الاسباب الموضوعية لرفض "البيظان" للتعدد(اظيار)

جمعة, 04/05/2018 - 10:12

 

أحاول هنا في هذه العجالة أن اكون موضوعيا في طرحي ,حتى لا أقول حياديا , لأن الحياد في أمر كهذا مستحيل نظرا لعوامل عديدة لا تخفى على أحد , لكن الموضوعية ممكنة ومطلوبة.

 

قبل الدخول في صلب الموضوع ,لا بد من الاعتراف بأن مجتمع "البيظان" الموريتاني ــ على الاقل ــ ما زال يرفض مبدأ التعدد رفضا قاطعا , يستوي في ذلك الرجال  والنساء , وليس صحيحا ما يشاع هذه الايام بأن الرجال يؤيدون فكرة التعدد كما يُروج البعض أو يتوهم , والدليل : أن نسبة تقترب من 100% من الرجال لا ترضى لبناتها ولا لأخواتها القدوم على ضرة أو قدوم ضرة جديدة عليها ,وإن حدث ذلك فسيقيم وليّها الدنيا ولا يقعدها ,بل قد يلجأ الى القضاء أو التحكيم القبلي , ولربما ارتكب معصية بمنعها من زوجها وإرغامها على الجلوس في البيت.

إذًا فلنُسلِّم بأن التعدد "اظيار" أمر مرفوض من لدن مجتمع البيظان : شبابه وشيبه , نسائه ورجاله.

ولظاهرة رفض "البيظان" للتعدد جذور ممتدة في تاريخ هذا المنكب البرزخي من العالم ,حيث كانت البداوة ــ وما تقتضيه من عدم الاستقرار والترحال الدائم ــ هي السائدة لقرون عديدة ,وربما كان لهذين العاملين الأساسيين دور في استبعاد فكرة التعدد أو التفكير فيها من الاصل لعدم إمكانيتها , بحيث يعتبر من شبه المستحيل أن يكون للرجل 3 أو 4 زوجات في آن واحد وفي خيمة واحدة في مجتمع بدوي يعيش على الانتجاع والتنقل الدائم والجري وراء الماشية حيث يوجد الكلأ والماء.

ومن هنا , وإضافة لبعض العوامل الاخرى التي ورثها المجتمع من سكان المناطق المجاورة , فقد تكوّنَ عرفٌ وتقليدٌ يُجرِّم التعدد ويستقبحه ويضع من يُقدِم عليه في صفوف المجرمين والمارقين على أنظمة وأعراف المجتمع.

هذا كان بالامس البعيد , فما الذي تغيّر في العصر الحديث؟.

 لم يتغير الشيء الكثير ,رغم دعوات مبحوحة تخرج بين الفينة والاخرى مطالبة بضرورة تقبل المجتمع لفكرة التعدد وتشجيعها ,دون أن تجد تلك الدعوات صدى يذكر , بل ما زالت الحواجز والموانع التي كانت تقف في وجه التعدد في مجتمع البيظان هي نفسها الموجودة الآن تقريبا.

ولئن كان أجدادنا ـ في نظري ـ قد أخطئوا في هذه فينبغي ألا نتمادى في الوقوع  في نفس الخطأ , فالمجتمع "البيظاني"قد أدرك مبكرا خطأ الذين منعوا أبناءهم من التعليم في مدارس الفرنسيين إبان فترة الاستعمار ,في حين قبِلته وأقبلت عليه فئات أخرى وجنَت ثماره فيما بعد, ومع مرور الوقت وتطور العقليات اتضح أن آباءنا كانوا على خطأ في تلك المرحلة ,فلماذا لا نعترف بخطئهم أيضا في مناهضة التعدد ومحاربته ونحاول معالجة الامر.

 لكن الغريب أن معظم المفاهيم والاعراف القديمة قد تغيرت مع مرور الزمن الا موضوع التعدد فإنه ما زال مرفوضا ومستهجنا لدى الغالبية , فهذه الفتاة زينب كنموذج حي ,والتي تجاوزت سن الثلاثين ,ما زالت مصرة على رفض التعدد حتى ولو فاتها قطار الزواج وماتت بلا زوج ولا أولاد.

 

وبعيدا عن الجدل الفقهي في مسألة التعدد والموروث التقليدي فإن القبول بالفكرة من حيث المبدأ لم تعد حاجة فقط بل أصبحت ضرورة من وجهة نظري ,قبِلها من قبِلها وحاربها من حاربها.

صحيح ان الامر صعب وأصعب مما يعتقد أشد المتشائمين ,لكن بالوعي ,والتوعية المستمرة ,والمثابرة ,والصبر ــ وبوجود أقلام نسائية شجاعة ــ ستتسع دائرة المؤيدين والمتقبلين للفكرة والمستسيغين لها ,بل والمُقدمين عليها والداعين لها , وحينها ستتضح الحكمة من إباحة الشرع للتعدد ومنافعه الكثيرة.

وفي الاخير أود أن أدق ناقوس الخطر , فقبل عشرات الآلاف من السنين , وقبل وجود الانسان ,كانت الارض مسرحا لحيوانات عملاقة تسمى "الديناصورات" وقد انقرضت ولم يتبقَّ منها الا هياكل مطمورة تحت طبقات الارض, وأخشى أننا بعد سنوات ــ ليست بالكثيرة ــ قد نصحو ذات يوم على بقايا سلالة قد انقرضت هي أيضا أو كادت.

 

بقلم/ محمد محمود محمد الامين