رأي في الحوار....

اثنين, 31/10/2016 - 18:38

سيدي رئيس الجمهورية.. سادتي الوزراء ورؤساء الأحزاب: أغلبية ومعارضة.. حراكنا الشعبي الكريم:

يسرني أن أبارك لكم في الحوار الأخير الذي دار بين أحزاب، وتغيبت عنه أخرى. وإن كانت الشمولية والإجماع، أكثر حكمة وبركة، وأنفع وأجدى. لاسيما في الشأن العام، الذي ينبغي لكل من موقعه، باسمه ووسمه، وتصوره وفهمه، أن يسهم فيه.

والحوار أو التشاور صفة محمودة، وركيزة أساسية من ركائز الديمقراطية. ولا أقول "اللعبة" الديمقراطية، لأن اللعب من شأن الأطفال وليس من شأن الساسة الكبار، لعدم فائدته على الطفل، من باب أحرى من يحملون هم الشعوب وتقدم البلدان، والذود عن شرف الأوطان.

وإنه لحري بي من خلال هذا المقال احترام الدستور، وأن لا تطاله "اللعبة". وهي لا تسمى باللعبة الديمقراطية إلا إذا كانت في طور النشأة. كما هو الحال في البلدان النامية. أما إذا نمت وترعرعت، فهي جد واجتهاد في سبيل تحقيق السعادة والحرية، والهناء للشعوب، وتنمية واستغلال مواردها الطبيعية والمكتسبة: من تجارب وخبرات، ومؤهلات سياسية وعلمية، وثقافية، وتناوب على السلطة كما هو الحال في الدول المتقدمة.

والدستور الذي نطالب باحترامه – كما هو معلوم – وثيقة شعب بكامله اختارها لنفسه وتعاهد عليها. وأعدها من أهم مقدساته. وأقر احترامها، وقدمها في حفل بهيج لرئيس الدولة وولي أمرها. فأقسم مرتين باحترامها. وتعلمون – سادتي الكرام – ما في القسم بالنسبة للمسلم. ومعلوم كذلك أن تصعير الخد والميل عن الحق لا ينبغي لكائن من كان من عامة المسلمين، أحرى أميرهم الذي نرجو عدله وصوابه وسداد أمره، لصالح البلاد والعباد، مع طول العمر. وأن يكون للجميع وعلى مسافة واحدة من جميع مكونات الطيف السياسي، وعلى مستوى تطلعات شعبه الأبي. ولنا في احترام العهود والعقود أسوة حسنة في رسول الله صلى الله عليه وسلم، بدءا بالوثيقة التي تعاقد عليها مع سهيل بن عمر، ومرورا بسائر حواراته صلى الله عليه وسلم، مع خصومه وجيرانه من اليهود وغيرهم، وانتهاء بأحاديثه الشريفة التي تحث على الوفاء بالعهد. ولا أرى – البتة - أن سلطانا مسلما – أيا كان – يريد السلطة إلا ليرضي الله سبحانه وتعلى، بما ينجز من خير للمسلمين، سيما من كان شعاره الذي عودنا، أن يفتتح به خطاباته الرسمية، قوله تعالى: {إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.

أما ما يتعلق بتساؤل سيدي الرئيس حفظه الله ورعاه، عن معنى لون العلم الأخضر البستاني، ونجمه وهلاله الصفراوين، الذهبيين، المتلألئين كالدرة في وسط العقد. فإن قراءتي له هي أن النجم قد أقسم به الله تعالى، لتبرئة رسوله الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام، في قوله تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى. مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى. وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}. وقال جل من قائل أيضا: {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ. وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ. النَّجْمُ الثَّاقِبُ}. كما أن للنجم خمسة زوايا بعدد أركان الإسلام الخمسة ونحن أمة مسلمة، وشرائحنا متعددة، ولحمتها الأساسية الإسلام، وذي أركانه الخمسة ممثلة في النجم. والنجم كذلك  يرمز إلى علو الشأن والهمة. والهلال جمعه أهلة، والأهلة جعلها الله مواقيت للناس.

كما أن اللون الأصفر يعبر عن تفاؤل للذهب، الذي هو أنفس الأرزاق. وقد تحقق هذا الفأل. بعد عقود من الزمن بفضل الله تعالى. إذ انشقت أرضنا عن صخور وأحجار كريمة من الذهب وغيرها من المعادن النفيسة في "تازيازت" شمال موريتانيا. كما تحقق الفأل الآخر بالاخضرار البستاني، إذ امتلأت الأودية والسهول وضفاف الأنهار، بزراعة الأرز والقمح اللذين لم نكن نعرفهما آنذاك، وغيرهما من الثمار. ناهيك عن العشب وما ينجم عنه من لبن وعيش رغد.

ومعلوم أيضا أن اللون الأخضر هو لون لباس أهل الجنة، ومصداق ذلك قوله تعالى: {...وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ...}.

ولو طالت نقاشات السادة المتحاورين، مواضيع أهم، كاستغلال مواردنا الطبيعية وسبل تسييرها تسييرا حسنا، وآليات الديمقراطية الحديثة، والتناوب على السلطة، وشفافية الانتخابات، وحياد السلطة، والقضاء على الزبونية والرشوة والمحسوبية. وإيجاد فرص العمل لشباب البلاد، شباب الأمل، العاطل عن العمل. لكان أجدى وأهم، من نقاش إضافة خط أحمر للعلم، وما يحمله هذا الخط الأحمر من نذير شؤم، ودم، وتفرقة، وتشرذم، و"قزحية" في اللون، وإن كانت هي المراد أصلا من إضافة الخط الأحمر. لأن إضافة لون ثالث أحمر إلى الأخضر والأصفر، هو بالذات "لون قوس قزح" الذي يراه عامة الموريتانيين نذير شؤم ينذر بتوقف المطر، في حال ظهوره في الأفق. ولا نريد أبدا أن يكون لون علمنا المبارك قوس قزح.

أما ما يتعلق بالشعر والوجدان فحدث ولا حرج، فذي أجيال ولله الحمد منذ أزيد من خمسين سنة وهي تنظر إلى هذا العلم المبارك، الشامخ، يرفرف بفخر وعز وصمود، ووقار في سماء موريتانيا الحبيبة. يحييه الطفل في مدرسته مرتديا زيه الوطني: قميصا أبيض وسروالا أسود، رمزا للوحدة الوطنية، وتلاحم شعبه، بأبيضه وأسوده فيتربى على ذلك منذ الصغر. كما أن الولاة والحكام يرتدونه في مكاتب العمل. لأنهم نشأوا وتربوا على تلاحم الأبيض والأسود حتى في ملابسهم.

ويحييه الجندي في ثكنته وبدلته العسكرية الموحدة، دليلا على وحدة المصير، ودفاعا عن الحوزة الترابية.

أما النشيد الوطني، فإن لغتنا الرسمية هي لغة القرآن، ونتفق عليها جميعا. فما الداعي إلى تغييره؟ فدولة نشيدها غير موحد فإن لذلك عند السامع دلالة واضحة على عدم وحدتها في المبدإ والمصير، ناهيك عن المعاني الجميلة المباركة التي يحملها هذا النشيد المبارك في ثناياه.

وفيما يتعلق بذكر المقاومة والتشهير بها فإنه ينبغي أن يكون بذكر أمجادها، وبطولاتها، في أندية ومهرجانات، وأيام تفكيرية تعنى بتخليد أبطالها، وتكليف الباحثين والشعراء والمؤرخين بتسطير تاريخهم، وتدوينه والسير على نهجهم ونضالهم، وحبهم للوطن، ويرصد له نصيب من المال، قل أو كثر. كما ينبغي أن يكون تقدير المقاومة بتربية أبنائها على التمسك بالدين الحنيف، والشريعة السمحة، والأخلاق الفاضلة، وشق الطرق وتشييد المطارات، وتطوير الصناعات، وري المزروعات، وتعليم أبنائهم كذلك، بأحسن العلوم وأنفعها ليكونوا دائما وأبدا شناقطة، روادا لكل فضيلة.

وفي الختام، رحمك الله يا "مختار بن داداه" ومن معك من الأخيار، على ما اخترت للوطن من ألوان جميلة للعلم، وفأل حسن تحقق بعد موتك.

وأعزك الله يا محمد بن عبد العزيز، على ما سعيت فيه من عز شعبك ووطنك. وحبذا لو احتضنته: أغلبية ومعارضة، بذراعين مفتوحتين وصدر رحب.

ونصرك الله يا "جميل منصور" ما دمت لله ناصرا، وبالفعل الجميل آمرا.

وأما "صالح": فصالحنا إن دان لله صالح، سدد الله خطاك وأيدك بنصره المبين، وعاملك بلطفه الجميل، وعطائه الجزيل، وجعل لنا ولك إلى المعالي سبيلا.

والحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى.

       بقلم:

القاسم بن أبنو ولد امحمد ولد سيدي