عنصرية بشكل يومي، وبالحادث الأخير بلغ السيل الزبى، على حد قوله.

وأضاف أنه كان بإمكان الطلبة الأفارقة مغادرة تونس، لكن في قلوبهم حبا لهذا البلد يمنعهم من الرحيل، مطالبا بإيجاد تسويات لمثل هذه الممارسات التي يتعرض لها الطالب الإفريقي في تونس باستمرار.

من جانبها، شاركت النائب في البرلمان التونسي وعضو البرلمان الإفريقي جميلة دبش الكسيكسي، وهي من التونسيين أصحاب البشرة السوداء، في الوقفة الاحتجاجية المنددة بحادثة الاعتداء على الطالبتين. وأكدت في حديثها إلى RT أن العنصرية موجودة في المجتمع التونسي، وأن حدتها ارتفعت بعد ثورة 14 ينايرر2011.

وطالبت النائب بمكافحة هذه الظاهرة بالتعاون مع المدافعين عن المساواة بين جميع التونسيين رغم إنكار بعضٍ وجودَ هذه الظاهرة لما تمثله من حرج كبير للصورة النمطية السائدة عن تونس، بلد التسامح وتعايش الأقليات.

ووعدت جميلة دبش الكسيكسي بنقل هموم الطلبة المحتجين إلى البرلمان لمناقشتها من أجل تجريم العنصرية بقوانين واضحة لكيلا تتكرر حالات الاعتداء.

قانون تجريم التمييز العنصري

وعلى أثر هذه الحادثة، دعا رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد النواب التونسيين إلى "تعجيل النظر" في مشروع قانون يجرم العنصرية، مشيرا إلى أن المبادرة التشريعية التي أعدها المجتمع المدني وتبناها عدد من النواب هي خطوة حقيقية نحو تجريم أشكال التمييز العنصري كافة.

وطالب الشاهد النواب بضرورة تسريع النظر في تطوير هذه المبادرة التشريعية باتجاه تشديد العقوبات على مرتكبي هذه الجرائم ذات الخلفية العنصرية.

كما دعا إلى وضع استراتيجية تأخذ بعين الاعتبار الجوانب المؤسساتية والقانونية والاجتماعية والثقافية مع ضرورة العمل على تغيير العقليات، وتحقيق تغيير جذري في الواقع التونسي إزاء مسألة التمييز العنصري.

ومنذ منتصف شهر يونيو/حزيران الماضي، سعى حقوقيون للقضاء على هذه الظاهرة عبر مشروع قانون وطرحه على البرلمان، علما أن الدستور التونسي ينص على نبذ أي تمييز على أساس لون البشرة، وتأكيده أن "المواطنين والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات وهم سواء أمام القانون من غير تمييز".

هذا، ويركز المشروع الذي ورد في 36 فصلا على ضرورة وضع برامج تعليمية وتربوية تنطلق من مؤسسات التعليم والتربية والتأهيل. ويختص ذلك بتأهيل المربين حول ثقافة المساواة وعدم التمييز، بالإضافة إلى تأهيل القضاة بشكل مستمر ومعمق لتطوير طرق التعاطي مع القضايا والشكاوى المرفوعة أمامهم والتي ترتبط بالتمييز العنصري.

وعن المسألة، أوضح مسعود الرمضاني، أحد مقدمي مشروع تجريم العنصرية، لـ RT أنه منذ مارس/آذار الماضي قدمت دراسة تكشف تصاعد موجة العنصرية بعد الثورة التونسية، سواء ضد الطلبة الأفارقة من جنوب الصحراء أو على التونسيين أصحاب البشرة السوداء.

وبناء عليه، طرح مشروع قانون يطالب بتجريم الاعتداء المصاحَب بكلام عنصري. وقد تجاوب بعض النواب مع هذا المقترح، لكن التصديق عليه تأخر لأسباب غير معلومة لديه.

وأشار الرمضاني إلى أن الاعتداء الأخير كان القطرة الأخيرة التي أفاضت الكأس، وانتزع اعترافا رسميا من مسؤولين حكوميين بوجود العنصرية بتونس، وهو أمر رآه محدثنا خطوة إيجابية نحو التخلص من هذه العقدة.

أما النائب المؤسس والقيادي في التيار الديمقراطي نزار مخلوف، فقد أكد في تصريحه لـRT   أن الأوان آن لتمرير هذا القانون الذي طرح حسب قوله على المجلس التأسيسي، لكن بعض النواب أنكروا وجود ما يسمى بالعنصرية في تونس، وألغوا المشروع في ذلك الوقت.

الإرث المسكوت عنه

ويستغرب بعضٌ مثل هذه الحوادث العنصرية في بلد يعد من البلدان الإفريقية، لكن حقيقة التمييز العنصري المتغلغل داخل المجتمع التونسي كان متواريا عن الأنظار في بلد يشبهه كثيرون بالمجتمعات الأوروبية، ويكاد يخلو من النزاعات العنصرية.

فقضية التمييز العنصري على أساس اللون في تونس، والاضطهاد العنصري بحق أصحاب البشرة السوداء، ليسا مجرد ادعاءات وهمية، بل هي ظاهرة مبنية على وقائع وحوادث مماثلة لحادثة الاعتداء على الطالبتين الإفريقيتين، آخرها قضية الشابة التونسية صابرين انقوي التي اشتكت من اضطهادها على خلفية بشرتها السوداء، ونعتها بصفات عنصرية توحي بالاحتقار والدونية.

وفي حوادث سابقة، رفض مصلون أداء الصلاة وراء إمام أسود في قابس، جنوب تونس كما خصصت حافلة للسود وحافلة أخرى لأصحاب البشرة البيضاء في المدينة نفسها، فضلا عن أن الزواج يكاد يكون منعدماً بين السود والبيض في تونس، وفي صورة حدوث هذا الزواج النادر، فإنه يؤدي إلى قطيعة بين وجفاء بين العائلات، والأمثلة على هذه كثيرة.

ورغم أن تونس كانت أول بلد عربي يلغي الرق عام 1846، فإن اضطهاد أصحاب البشرة السوداء في تونس ظل شاهدا على استمرار التمييز العنصري. هذا الإرث المخجل للتونسيين باعتراف حكومي قد يتوج بمعاقبة مرتكبيه.