عمى القلوب التي في الصدور/الولي سيدي هيبه

جمعة, 16/03/2018 - 18:25

عندما ينفصل الحياء في البلد عن "متخلخل" و "ضعيف" مسطرة أخلاق أهله المضطربة، و يتسلل البوار الاجتماعي، والشطط السياسي، و الارتكاس الثقافي، و يتغليب حب الدنيا و شهواتها، و تحرف المقاصد الشرعية ببراعة الفتاوى الملتوية، و تتضخم "الأنا" العمياء في النفوس الغير مكترثة ـ و لو كان كل ذلك على خلفية هدوء جبان ـ و يتراءى الأمر كقبول الناس بمجريات الحياة على ما تتصف به من جمود "الذهن" و استقالة "الزند"، و ما هم عليه من مهتز و رديئ الأحوال، و تخلف عن الركب الأممي، فلا حائل لحظتها دون الجزم بأن حاضر هؤلاء لن يوفر "التوازن" الضروري في زمنهم، أو يدفع إلى تحسين واقعهم المعيش، و أنه لن يتسنى لهم العبور كذلك بسلاسة إلى المستقبل أحسن.

هذا ما أتثبتنه تباعا من حول البلد التجاربُ الأليمة التي خاضتها شعوب و دول كثيرة من خلال ما انساقت إليه من اضطرابات و فوضى و حروب أهلية أحيانا صفعتها على حين غرة و أشعلت أخضرها قبل يابسها؛ اضطرابات و حروب كان من المستبعد بتاتا وقوعها لثقة نخبها "المصطنعة" اللزجة بالمسار الذي تنتهج و احتمائها الأعمى و الأرعن في الهدوء الذي يلفه.

إن حرب لبنان التي طال أمدها في 1975-1990 قد أندلعت على  إثر مشادة كلامية بين رجلين حول مسألة تتعلق بغبن أصحاب فئة لأهل فئة أخرى، لم يكد يصل الخلاف إلى المحكمة حتى بدأ الهرج و المرج. و حرب ليبيريا 1989-1996، و السيراليون 1991-2002 سببهما هيمة الإفريقي المستعلي "العائد" إليهما، من أمريكا بعد الانعتاق من الاسترقاق الأبيض،على صهوة فرس التحضر الغربي، و ثورة تونس 2010 انفجرت بسبب ضغط التباين الكبير بين الحاكمين و أذنابهم و عموم الشعب المقهور، و في ليبيا 2011 بسبب اشتداد قبضة "الديكتاتورية" و السعي إلى توريث الحكم، و في مصر و سورية من الضغط على الشعوب في بلدانها المغتصبة من طرف ثلة قليلة من مواطنيها تحرمها من حقوقها و مما يخرجها حتى من الغلب الذي يطحنها، و في اليمن بسبب عمق وطأة القبلية الجاهلية و حميتها لا سيما أنها تلبس ثوب الاختلاف المذهبي المزمن.

فمن يمنعنا من الانزلاق إلى مثل هذه الانتفاضات علما بأن المال في البلد مكدس كله بين أيدي ثلة قليلة من أرستقراطية قبائل معدودات تتقاسم:

·        "الجاه"

·        و "الحرابة"

·        و "الكلمة"

·        و "الصدارة" في كل مناحي ز أوجه الحياة،

و تسيطر على مرافق الدولة و دوائر النفوذ فيها، تشاركهم فئات قليل من جملة "لا طاح الماسندو اذراعو" و هو في الغالب "ذراع" التحالف من الدرجة الثانية و الانخراط في جوقة المحاباة و المساندة العمياء للأقوى مرحليا.

فمن يملك:

·        المصارف التي لا يتردد البعض في إطلاق أسماء القبائل عليها؛ مصارف لا يتعامل أغلبها بالقواعد المصرفية الدولية المعهودة؟

·        المكاتب الدراسية التي لا تستغني في صفقاتها بالتراضي عن الصينيين و غيرهم عند استلام مهمة التنفيذ؟

·        المدارس الخصوصية و الجامعات المرتجلة في الزمان و المكان لا مختبرات لها و مدارج و مكتبات

·        من يملك القدرة السحرية على بناء العمارات الشاهقة و هو في سن المراهقة؟

·        من يملك المصحات الخصوصية و المكاتب الدراسية و الأسواق التي سوق شرائية لها إلا تدفن الأموال السهلة في بناياتها الكبيرة؟

·        من يستورد ما يريد، متى يشاء من حيث يريد؟

·        من يحتكر غاز البوتان و المحروقات و يزيد الأسعار متى شاء؟

·        من يملك الأطر الحزبية موالاة و معارضة؟

·        من يعلم أبناءه في أحسن المدارس ثم يوظفهم بعد تخرجهم و أحيانا قبله؟

إنهم حصرا برجوازيو هذه الكائنات القبلية المعدودة التي مهما اختلف وجهاؤها التقليديون، و حماتها في كل مفاصل الدولة، و مترفوها في كل مضامير السباق التي يسلكون، فإنهم متفقون على تبادل الأدوار بحسب ما تكشف عنه الأقدار؟

فهل تظل السيرة "السيباتية"  سيف "داموكليس" مسلطا على مسار بلد كتب له أن يولد من رحم "اللا دولة" و إرادة شعب يريد السواد الأعظم منه أن ينعم بحقوقه في جو من التوازن الاجتماعي تحت ظل دولة المواطنة العادلة، أم أن القلوب العمياء التي في الصدور الظالمة ستظل تمسك بدفة الواقع إلى تخوم المجهول؟