اخطاء الماضي ومتطلبات المرحلة

ثلاثاء, 29/01/2019 - 10:15

اليوم وبعد تسمية المرشح ولو بطريقة غير رسمية أرى انه من الضروري ان نقف وقفة تأمل ونسترجع مسار معارضتنا الديمقراطية خلال العقود الأخيرة.

لا شك أن الكثير من المواطنين يظلم المعارضة عندما يتهمها بالعجز عن التغيير فى أنظمة تعد ديمقراطيتها محل شك وتساؤل، لكن ذالك ايضا لايفقدها دورها فى التغيير اللذى هو من بين أمور أخرى مراقبة الحكومة  وتحليل سياساتها واستقراء خطواتها واقتراح برامج وحلول ملائمة.

غير ان   معارضتنا السياسية من التسعينات الى يومنا هاذا مرت بمراحل عدة تجعلنا اليوم بمناسبة حلول  (وقت استغفار المراجعة) نتوقف ونتأمل ونستحضر الشريط لنتبين مكامن التقدم و المطبات اللتى مرت  بها معارضتنا السياسية.

لا أحد يشكك فى أن حزب التكتل كان لوقت قريب هو رمز المعارضة السياسية الخالية من الأدلجة وأن غالب السياسيين اليوم هم من خريجى حزب التكتل وأن الحزب رغم مامورس ضده من الحيف والتزوير والاستهداف البين ظل الى عهد قريب قلعة شامخة يجد فيها كل معارض للنظام نفسه دون أن يكون مرغما على ايديولوجية معينة، سواءا كان ذالك عن طريق اليساريين اوالإسلاميين، وبغض النظر ايضا عن مايراه البعض من مركزية القرار وشخصنته.

لكنه لما أوشك على الإكتمال وكاد ان يجنى ثمار نضال العقدين من الزمن كانت المفاجأة والصدمة كبيرة بالنسبة للحزب  وتناسو  أهله أن الديمقراطية، قبل ان تكون ممارسات عبارة  عن أخلاقيات يجب التحلى بها خصوصا عند المنعرجات والأوقات الصعيبة ولو أنه كان عند حسن الظن واستقبل الهزيمة واعتبر ان ماوصلو اليه هو بحد ذاته مكسبا يجب التمسك به والتطلع الى ماهو أكثر من ذالك لكفانا شر الرجوع الى الانقلابات، لكنه مع الأسف من شدة الصدمة قدر ولم يحسن التقدير،  واستعجل ولم يحسن التدبير فوضع حدا لمسيرة حزبه بموقفه الشهير من إنقلاب 2008. وكانت العقوبة من الناخبين ففى أقل من سنتين تقلصت الشعبية من 47 بالمائة 2007 الى النتيجة المعروفة 2009.

اما حزب تواصل فرغم حداثة الترخيص له كحزب سياسي استطاع ان يخلق لنفسه مكانا بين كبار الاحزاب السياسية فى البلد وكانت له جرأة تحسب له فى الاعتراف بالتقديرات الخاطئة واللتى من بينها المطالبة بالرحيل ومد اليد للنظام.

 

بعدها كان لتواصل الموقف المعروف وهو المشاركة فى انتخابات قاطعتها المعارضة وهو موقف فى ظاهره سليم حيث انهم أرادو استغلال ما أتيح من جو ديمقراطي لوجود منبر يستطيعون من خلاله مراقبة الحكومة وتمرير مايريدون تمريره وهي كذالك خطوة تحسب لهم.  غير أن هاذه المشاركة رفعت من سقف الطموح وجعلتهم يطالبون بزعامة المعارضة رغم إدراكهم   ان قيادة المعارضة تصعب عليهم سياسا وتراكميا مادام التكتل موجود.

لكنهم لتمهيد ذالك  استغلو هفوة وكبوة التكتل فى 2008 احسن استغلال  ولم يتركوها تمر مر الكرام بل استخدمو اعلامهم ماخفى منه وماعلم لتكبير وتهويل زلة التكتل واعترافه بالانقلاب وكان له ما أراد واستطاع ان يحصل  على زعامة المعارضة لكنه لم يضع فى الحسبان حينها انه بإضعاف التكتل يضعف المعارضة السياسية ككل.

اما حصوله على زعامة المعارضة  فقد جعلت  سقف المطالبة له تزداد دون أن يكون الحزب نفسه مؤهلا لذالك على الأقل سياسيا.

فماللذى استطاع تواصل ان ينتزع للمعارضة ويقدمها به؟

وما اللذى جعل الحزب لازال لحد الساعة يفتقد لأطر من المعايير الثقيلة ومن مختلف الشرائح حتى لا يكون مجبرا على التركيز على المحاصصة بدل الكفاءة؟

لماذا يجعلنا اليوم نمل متابعة الجلسات البرلمانية لأننا ندرك مسبقا أن التركيز سيكون على مشاكل الوحدة الوطنية او الفساد بمفهومه العامي؟

لماذا يقبل أن يكون دائما في وضعية المحلل لمايريد النظام وما يسعى إليه دون معرفته حتى؟

لماذا لا تكون له استراتيجية ولو على الامد المتوسط تجعله يستقطب النخبة دون ان يكون المقابل آنى و فور الاستحقاقات الإنتخابية وأن يكون الوجهة لكل معارض مهما كان انتمائه الإيديولوجى؟

أين هي البرامج السياسية والحلول المقنعة؟

إن من يتابع الأوضاع فى موريتانيا يدرك جيدا ان مواقف المعارضة كلها طبعها الاستعجال والتقدير الخاطئ.

 

فالنظام رغم مايؤخذ عليه اليوم من عدم التخطيط ووضع الإستيراتيجيات لعمله الحكومى فإنه استطاع أن يسير عمله السياسى بامتياز. ويجعل المعارضة دائما فى الموقف الحرج.

 

بدءا بسلبها خطابها وتمكينها من كل المناصب الحساسة فى العملية الانتخابية ليلحق بها هزيمة نكراء لم تكن يتوقعها اكثر المتشائمين.

مرورا بجعلهم يقاطعون الانتخابات ويفقدون كل المناصب الانتخابية ،

ونتهاءا بجعلهم يظنون أن المطلوب من الإستفتاء و تغيير الدستور هو الولايات الرئاسية، ليقاطعون الإستفتاء  ويعاقب النظام الشيوخ على فعلتهم دون ان تغير المعارضة اوتبدل فى الأمر شيئا.

إن من لم يستطع أن يقدم برامج وحلول لمعارضة يترأسها فلن يقدم حلولا لوطن بأكمله.

ان المعارضة اليوم فى ظل الترحل والعجز السياسى والنظام فى ظل التناوب مع نفسه سياسيا وعجزه ايضا عن تقديم حلول واستيراتيجيات اقتصادية تأخذ بعين الإعتبار ثروته المنتظرة يجب عليهم أن  يتداعو ولو بعد الإنتخابات الى حوار وشراكة تضمن العبور بالبلد الى بر الأمان وتجنبه مخاطر الثروات الحديثة و يجد فيه الكل نفسه.

محمد عبد الجليل المصطفى