أحمد أبو زهري يكتب: معارك دون كيشوت وهمروجة المستشفى

اثنين, 02/12/2019 - 12:46

هاجت وماجت زعامات فلسطينية حين تنامى إلى أسماعها خبر المستشفى الميداني الأمريكي، فلا تمر ساعة إلا ونتابع تصريحًا أشد من غيره، لقد أصبنا بالذهول من هذه الوطنية الزائدة التي فاضت أخيرًا في غير موضعها، فالخوف من التجسس والحديث عن مهمات أمنية أمريكية إسرائيلية تنطلق من المشفى لا يتوقفان.

 

أتفق معكم تمامًا في هذه الخشية على الساحة الفلسطينية من الاختراق، والخوف من أن يفاجئنا الأمريكان بـ"حروب صليبية" جديدة تنطلق من بين أروقة المشفى، بعمليات يساندها الأسطول الأمريكي في وقت الذروة، ولكن لماذا ظهرت هذه الخشية في غزة وعلى غزة؟! وماذا تقولون في أحوال الضفة الغربية المحتلة بل أهوال التنسيق الأمني؟!

 

أليست أكثر انغماسًا وتورطًا في ساحة العمل الأمني والاستخباراتي مع الاحتلال الإسرائيلي؟!، وهذه ليست مجرد أقاويل أو تخمينات بل هي حقائق موجعة آلمت شعبنا وطعنته في خاصرته، فشباب الضفة هم من يدفعون الثمن من أرواحهم ومن أعمارهم، ومن جراحهم، وكثير منهم يبيت ليلته وهو خائف يترقب.

 

كيف لا وقد اختطف كبار الأسرى المحررين من أمام مقراتكم، ومنفذو العمليات صفتهم (إسرائيل) أمام مسمع ومرأى قواتكم العتيدة، وآخرون من عناوين الضفة اقتيدوا أمام أطفالهم وأنتم تختبئون خلف المكاتب المكيفة دون أن تطلقوا طلقة واحدة تدافعون بها عن عرض إخوانكم وأهليكم، ولم تنتصروا للمناضلين كأمثال مروان البرغوثي، وأحمد سعدات، وحسن يوسف، وعزيز دويك وغيرهم من شامات الضفة الغربية؟!

 

الآن هناك في الساحة رأيان بشأن المستشفى: الأول لأصحاب النيات الطيبة، والآخر يقوده من أدخلت سياساته شعبنا في نفق المفاوضات العبثية، وما زال في حالة التيه، فضلًا عن بعض المغامرات والمواقف الوهمية بقطع العلاقة مع الأمريكان، وفي الوقت ذاته كشف للعيان أمرهم وهم يبقون الاتصالات والمشاورات مع المخابرات الأمريكية، أقول لهؤلاء: إنكم لن تستطيعوا أن تحيكوا هذه الخياطة حياكة صحيحة، لأنكم منحرفون عن جادة الصواب، وغارقون في وحل المصالح والتبعية، وزاهدون في خدمة الوطن.

 

تحركوا وانجدوا أهل الضفة وحرروا بنادقكم بدلًا من تحرير ألسنتكم التي تسلق شعبنا وتنفث سمومها عليه، وغيروا من هذا المسار وارفعوا الظلمات التي أدخلتم شعبنا فيها، فتعزيز صمود شعبنا وتقوية مناعته ليسا بالتصريحات و"الشو" الإعلامي، إنما باتخاذ مواقف أكثر وطنية، وإجراءات حقيقية لإنهاء المعاناة في الضفة قبل غزة.

 

الجميع تضرر من كثير من سياسات السلطة البائسة، وهي تتغول على الأسرى المحررين وتقطع رواتبهم، وتكشف ظهور المطلوبين وتخمد لهيب الانتفاضة، وتتفاخر بإفشال العمليات، وتحترف لغة التنديد والوطن يضيع، وتتلهف إلى لقاء زعماء الكيان الإسرائيلي تلهفًا يهدر الوطنية والكرامة.

 

دعوكم من غزة التي تطاردكم في رؤياكم؛ فلا طاقة لكم بها، ولا برجالها، فطهارتها تعانق السماء، فتذكروا أن المدافع في غزة لم تنطفئ يومًا، والبنادق لم يغب عن فوهاتها رائحة البارود، ورجالها حازمون الأمتعة ومتأهبون، فلو أرادوا أن يخرقوا الجبال لخرقوها وصولًا إلى العدو، فماذا أنتم فاعلون إلا بعضًا مما تحترفونه من معارك دون كيشوت المكشوفة والسخيفة؟!

 

 

ويا عاركم وأنتم تمنعون الدواء عن غزة، وتشاركون في عقابها وحصارها، وتتشدقون عليها بالوطنية، ولكن عزاؤنا -إن لم تطهروا أنفسكم- أن التاريخ سيكتب نهايتكم على هامشه مع سحائب من اللعنات، فلم تبقوا شيئًا من السوء إلا وورطتم به أنفسكم، فغزة ماضية في عزها وأنتم في ذلكم مرتكسون.