ملاحظات حول مقال الكاتب المحترم محمد يحظيه ولد ابريد الليل

سبت, 04/11/2017 - 13:26

يخرج الكاتب والمثقف والسياسي المشهور وأحد زعماء حزب البعث العربي الاشتراكي في موريتانيا السيد محمد يحظيه ولد ابريد الليل.. بخطاب مزدوج له مستويان : للمثقف فكرته وتحليلها ..وللعامي ابتلاع نتائجها دون فهم ولا تمحيص .ويمكن القول ـ أيضا ـ بأنه موجه فقط للنظام والنخب السياسية، ومهما يكن من أمر فإن المتتبع لهذا الخطاب يجد أن ثغرات تخللته منعته أن يحلق كالمعتاد في الأفق الواسع الذي عرفته كتابات الرجل ، لكن أسلوبه المميز لم يسمح له بالنزول لدرجة الهوان عند المثقفين ، كما أن غياب آلية الانتقال بين المستويين .. أو الانتقال غير السلس ، لم يسمح أيضا بنزول الخطاب في فهمه لمستوي الشعبوية إن كان قد أريد له . حاول الكاتب المحترم أن يكون موضوعيا قدر الإمكان ، ولا تخلو تلك المحاولة من حكمة وحنكة سياسية واضحة ، فحتي يستساغ رأيه ويكون مقبولا ما يريد أن يصل إليه من أفكار تصب في المنحي المعارض للنظام ، تحدث عن المعارضة وسفه أمرها ، وعندما أراد الحديث عن النظام أقر بوجود إيجابيات ، وبدأ بها ليتفرغ للسلبيات ، وليسترسل ويرسل فيها ما يشاء من رسائل .

بدأ الكاتب بتشخيص الوضع السياسي في البلد قبل ذلك قائلا إنه: مجال لا يبتسم فيه الأمل ، ومشهد ينبئ عن غول مجهول لم يتم الاحتراس منه  فهذا الرأي سياسي محكوم بأجنة جماعية ذات خلفية فكرية وسياسية.. تريد اختزال المجال السياسي في المشاركة والتواصل ..ليكون لها حظ أوفر فيما بعد الاستحقاقات القادمة ،في جو من الانسجام والتوافق السياسي وقد تضمن عرض هذه الفكرة مجموعة من الثغرات نتتبعها فيما يلي :

 

أولا مفهوم المجال السياسي : لقد اقتصر الكاتب علي تعريف ضبابي غير دقيق لمفهوم المجال السياسي ، وقد اضطره ذلك إلي تعريف للتعريف وربما اضطره إلي خلط تعريفين مختلفين لمفهوم المجال السياسي من حيث الركائز التي يقوم عليها كل منهما يقول الكاتب:"فالمقصود بالمجال السياسي، هو عمق المسألة السياسية ولُبُّها. ونعنِي به هنا جذورَ وأسبابَ وعلاجاتِ الأزمة البنيوية، ومستقبلَ المجتمعِ والكيانِ، والمسارَ الحقيقيَّ للأمر العامّ والقضايا الكبرى" . نحن لا يمكن أن ندعي معرفة بالموضوع أكثر من الرجل ، ولا أن ندعي الندية معه ، لكن ذلك لا يعني عدم إمكانية محاورة الرجل فيما قال من خلال البحث ومحاولة الكشف عن ماذا يريد بمفهوم المجال السياسي ، وطبعا يمكننا أن نتلمس رأس الخيط الدال علي ذلك المفهوم ، من خلال صيغة العموم الدالة عليها كلمة مجتمع وكلمتي ،الأمر العام ،والقضايا الكبري . مما يعني أن هذا المفهوم يشير إلي المجال العام كما هو معروف عند المهتمين بتلك الدراسات ، ومهما يكن من أمر فإن ما أرداه الكاتب بهذا المفهوم عند تنزيله علي الخصوصية الظرفية لبلاده ، لن يخلو من ثغرات تشوبه . فإذا كان يعني بالمجال السياسي المجال العام الذي انتشرت فكرته في القرن الثامن عشر وكان "يورغن هابرماز" أبرز منظريه والذي اعتبره صناعة تتعلق بمسألة الدولة وتلك الضروب من القضايا العامة التي يمكن أن تتوجه إليها أو تتعلق بها سياسة الدولة . إن كان ذلك ،فإن هذا المعني قد أخذت عليه مآخذ كثيرة منها ماهو كفيل بنسفه وهو: أن المجال السياسي بهذا المفهوم الذي يتبني المنظور الليبرالي ، يتوقف علي تنظيم الحياة الخاصة... قبل السياسة التي تمكن المواطنين وتشجعهم علي الارتفاع فوق الهويات والمشاغل الخاصة، ولاشك أن إشارة الكاتب إلي الدعوات الفئوية الحالية (الأزمة البنيوية)، وإشارته إلي خلفيته السياسية والجمعوية (القومية) في قوله :"أما نحن بوصفنا أصحاب رؤية سياسية متواضعة " والحديث عن ضرورة إشراكهم في المكاسب السياسية إذ يقول :" لم تر أي صيغة ـ مهما كانت بدائيتها ـ للعمل السياسي وإشراك الأصدقاء والمخلصين في الرأي والقرارات السياسية". تشير هذه العبارات إلي تبني الكاتب مفهوم المجال السياسي بذلك المعني الذي يركز علي بناء الشأن العام انطلاقا من تعزيز وتأكيد المصالح الشخصية ،وهو ما لا يمكن حصوله ـ لأنه إذا زاد حطبها زاد لهبها ـ وذلك خلافا لما يفترضه المفهوم في العصر الحديث من العمل وفقا لما من شأنه أن يحقق المصلحة العامة للدولة والمجتمع بما فيه من تمايزات إثنية أوفئوية دون العمل علي تجذيرها . وبهذا لا يكون الكاتب قد وفق في نقد المجال السياسي في بلادنا ؛لأن النقد بهذا الخصوص يجب أن يكون موجها إلي الفئوية والجماعية ـ إن صحت العبارة ـ وإلي القوموية، والإسلاموية ..حتي لا يصبح كل جزء من المجتمع يبحث عن مصلحته الخاصة تحت شعار خاص ،في الوقت الذي لا يمكن للدولة مهما كانت مقدراتها ومهما كان سعيها لإرضاء الجميع أن تتغلب علي الوضعية بسبب أن أي مجموعة لن ترض بسقف نهائي من المطالب وسيظل سقف المطالب يرتفع مرة بعد مرة . الأمرهنا يتطلب أن يعمل الكتاب والمفكرين وأصحاب الرأي السياسي الحقيقي ،وأن يكرسوا جهودهم، وجل وقتهم ، لإفهام المسألة وإظهار عواقبها الوخيمة علي الطالب والمطلوب ، والحيلولة دون الانهماك فيها ،أي أن يربوا الناس من خلال توجيه الرأي العام ، علي الارتفاع فوق الهويات والمشاغل الشخصية والمصالح الضيقة ، وبذلك يكون المجال السياسي في أي بلد بخير وعافية . أما إذا حصل أن جرد الكتاب والمثقفون أقلامهم لشرعنة المطالب الفئوية والجمعوية الخاصة والضيقة دون حدود ، أو نبذوها لكنهم أظهروا النظام علي أنه مغتصب لتلك الحقوق ، مستبد بالمكاسب وأنه قادر علي حل الأزمة بإرضاء الجميع ، فكيف يمكن للمجال السياسي أن يسلم؟.

 

 يشير الكاتب إلي أزمة بنيوية في المجتمع ويحاول إقناع القارئ بأن حلها هو مادي صرف :يمكن للنظام أن يتكفل به وبجدارة ، والحقيقة أن النظام ليس بوسعه أن يعمل حيالها غير الكبت والقمع ـ الذي ينافي قيم الديمقراطية والحرية ـ إلا طلب تكوين رأي عام حولها يظهر مساوئها وضرورة الحد منها ، وهذا الحل متاح أولا وأخيرا للنخبة السياسية المثقفة وبمساعدة الدولة طبعا.

 

هذا المستوي من المعالجة ينم عن فهم الكاتب بأن هذه الأزمة مبعثها هو الجري وراء المصالح الخاصة ... في الوقت الذي يفهم فيه ـ أيضا ـ أن الحل المناسب لهذه الأزمة هو ما أسلفنا وليس للنظام من دور رئيس فيه و لا في أسباب الأزمة أصلا. ثغرة كبيرة جدا أن يظل كاتب كبير مثل محمد يحظيه ولد ابريد الليل ، يتبني فكرة عن المجال السياسي لها مثالب واضحة، وعدل عنها الباحثون في هذا الميدان ولم تعد مشهورة في العصر الحديث. ثم إن هذا المجال الذكوري بامتياز قد شهد نقدا نسيويا لاذعا عبرت عنه "حنه أرندت" ، حينما بينت بأن هذا المجال يدعم بشكل طبيعي الانقسام الجنسوي ، مما يعني ـ بالطبع ـ تهميش المرأة في المجتمع الذكوري أو الأبوي ، وعندما نلتفت بموضوعية إلي مجالنا السياسي نجد بكل أعتزاز أن المرأة أخذت دورها المناسب إلي جوار الرجل في هذا المجال لأول مرة في تاريخ البلد. حيث ترشحت للرئاسيات ، وتقلدت منصب وزير الخارجية ،ووزارات أخري وكثرت في غرف البرلمان ـ أي في تمثيل المجتمع ـ وأصبحت واليا ، وحاكما ، وقاضيا ..لأول مرة في تاريخ البلد ، مما يعني سعي النظام الحالي إلي توطيد لحمة المجتمع وتعزيز وحدته الوطنية من خلال تطبيق سياسة تكافء الفرص دون تكريس للانقسام .. فكان حريا بالكاتب ألا يطلق المجال السياسي علي بنية المجتمع... بإطلاقه ثم يصدر الحكم عليه بالاطلاق ،دون أن يذكر هذا التطور النوعي الذي حصل مادام قد فرض علي نفسه قدرا من الموضوعية. أما إذا كان الكاتب يعني بالمجال السياسي : تدبير الشأن العام والقضايا الكبري للبلد ، فإن النقد الذي وجهه إليه ليس واردا بالاطلاق . ذلك أن أبرز الانجازات التي قام به رئيس الجمهورية الحالي السيد محمد ولد عبد العزيز ، هي إنجازات استراتيجية ذات مدي بعيد في أعماق المستقبل ، فعلي سبيل المثال لا الحصر : مشروع إصلاح الحالة المدنية هو مشروع سيستمر وستتعاقب الأنظمة بعد ولد عبد العزيز ولن يشغلها ما كان يشغله أيام مجيئه إلي السلطة ، من مشاكل تتعلق بعدم ضبط الحالة المدنية . إعادة تأهيل الأحياء العشوائية بانواكشوط وانواذيبو ، هو إنهاء إلي الأبد لعقود من معاناة الفقراء الذين كانوا يتلظون بلهيب مدينة عصرية لم يجدوا سبيلا إلي دخولها ، هذا الإنجاز لن يعود إلي الوراء ، أما ما أنجز في الصحة ، والتعليم ،والطرق ، والصيد ،والمياه ، والكهرباء، وإصلاح الإدارة ، ومحاربة الفساد ، والسعي للقضاء علي الفقر ... فأقول بأنه : سهل أن ينكر ناكر ضوء الشمس في رابعة النهار ، لكن من الصعب عليه أن يقنع الآخر بغيابها . فقيمة ما أنجز .. قد يتمكن البعض من الالتفاف عليه وإنكاره ، لكن المشكلة تكمن في عدم إمكانية التطبع ، وفي أن تلك الإنجازات تتزايد باستمرار، حينها سيعرف المنكر أن شيئا كثيرا قد حصل ، وسيعترف رغما عنه في إحدى لحظات الصحوة التي قد يعرف،وتحت ضغط المنجز، ولهذا فإني أحذر من سيتولي رئاسة الجمهورية بعد ولد عبد العزيز أن يشد مئزره ، وأن يحيي ليله ونهاره ليحافظ علي ما تم إنجازه إن لم يقدر علي زيادته ، فإن ما أنجزه ولد عبد العزيز حتي الآن ... كان وفقا لمشيئة الشعب وبإرادة منه ، وسيسهل علي هذا الشعب أن يفهم أنه قد تم الإنحراف عن ذلك المسار بكل سهولة ، إذا ما حصل انحراف عنه، وحينها سيكون النظام أنذاك علي موعد مع الغول ، الذي يهدد به الكاتب النظام الحالي !.

 

فالمجال السياسي بهذا المعني ليس فيه ما يبعث علي القلق مطلقا، وإذا كان هذا المجال في عصر الجمهورية قد شمل عددا من القضايا المهمة كاتساع المشاركة السياسية ، ووجود مجالات أخري مداخلة ، ودور وسائل الاعلام ونوعية الخطاب النقدي العقلاني ، فإن كل ذلك متاح ، إلا بالنسبة لمن أبي..

 

ثانيا : المشهد السياسي لا أريد أن أطيل في هذه النقطة ، وأرجح الاختصار بعد أن أطلت في النقطة الأولي التي اختصرها الكاتب بدرجة شبه مخلة. المشهد السياسي يتألف من كتلة الموالاة وكتلة المعاهدة وأحزاب المعارضة الأخري ممثلة في المنتدي ، يريد الكاتب أن يضيف صعوبات التوافق علي ما أسلف من نقد بخصوص المجال السياسي ، الذي لا يبتسم له الأمل ـ حسب عبارته ـ ليصف النظام بالعجز والتقصير . والواقع أن هذه التجاذبات السياسية هي ظاهر صحية في العمل السياسي ، ليس فيها كماهية أي وجع . إنما الوجع يكمن في بناء المواقف في السياسة العامة للبلد علي شرط واقف هو تحقيق بعض المصالح الشخصية للأفراد أو الجماعات، ويكمن الوجع ـ أيضا ـ في استغلال الصراع السياسي من قبل ذوي الشأن ،ومن قبل الكتاب والمثقفين لتحقيق مصالح ضيقة ذاتية ،أو فئوية .. ودعم أي حل يضمن تلك المصالح حتي ولو كان حلا وخيم العواقب علي استقرار المشهد السياسي مستقبلا !!.

 

ثالثا : الرأي السياسي يري الكاتب ضرورة الدفع بالحوار نحو الأرضية العامة للمشاركة وهو رأي لا يجانب الصواب إذا سلم من موانع، وذلك بتذليل صعوبات الحوار ، وهنا يسقط قناع الموضوعية ، حيث يٌظهر الرأي الانحياز إلي كفة المعارضة رغم ما وصفها به سابقا من أوصاف غير جذابة ولا مغرية.. ويحمل الكاتب النظام مسؤولية فشل الحوار ومسؤولية انتشاله دون إمعان في الدراسة ولا تمحيص للأسباب .. إنه رأي مؤسس فقط علي النظر إلي ضرورة حصول التوافق .. بغض النظر عن مآلات الأمور. وبما أن المعارضة ليس لها ما ستخسره بسبب فشل الحوار ـ انطلاقا مما وصفها به سابقا ـ فإن الذي عليه أن ينقذ الحوار هو النظام ، ويستخدم الكاتب لفرض رأيه فكرة غول المستقبل ، وفكرة السلطة السطحية .. ينطلق الكاتب المحترم من حال المشهد السياسي الحالي ، ويذكر النظام بالمجال السياسي وحاله ، وينصحه بأن يحذر المستقبل ، وأن يتعامل مع المشهد السياسي بمنطق الخوف من العواقت لا بمنطق التصلب علي المواقف لعدم خشيته من معارضة ضعيفة ، ففي المستقبل "غول" مختبئ يجب علي النظام أن يخشي انقضاضه عليه . وهذا يعني بمنطق الكاتب أنه علي النظام ، أن يستجيب لضغوط المنتدي ، ويؤجل الإنتخابات ويقبل بحكومة توافقية ، ليأمن مكر ذلك "المجهول".

 

يمكن أن نذكر الكاتب المحترم ، بأن النظام ليس لديه أي مشكلة خلافا لما  ما يزعم ، وليس هذا تغطية علي خطر أو عدم صدق مع النظام ، بل هي حقيقة ورأي سياسي آخر ربما تكون له مبرراته. يمكن للنظام أن يقبل كل شروط المعارضة دون استثناء ، ثم يعبر إلي حسم الانتخابات القادمة في الشوط الأول سواءا تعدد مرشحو المعارضة أو كان مرشحهم واحدا ، وأعيد إلي الأذهان بهذا الخصوص تجربة انتخابات 2009 وعندما يقبل النظام تلك الشروط ، يكون قد غلب بذلك المصلحة الآنية للنظام في إسكات كل الأصوات دون أن يحدث ذلك أي تهديد له ، وإن فعلها فلا بأس أن يغلب مرة مصلحة النظام . لكن النظام قد يرجح مصلحة الوطن ، ومصلحة الأجيال القادمة ، ومصلحة الطبقة السياسية الجديدة ـ التي يشكك الكاتب في إمكانية وجودها ـ وذلك بمنع القبول بتأجيل الانتخابات وكذا عدم تشكيل حكومة توافقية ، حيث ستكون هذه الأمور تقليدا سيئا عند سياسيينا المتمصلحين ، في المستقبل. فكلما شعر أحد أصحاب الشأن السياسي أنه خارج اللعبة ، أو أن مصالحه أو مصالح حزبه أو فئته قد تضررت ، يسعي إلي تجميع أمثاله من المتمصلحين وهم لاشك موجودون بكثرة في كل مرحلة ، ويؤلفوا تجمعا سياسيا ، قد ينادي بمطالب مستحيلة أولا (رحيل النظام ) كخطوة لضمان ماهو دونها ـ مثلا ـ وعند التراجع عن المطلب المستحيل تكون هذه المجموعة منصفة إذا أرادت دخول الحكومة والمشاركة في التسيير السياسي للبلد ، علي الرغم من أنها لا تملك سوي نائب أو إثنين في البرلمان. وتظل هذه الحكومة شرطا لاغني عنه للخروج من أزمة سياسية هم من افتعلها بدون مبرر غير البحث عن المصلحة الضيقة ، ويسوقون عملهم السياسي علي أنه من أجل المصالحة الوطنية ، ويهدف لخير الوطن والمواطن ..وكذا تأجيل الانتخابات ، لايراد به إلا الضغط واكتساب ورقة عدم الشرعية. كان حريا بالكاتب الكبير المحترم ، أن يتوجه إلي المنتدي ...ويطلب منهم التخلي عن هذه الشروط التي ستؤدي إلي تعليق الحوار ، وأن يقبلوا بتنازلات النظام ، ليعبر الجميع إلي انتخابات تشاركية . ذلك هو الرأي السياسي المناسب ، أو كان عليه إن أراد أن يكون النظام هو صاحب الحل القادر عليه...بحكم غياب عقدة الضعف عنده ، أن يجرد الخطاب من التهديد والوعيد الملفوف في ثوب من النصح والنقد الموضوعي والمعبر عنه أحيانا بصريح العبارة. كان علي الكاتب أن يبرز قدرة النظام من خلال امتلاكه لكل الخيارات بمستوي لائق من الثقة ، ثم يسعي إلي استجدائه أن يحسم الأمر بمشاركة الجميع في الاستحقاقات القادمة. كان عليه ألا يسعي إلي إضافة ما يراه جمرة القومية إلي جمرات الإسلاميين والفئويين ، كان حريا به أن يخفف من المشي علي الجمر ، أوعلي الحبل المشدود. عليه أن يطفئ بقلمه جمرة تحرق جسم المجتمع ، ليتذوق في عقلانيته الريق بطعم تمرة.  

 

 إذا كان الكاتب قد نبه إلي أن هناك أزمة بنيوية لم يشأ تحليلها علي الوجه المطلوب.. وتقصيرا وعدم اهتمام بالشأن العام والقضايا الكبري من طرف السلطة ، فعليه أن لا ينسي بأنه بارك الأمر ووافق عليه ، ولا يمكن أن يدعي بأنه تلافي التعبيرعن هذه الملاحظات باكرا ، لأن اقتراب الغول المختبي فيما بعد الانتخابات القادمة ، لابد أن يجد ما يبرر وجوده في تراكمات سابقة تحتاج إلي وقت ، ثم إنه لايزال يعتبر أنه ـ بصيغة الجمع ـ من النظام ولا يريد لعري الارتباط أن تنبتر. ومن هذا وذاك مما سبق..لن يتسني للقارئ الكريم في هذا الرأي السياسي سعيا واضحا إلي المصلحة العامة وتخطي العقبات من أجل الوصول إليها ، لكن ما يمكن أن يجده بدون كبير عناء هوأن ما أراده الكاتب من تخطي العقبات (التوافق) هو من أجل مكاسب سياسية ضيقة، وسيجد إشعارا بأن الشريك المهمش آن له أن يستفيد وإلا فسيحمل مشعل المعارضة الذي خبت جذوته بين أيدي الاسلاميين وغيرهم حتي الآن، ليشتعل من جديد علي أيدي القوميين البعثيين وغيرهم من المتضررين ـ حسب تعبير الكاتب ـ والذين يري الكاتب أنهم معهم في نفس الحال ، لكن علي الكاتب المحترم ألا يتغافل عن أن مصلحة البلد فوق القوميين والإسلاميين وفوق شتي أصناف التقسيم الفئوي والإثني ، وأنه لايزال في القوم من يقف عند الحق ويأيده ويآزره ويشهد به ولو علي نفسه إلي يوم الدين . إن أخطر عدو يواجه مستقبل هذا البلد ، هو التمترس وراء المصالح الضيقة وعدم انفكاك الشأن السياسي العام عنها في مخيلة الفاعلين السياسيين !!!.

 

 

 سيد الأمين ولد باب