قصة إحدى العجائب الهندسية في إيران عمرها آلاف السنين

اثنين, 25/06/2018 - 12:59

تعود قنوات المياه الأثرية الإيرانية إلى ثلاثة آلاف عام مضت، وقد مثلت حلا عبقريا مستداما لمشكلة شح المياه بتلك البلاد القديمة.

قبل أن تطأ قدماي مدينة أصفهان الإيرانية ذات صيف، شد أنظاري من الطائرة منظر تخاله لصليب يتوسط ما يشبه التلال التي يحفرها النمل أعلى غيرانه وإن بدت كبيرة الحجم، ناهيك عن رموز غامضة كأنها من مخلفات كائن فضائي رحل عن عالمنا. يومها لم أكن قد تجاوزت المراهقة، وما كنت لأتخيل ما يجري تحت سطح تلك الأرض.

على مر العصور قدس أسلافي الإيرانيون شيئا واحدا أكثر من النار - التي اعتبروها منبثقة من الذات الإلهية وفق الديانة الزرادشتية، ديانة إيران القديمة - ألا وهو الماء.

فقد سكنت القبائل الآرية قبل آلاف السنين تلك البلاد الشاسعة ذات التضاريس المتنوعة كما هو الحال اليوم، والتي كانت يومها أيضا رغم ما بها من ثراء تعاني الجفاف، وتعين الإيرانيين القدامى على الحياة في ظل بيئة صعبة وتمهيد الأرض والامتداد طولا وعرضا بحدود عالمهم المعروف.

لقد كان العثور على الماء في تلك البيئة القاحلة الصعبة ومد بساط أخضر وسط القفار ضربا من المحال، غير أنهم توصلوا إلى حل فاعل ودائم لمشكلة شح المياه، إذ لا تتوافر المياه السطحية بسهولة في تلك البقاع، وذلك بابتكار هندسي عرف بـ"الكاريز" عبر مد شبكة قنوات تعود إلى ثلاثة آلاف عام مضت، وقد تضمنتها قائمة اليونيسكو للتراث العالمي لليونيسكو عام 2016 لتظل شاهدة على عبقرية الإيرانيين القدامى.

من التل إلى السهل

تبدأ تلك القنوات كأنفاق جوفية تحمل الماء العذب من منابع فوق رُبى جبلية إلى أن شُقت عين بسهل منخفض لخدمة أغراض الري - ما يعد طريقة مثلى في منطقة تعج بالمرتفعات.

أولا، كان القدامى يبحثون عن مورد للمياه تدلهم عليه بقعة طمي تبدأ بسفح جبل وتمتد يمينا ويسارا، فإن وجدوه حفروا حفرة للوصول إلى الماء مخلفين تلك التلال الأشبه بغيران النمل التي شاهدتها جوا.

وأحيانا كانت المياه قريبة من السطح وبالتالي لم تكن الحفر عميقة، وأحيانا أخرىكان من الضروي حتى عمق 300 متر تحت سطح الأرض، لتتبعه حفر أخرى على مسافات منتظمة لتوفير التهوية للحفارين فضلا عن الاستفادة بالتربة الخصبة.

ولزم احتساب زاوية انحدار القناة بدقة حتى لا تزيد حدة الزاوية من نحر المياه للقناة أو يؤدي انفراجها لركود الماء مع بطء سريانه.

غير أن تلك القنوات أحدثت فرقا كبيرا، إذ مكنت الإيرانيين لقرون طوال من إمداد أكثر الأصقاع جفافا بالماء، كما في إقليم فارس بجنوب غربي البلاد حيث حاضرة برسيبوليس التي بناها الأخمينيون (550-330 ق.م) ببقعة حارة قاحلة بين جبال زاغروس كانت تنقصها المياه قبل أن تصلها تلك القنوات لتصبح برسيبوليس مركز إمبراطورية امتدت من الهند شرقا إلى اليونان غربا وعُدت بين أزهى حواضر العالم بقصورها المترفة وبساتينها الغناء.

ومن هنا انتشر اللون الأزرق الإيراني المعروف بالفارسية بالمائي ليعم شتى أنحاء البلاد.

وأثبت نظام القنوات نجاحا منقطع النظير حتى انتشر لأنحاء أخرى من العالم بدءا من الغزواتالتي قادتها جيوش الفرس ثم المسلمين العرب الذين أخذوا عنهم هذا النظام وعمموه، وصولا لشمال أفريقيا وصقلية والأندلس.

نظام "تكييف" طبيعي

كما استخدمت تلك القنوات في ترطيب الأجواء في الداخل، ففي يزد بوسط إيران حيث يشتد القيظ، مثلت تلك القنوات متنفسا أساسيا، إذ استخدمت بجانب اختراع إيراني آخر عبارة عن فتحات تهوية تعلو الأبنية يدخلها تيار الهواء الساخن ليمر على مياه القناة أسفل المبنى فيبرد ومن ثم يتوزع داخل البناية عبر فتحات خاصة قبل خروج الهواء مرة أخرى من أعلى.